> رسالة مفتوحة إلي الدكتور يحيي الجمل!..
كتب: د. إمام عبدالفتاح إمامأعلم يا سيدي علم اليقين أنك لم تكن لك علاقة أياً كان نوعها بموقعة «الجمل» الشهيرة في ميدان التحرير وما حوله، لكنني أعلم أيضا وبنفس اليقين أنك قُدّت معركة أشد ضراوة دفاعاً عن الظلم واستخفافاً بعقول الناس - مستقبلهم وماضيهم في آن معاً. يوم أقمت حواراً في جريدة الأخبار القاهرية يوم الجمعة 25 فبراير 2011 وأنت تحتل مركزاً بالغ الأهمية والحساسية فقد كنت نائباً لرئيس الوزراء يومها، فضلاً عن أنك كنت أستاذاً للقانون قبل ذلك، أي أن كلامك سيكون له كل الأهمية والاعتبار والتقدير - يومها قلت يا سيدي: «أنا ضد محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك.. وعفا الله عما سلف». وكان رأيك بالتفصيل أنه إذا ثبت وجود أرصدة مالية للرئيس السابق أو لزوجته أو أبنائه في الخارج، فهذه الأرصدة لابد أن تعود للشعب لأن الرئيس السابق من أسرة بسيطة ثم رويت لنا تفسيراً بل مبررات ذلك علي النحو الآتي: «في أوائل الثمانينيات بعد توليه الرئاسة لسنوات قليلة قال لي الرئيس أنا سمعت أن هناك عمارة في مدخل المعادي تباع الشقة فيها بـ250 ألف جنيه، وأنه يريد شقة لأحد أبنائه ولكنه لن يستطيع شراء شقة للثاني! قلت له - والحديث للدكتور الجمل - سيادتك مفيش معاك نصف مليون جنيه..»! ويتابع الدكتور يحيي الجمل حديثه: ما أريد أن أقول من روايتي لهذه الواقعة أن الرئيس السابق حسني مبارك حتي ذلك الوقت لم يكن يملك إلا 250 ألف جنيه، كان هذا المبلغ مكافأة نهاية خدمته بالقوات المسلحة! وإذا كان هذا هو كل ما كان الرئيس يملكه في أوائل الثمانينيات.. وإذا قلنا إن زوجته كانت مدبرة وأن هذا المبلغ قد تضاعف خلال سنوات حكمه مضروباً في عشر مرات فتصبح ثروة الرئيس السابق 2 مليون جنيه تقريباً، أما إذا وصل هذا المبلغ إلي المليارات فمن حقنا أن نسأل من أين لك هذا؟ ولا بد أن يعود هذا المال إلي أصحابه، وأن يرد إلي هذا البلد الغلبان. ولكن محاكمة الرئيس السابق أنا ضدها «.. وعفا الله عما سلف والله يسامحه ويسهل له».. «ويستر علينا وعليه».. وهذه هي شيم الشعب المصري.. والحق أنني عجبت أشد العجب من هذا التبرير الغريب يصدر عن أستاذ للقانون يعلم تمام العلم أن القانون لابد أن يكون عاماً ينطبق علي الجميع دون استثناء وإذا صح ذلك وجب علينا أن نطلق سراح أحمد عز والمغربي وعمرو عسل وعشرات غيرهم، ونوقف التحقيق مع 160 مسئولا وبرلمانيا استولوا علي أراضي الخريجين ويكفي أن نسترد ما سرق وعفا الله عما سلف وربنا يستر عليهم وعلينا! فقد كانت مصر يوما بقرة حلبوها الله يسامحهم ويسهل لهم! معتمدين في ذلك كله علي شيم الشعب المصري! ماذا نقول في مثل هذا الكلام الغريب يصدر عن مسئول كبير في الوزارة وضليع في القانون؟ نقول إن الرسول الكريم كان له رأي آخر عندما قال : «والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.. «ولم يقل: «لرد محمد ما سرقته إلي أهله وعفا الله عما سلف والله يسامحها» ولن نقول «إن شيم المجتمع المصري لم تصل إلي شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت». لست أدري يا سيدي كيف تقول الحكومة التي تشغل فيها نائب الرئيس: «إننا نتعهد بملاحقة الفساد ومعاقبة مرتكبيه. ونحن ندرك صعوبة استعادة ثقة المواطن.. ولكننا نقبل التحدي: برنامج عمل واضح الأهداف ومستعدون للمحاسبة!» والواقع أن اللصوص والخطافين والانتهازيين سوف يسعدهم هذا المبدأ كثيرا «هيا بنا نسرق فإن انكشفنا رددنا المال إلي أصحابه وعفا الله عما سلف»! لا تقل يا سيدي أرجوك إن ما قلته ينطبق علي رئيس الجمهورية فقط ذلك لأنه أولي بالحساب «فإذا كان رب البيت بالدف ضارباً ....» فضلا عن القانون ينطبق علي رئيس الجمهورية وأولاده ومن يلوذ به ثم علي بقية أفراد الشعب، فرأس الأفعي كما قال السيد الرئيس لابد من ضربها أولاً.... ثم علينا أن نحاسبه بعد ذلك - كما أنه كذب علينا - والحق أنه كان دائم الكذب - عندما خدعنا بعبارات «براقة» مثل «الكفن ليس له جيوب»! حديث عن العفة والنزاهة وهو ليس كذلك. لكن لا تظن يا سيدي أن هذا القانون المهم ليس من ابتكارك وحدك فقد سبقك إليه الدكتور الجبلي وزير الصحة السابق الذي استغل العلاج علي نفقة الدولة ودفع بزوجته إلي باريس للعلاج - بل استغفر الله لعمليات تجميل كلفت الدولة مليونيين من الجنيهات وعندما أثيرت مشكلة الفساد واستغلال مبدأ العلاج علي نفقة الدولة استغلالا سيئاً - أعلن أنه سيرد المليونيين إلي خزينة الدولة مستتراً بغطاء عفا الله عما سلف! أيهما أدعي إلي الشفقة والرحمة رئيس الجمهورية الذي يسرق ويعلو رصيده في العديد من البنوك أم الجائع الغلبان - علي حد تعبيرك لا يجد قوت يومه لا له ولا لأولاده - ومع ذلك فالقانون لا يعفيه من عقوبة السرقة حتي ولو كان جائعاً: أذكر أن قاضياً قريباً لي جاءني ذات يوم مهموما لأنه حكم علي رجل يرتدي أسمالا - بالسجن ستة أشهر - علي ما أذكره لأن هبط حقلا وسرق منه أعواد الذرة وكيزانها وعندما سأله القاضي: - هل سرقت بالفعل يا رجل؟! - نعم سيدي القاضي. - ولمَ؟! - لأنني كنت جائعاً فأردت أن أسد بها رمقي! وهنا كاد الجانب الإنساني يتغلب عليه لكنه استعاد وعيه بسرعة وأصدر حكمه بالسجن علي هذا الجائع المسكين، أما رئيس الجمهورية فإن الدكتور الجمل يطالبنا بالعفو والسماح من أهل الملاح فتلك شيم الشعب المصري «الساذج» الذي يترك الحرامي منه لله وربنا يسامحه ويسهل له، ويستر علينا وعليه! هذه الحجج التي يغلفها يا سيدي خلط واضح بين الأخلاق والسياسة ولكن ذلك موضوع يطول شرحه فلنتركه إلي مقال قادم! أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس
Comments