المحتوى الرئيسى

هنا قنا

05/01 08:23

أود فى البداية أن أتساءل بصفتى مسيحيا صعيديا من جذور تمتد فى أرض قرية من قرى صعيد مصر الذى خط صفحات وصفحات فى تاريخ هذا الوطن العظيم على مدى آلاف السنين والذى ضم بين أحضانه مسلمى مصر ومسيحييها فى أنشودة حب وبناء وحضارة، أتساءل: هل يمكن أن يكون ما حدث من أهالى قنا خلال الأسبوعين الماضيين فصلا من فصول الفتنة الطائفية أو ما يدعونها كذلك، والتى اغتالت أحلام المصريين فى حياة هادئة ومستقرة- أو كادت- على مدى أكثر من ثلاثين عاماً منذ حادث الزاوية الحمراء أواخر السبعينيات من القرن الفائت وحتى حادث كنيسة أطفيح الذى وقع الشهر الماضى؟ أجدنى أرى مطلب رفض المحافظ القناوى المصرى الجديد ولا أقول المسيحى والذى التف حوله حشد من مسلمى قنا وأعداد من مسيحييها سواء بسواء- يأتى انطلاقا من المبادئ التى أرستها ثورة يناير، ويعتبر فى حد ذاته أول تطبيق عملى لترسيخ مبدأ المواطنة التى تترفع عن الانحياز الطائفى والعشائرى لصالح المصلحة العامة للإقليم، ومن ثم المصلحة العليا للوطن، وذلك رغم اعتراضى وعتابى الذى أسجله على التطرف فى التعبير عن الرأى المتمثل فى الاعتصام على طريق السكك الحديدية المؤدى لمدينة أسوان، وما ترتب عليه من خسائر اقتصادية وضرب غير واع لمحاولات إحياء قطاع السياحة الذى يعتبر والعاملون فيه من أشد من أضيروا بتوابع الثورة،  مما يتوجب أن نمد له ولهم يد العون وبأكبر قدر مستطاع من الجهد كى ينهض من عثرته التى طالت نتائجها مئات الآلاف من البيوت المصرية المفتوحة من نتاج خيرات هذا القطاع، فضلا عن تعطيل لمصالح الناس فى وقت تحتاج مصر فيه لكل ساعد وذراع يرفع عن كاهلها تبعات الماضى ويعينها على تخطى الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها. أجل، لم تعد المسألة اليوم خلافاً على مسيحى يحتل منصبا إقليميا بل هى خلاف من ناحية على المبدأ بأن تكون قنا دون غيرها محل كل مستحدث، ومن ناحية ثانية على أسلوب الاختيار ذاته فى وقت أصبح لكل جهة أو كيان رأى فيمن يقوده، ومصداقا لهذا الكلام نجد اعتراضات أخرى على تعيينات محافظين مسلمين جدد آخرين فى عدد من محافظات الدلتا ومصر الوسطى وسيناء، وكلها لنفس الأسباب المنطقية التى حركت الشعب القناوى..  إذن نجحت قنا فى تخطى حاجز الطائفية النفسى، وفعّلت نفسها كأول محافظة تؤسس لمبدأ إعلاء المصلحة الوطنية على النزعات الطائفية ضاربة نموذجا أظنه سيحتذى مستقبلا من الجميع.. لم يكتف الشعب القنائى بهذا بل وضع حداً لسيناريو خشيت أن يعتبر سنة كلما حدث خلاف ذو صبغة دينية، وذلك بأن يتوجه رموز دينيون لهم منا كل الاحترام على نواياهم الصادقة لكل منطقة تشهد خلافا فى أرض المحروسة على اعتبار أنهم الوحيدون الموثوقون الذين بيدهم أمر الحل والربط لدى الناس. لقد رفض الشعب القناوى مبدأ الوساطة الشخصية وأصر على أن يكون الحل على أساس تحقيق مبادئ المواطنة المتمثلة فى تحقيق المطالب المستحقة، وأعتقد أنه أرسى بذلك آليات منطقية لحل الخلافات التى قد تحدث مستقبلا- لا قدر الله- مفادها أن الوساطة الشخصية والمكانة الدينية لا تغنيان بأى حال عن الصالح العام وأن حقوق المواطنة تعلو على كل ما سواها، وأن المكانة الدينية وإن ارتفع شأنها لا تستطيع أن تجنب باقى الفعاليات السياسية الصادقة الهادفة لخدمة الوطن. أعزائى القراء.. إضافة لكل ما تقدم لدىّ كلمة لشعبنا القنائى العريق.. إنكم يا إخوتنا وأبناءنا تيجان الرؤوس، ولكم أن تعتبوا على الدكتور عصام شرف فى أنه لم يأت إليكم كما فعل مع أهلنا فى سيناء، ذلك لو أننا نمر بظروف عادية، لكن مصر- كما ترون يا أهلنا- تحيق بها مخاطر داخلية وخارجية تجعلكم تتقبلون بصدر رحب إعلاء مصلحة الوطن على كل اعتبار، وهنا أود أن أسجل تقديرى لكم لفضكم الاعتصامات وعودتكم لممارسة الحياة الطبيعية بعد الخطوة التى اتخذها السيد رئيس وزراء بزيارة إقليمكم الحبيب استجابة لمطلبكم وبتجميد قرار تعييين المحافظ الذى لم يتسلم عمله بعد وهو القرار الذى جاء لاحتواء ردود فعل الشارع دون المساس بحق الحكومة الأصيل فى اختيار رجالاتها للمرحلة الحالية، وأعتقد أن قراركم هذا مبعثه إدراككم أن مصر اليوم بجيشها وحكومتها الوطنيين يضعان صالح المواطن واعتباره نصب أعينهم، بصرف النظر سواء كان فى العاصمة أو فى أقصى صعيد مصر العظيم، فالكل سواسية فى الحقوق والواجبات، وأظنه أول الطريق نحو مصر التى لا نبغى سواها. *أمين عام جمعية محبى مصر السلام

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل