المحتوى الرئيسى

لا يا دكتور نحن أيضاً نحتاج إلى العلمانية (1)

05/01 08:23

كتب د. عبدالمنعم أبوالفتوح مقالة هادئة مستنيرة فى جريدة «أخبار اليوم»، مقارناً بين الدولة الدينية والدولة العلمانية، وعرض رأيه المضاد للدولة الدينية، وهذا رأى محمود يستحق التحية عليه، ولكنه لكى يقنعنا بهذا الرأى أطلق آراء تحتاج إلى مراجعة ونقاش وتفنيد، فقد قال إن «الإسلام لا يحتاج إلى العلمانية لأنها كانت تمثل حلاً للمشكلة الأوروبية»، وأن «خصوصية الحياة الأوروبية فى العصور الوسيطة هى التى أدت إلى نشأة العلمانية»، و«المشكلة التى أنتجت العلمانية كحل وعلاج لا نعرفها من الأساس وبالتالى، فنحن لا نحتاج العلمانية كدواء لأن الداء نفسه لا نعانى منه»، وأن «الإسلام لم يشهد على مدى تاريخه قمع العلم ومحاربة العلماء والمجددين». هذه العبارات تبدو لأول وهلة منطقية ومُفْحِمة، ومن كثرة تكرارها فى أدبيات التيار الإسلامى صارت شعارات مقدسة لا تمس، وأصبح كل من يناقش قضية العلمانية لا يبدأ من أول السطر الذى يحتوى على هذه الشعارات التى يحسبونها بديهيات، بل يتجاوزها ويبدأ من بعد هذا السطر نتيجة إما الخوف أو التقية أو عدم امتلاك الحجة والرد، ولكن هذه الكلمات تحتاج إلى مراجعات لأنها للأسف ليست ببديهيات على الإطلاق، وتحتوى على الكثير من المغالطات. لابد أن نتفق على عدة أساسيات حتى لا يتوه النقاش، أهمها أنه ليس من الطرح العلمى المنهجى المضبوط أن نبدأ نقاشاتنا بأن نخلط آراءنا الشخصية بأن نبدأ الجملة بعبارة «الإسلام يقول كذا..»، فقد أصبحت هناك إسلامات وليس إسلاماً واحداً، ورأيك الشخصى أو ما تستمده من مذهبك أو فقيهك المفضل ليس بالضرورة هو الإسلام، ولا تقل لى إننى أتحدث عن صحيح الإسلام، فما يعتقده محمد عبده أنه صحيح الإسلام، لا يعتبره عمر عبدالرحمن كذلك، والترابى له صحيح الإسلام الذى يختلف به عما يعتقده الملا عمر، والشيخ ابن باز يؤكد أن آراءه هى صحيح الإسلام وأن آراء الشيخ الغزالى ليست كذلك ويعارضهم جميعاً الإمام الخمينى!، وهكذا فإن بداية النقاش بهذه الطريقة فيها مصادرة على جدوى الحوار نفسه، ولذلك أقول إن خير ضمان لسيادة رأى الدكتور أبوالفتوح المنفتح الذى نشره هو العلمانية نفسها التى يستنكرها، فعلى سبيل المثال تهنئة أبوالفتوح لنجيب محفوظ وإشادته بمؤلف رواية «أولاد حارتنا» والقلم الذى أهداه لصاحب نوبل، كل هذا كان من الممكن أن يكون مبرراً لإقامة الحد عليه بعد الهجوم الكاسح من إخوانه وجماعته الذى وصل لحد التكفير، وللعجب سيكون طوق نجاته الوحيد هو العلمانية! نبدأ بالجملة الأخيرة وهى أن الإسلام لم يشهد قمع العلم والمجددين، ونؤكد ثانية أننا نتحدث عن الحكم الإسلامى والتاريخ الإسلامى وهنا نتكلم عن السياسة، ولا نتحدث عن الإسلام كدين، ولذلك نقول إن القمع كان موجوداً فى التاريخ وبقسوة، واستخدم الدين كمبرر وغطاء وسلاح لمنح الألوهية للحاكم الذى يقمع بفتح الياء، ولذبح المفكر الذى يُقمع بضم الياء، والتاريخ الإسلامى مزدحم للأسف بهذه الأمثلة لحكام استخدموا الدين وخلطوه بسياستهم ومصالحهم ودعموه بفتاوى فقهاء السلطان لقمع أى فكر جديد مختلف، وكان باسبورت إنقاذ هؤلاء المفكرين فى كلمة واحدة لا تتعارض مع الدين، ولكنها تتعارض مع استخدام تفسيرات الدين الخاطئة فى القهر والتنكيل، وهى كلمة العلمانية، وليسمح لى الدكتور عبدالمنعم، زميل المهنة والوطن، بأن أعرض عليه غداً بعض الأمثلة لهذا القمع الذى أنكر وجوده، رغم أنه قارئ جيد للتاريخ الإسلامى. [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل