المحتوى الرئيسى

الأنظمة العربية .. هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ ... (1) بقلم:مسـَلم الكساسبة

04/30 17:56

مسـَلم الكساسبة تـُرى هل يؤشر رفض الأنظمة العربية المستميت لدعوات الإصلاح والذي يصل حد الانتحار أحيانا – هل يؤشر على اعتراف وإقرار ضمني منها أنها أنظمة غير قابلة لإصلاح من النوع الذي تدعو له وتنادي به الجماهير ؟ إما لأنها غدت أبنية لا تصلح للترميم والتجديد (نظرية العطار والدهر) أو أنها أبنية أسست وأنشئت أساسا على قواعد وأسس من طينة تختلف تماما عن تلك الأسس التي ينادي بها الإصلاحيون والتي هي الأسس التي تبنى عليها الأنظمة السسياسة الحرة والحديثة من حيث أنه لكل منهما أسس بنيانه المختلفة .. وأنه لا يمكن تحويل قلعة من الحجارة والجص إلى بناء إسمنتي حديث إلا بازالة القلعة لان كل منهما يبنى على أسس مختلفة ، بالتالي فتلك الأنظمة تقرأ الدعوة لإصلاحها بصفتها دعوة لنقض حجر الأساس في بنيانها ، والخطوة الأولى لهدم ذلك البنيان من حيث كونها دعوات تتضمن مطالب تفضي في النهاية لهدم الأسس والمرتكزات التي قامت عليها .. وهو الأمر الذي تخشاه وتتوجس منه تلك الانظمة خيفة لأنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى تغييرها بالكامل ؟ هل هذا هو المعنى الذي يـُفهم من مقاومتها الشرسة لدعوات الإصلاح بهذا الشكل المستهجن وغير المفهوم ؟ وهل تلك الأنظمة من حيث هي أنظمة قهر وغلبة فهي بذلك تمثل أبنية قائمة أساسا على الفساد والاستبداد الذي يشكل نسيجا بنيويا متداخلا في تركيبها وجوهرها .. بالتالي من الصعب تنقيتها من الفساد والاستبداد ، والدعوة لإصلاحها والحالة هذه تعادل في نظر القائمين على تلك الأنظمة الدعوة لهدمها وإسقاطها ، إلى حد أن أي إصلاح حقيقي مقنع لا يمكن أن ينجز بها ومن خلالها وبوجودها ، من حيث أنها أنظمة شيدت وأسست على قواعد وأسس مختلفة تماما عن المفاهيم العصرية لأنظمة الحكم الحديثة .. وأن إصلاحها يستلزم ويتطلب تغييرات جذرية وجوهرية في بنيتها الأساسية لا يمكن انجازها مع بقاء البناء ذاته ، وأنه لا يمكن ترقيعها أو تعديلها لتصبح ملائمة لان يقال عنها أنها باتت أنظمة عصرية وديمقراطية حديثة مقنعة وملبية لأشواق الشعوب لأنظمة حكم مشرفة . تماما كالبناء الذي في وقت من الأوقات لا يغدو صالحا للاستخدام ولا قابلا للترميم بحيث أن تأهيله يتطلب جبّ وتغيير أساساته وأعمدته ، إما لأنه مبن على طرز لم تعد موجودة أو مستخدمة كالقلاع القديمة مثلا بالتالي لم يعد الزمن يقبله ، أو لأنه بات مهترئا تماما بحيث لا يصلح للترميم لأن كُـلـَف ترميمه أغلى بكثيرا من كلف تجديده .. عدا عن أنه يبقى بناءا مرمما بعد كل ما كلف ؟.. وهنا فإنني مجرد أتساءل فقط ولا أقرر شيئا . فالنظام الذي شيد على أساس الحزب القائد والحزب الأب مالك الحقيقة والأدرى بمصلحة الوطن وأين تتجه بوصلته .. ومالك القوة والسلطة والمؤسسات والمتغلغل في كل تفاصيل الوطن والذي يشكل تاريخه ومنجزاته درسا أساسيا في التربية الوطنية للتلاميذ كما لو كان مالكا وخالقا للوطن لا موكلا ومكلفا بتدبير شؤونه نيابة عن أهله . أو النظام القائم على العائلة القائدة التي حازت على الحكم بالقهر والغلبة والتي هي فوق الشعب وفوق النقد وفوق المساءلة بل والتي أعطت للوطن والشعب هويته واسمه - اقصد هويتها واسمها ..الخ . والتي يحق لها أن تحكم ولا يحق للأمة أن تسألها ثلث الثلاثة كم؟ مثل هكذا أنظمة كيف يمكن تطعيمها بالإصلاح إلا أن تلغي اسم العائلة القائدة أو الحزب القائد من عنوان الوطن وتجعل الوطن هو مانح الهوية لا العكس . وإلا أن يتخلى ذلك الحزب أو تلك العائلة عن قداستها وتتنزل من عليائها لتهبط إلى الأرض وتصبح إدارة وهيئة رشيقة تدبر شؤون البلاد ضمن شروط ومحددات واضحة متفق عليها . إدارة خاضعة للنقد والمساءلة وكل ما تقوم به شفاف ومعلوم ، وان يكون هناك فرد بعينه من ذلك الحزب أو تلك العائلة هو الممثل لنظام الحكم والمسؤول أمام الشعب .. وان تبحث بقية العائلة لها عن عمل مفيد مثلها مثل بقية المواطنين لا أن تحكم الوطن عشيرة بأسرها تعتاش على ألقاب وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع على حساب شعب ووطن ، إذ لا يعقل مثلا أن عدد أفراد إحدى العائلات الحاكمة في الوطن العربي هو بعشرات الآلاف كلهم أمراء ولهم جرايات ومخصصات غير الخاوات والإتاوات والبلصات ، وكلهم لا عمل لهم سوى أنهم أمراء وكبراء من العائلة المعظمة ! فهل يعقل في القرن الواحد والعشرين مثلا أن نظام حكم عدد أفراده عشرة أو عشرين أو خمسين ألفا أي طبقة بأسرها من البشر في حين أكبر دولة في العالم تحكم من خلال إدارة وطاقم رشيق ومختصر جدا !.. أو هل يعقل أن يحكم وطن بلا دستور أو بدستور مهمش من قبل فرد هو الحاكم ، يعتدي عليه متى شاء ويعدله كيف شاء ، وبينما هو يطالب الناس بالالتزام به ويحاسبهم على ذلك بينما يرفض من جانبه ذلك الالتزام ويستمتع بخرقه وتجاوزه كيف شاء ؟ وهو الطرح الذي عندما نصل إليه بالمناسبة نكون مع الأنظمة كمن قد اصطدم بحائط مسدود ويبدأ عندها خرط القتاد .. لأنه يتطلب تغييرا جذريا في بنية الأنظمة وتبديلا لأسس جوهرية وبنيوية في هيكليتها ، الأمر الذي ترفضه باستماتة لأنه بنظرها يتجاوز مسألة إصلاحها –غير الممكنة أصلا بدون التطرق لتلك المرتكزات – إلى أمور تقترب من تخوم تغييرها الجذري أو لنقل تغيير الأسس التي بنيت عليها وهو الأمر الذي لا مناص منه إذا أردنا الحديث عن إصلاح مقنع وحقيقي يعبر بالأوطان إلى العصر وبر الأمان.. بينما تريد هي ترقيعات شكلية لا تقترب من كل ذلك وهنا تحدث الإشكالية الحقيقية والعقدة المستعصية . وبالذات كوننا نتحدث عن العقلية العربية التي تؤمن بتوريث كل شيء حتى الشعوب والأوطان .. وتتشبث بالزعامة والسيادة حتى الرمق الأخير إلى حد أنه حتى الدين اختلفوا فيه بعد الذي بينه لهم نبيه ، بل وسعوا بالسيف أن يحولوه لميراث دنيوي يتولاه أقرب الناس عصبة للرسول، بل واقتتلوا فيه بشراسة ولم يرحموا أو يحقنوا دما بعض وهم الصحابة رغم أنه أمر ما أنزل الله به من سلطان ولا أوصى به نبي لولا حب الرياسة والزعامة المتأصل في تلك العقلية.. وأن ما نحن فيه اليوم هو من رواسب وتداعيات ما فعله السيف في تلك الحقب بدافع من تلك العقلية التي لم تزل مسيطرة حتى اليوم بالمناسبة .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل