المحتوى الرئيسى

مدحت الزاهد : ماذا يعنى بناء تحالف ديمقراطي مدني بالنسبة لليسار؟

04/30 15:37

تتداول النخب مسألة بناء تحالف ديمقراطي مدني يكون رافعة القوى المدنية في الانتخابات المقبلة في مواجهة خط العسكرة والدولة الدينية.وهناك أمران من الضروري التمييز بينهما وهما مسالة بناء تحالف ديمقراطي شعبي لاستكمال مهمات الثورة.. وهو تحالف يتشكل وتتبلور قواه في عملية ثورية .. ومسألة التحالفات التكتيكية والاتفاقات الانتخابية التي تعنى بمواجهة حلقات مباشرة يطرحها الوضع السياسيوتنتمي المسألة الأولى إلى المجال الاستراتيجي بينما تنتمي الثانية إلى مجال التكتيك وهما مجالان غير متعارضان شرط وضوح البوصلة .. وإدراك أن الاختلاف بين الخط اليساري والخط الليبرالي في الدفاع عن الدولة المدنية ليس في الهدف الذي يجمعها (الدولة المدنية) بل طبيعة المسار والعملية التي نقود إليها.. فالخط اليساري يربط حسم معركة الدولة المدنية بساحة الصراع الاجتماعي التي توحد كتلة الكادحين في الدفاع عن مصالحهم المشتركة عاصفة في مجرى الصراع بكل أشكال التمييز.. بينما يحصرها التيار الليبرالي في مجالات التوعية والإعلام والاتفاقات أو التكتلات الانتخابية، وهى إجابة “صحيحة” ولكن ناقصة بحكم اختلاف طبيعة تكوين وتوجهات وأهداف كل منهما.أولا مسألة الجبهة الديمقراطيةوتطرح مسألة بناء تحالف ديمقراطي مدني في مواجهة هذا الخطر نفسها كمسألة حيوية ومركزية على جدول أعمال اليسار في ارتباطها بمخاطر حقيقة تهدد الانجازات التي حققتها الثورةوتبرز ضرورة هذه الجبهة من اعتبارين مترابطين، أولهما ما يمكن أن يؤدى إليه لعب التيارات الطائفية بشعارات الدين، من صراعات فرعية مشوهة تضعف معركة الشعب من أجل العدل والحرية .. وثانيهما إن خطة الثورة المضادة تعتمد على محاور بينها شق صفوف الثورة وتقسيم قواها من ناحية واستخدام اضعف ما في المجتمع (الطائفية) لضرب أقوى ما فيه..ولا يتعارض بناء تحالفات الدفاع عن الدولة المدنية مع ضرورات النضال الاجتماعي الذي فتحت ثورة يناير أفاقه فالنضال المشترك من اجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يعيد توحيد الشعب خلف مصالحه المشتركة .. ويصنع له ولاءات غير الولاء للمؤسسات الدينية الكهنوتية،على نحو ما حدث في الحركات الاحتجاجية والنضالات الجماهيرية  وأنشطة جماعات التغيير الشابة والمظاهرات المليونية التي لم تعرف تمييزا بين مسلم ومسيحي أو رجل وامرأة، بل توحدت حول مطالب العدل والحرية .. وصنعت ما أصبح يعرف بقيم وأخلاق الميدان (ميدان التحرير)إن ميدان التحرير هو صورة الدولة المدنية التي نكافح من اجلها وهى صورة تشكلت بفعل المقاومة وشقت مجراها من روافده.ويندمج تكتيك الدفاع عن الدولة المدنية في إطار إستراتيجية أوسع لاستكمال مهمات الثورة سواء بكنس بقايا النظام القديم والاشتباك مع الأفق الذي فتحته الثورة للصراع الاجتماعي وهى مهمات لا اذكرها على سبيل راحة الضمير، أو للتشويش على التحالف المدني بل لكونها الضمانة الأهم للجبهة الديمقراطية .. والرافعة الأكثر انجازا للتأثير على الانتخابات العامة.. فالبيئة المقاومة .. والمشاركة الميدانية في تحرير المجتمع وقواه الضعيفة هي التي تعمق مشاعر المواطنة وعدم التمييز.. وعزل التيارات الطائفية والتمييزية عموما يعتمد على النضال على جبهة واسعة من اجل الحقوق الحيوية للكادحين واكتساب الثقة والنفوذ في الحركة الجماهيرية والمساعدة في بناء أشكالها التنظيمية المستقلة.والديمقراطية بالنسبة لليسار لا تقتصر على الديمقراطية التمثيلية (ديمقراطية التفويض أو ديمقراطية الخمس دقائق) بل على حفز وإطلاق كل أدوات المشاركة الدائمة للجماهير و إطلاق ومساندة كل الأشكال التنظيمية التي تمكن الشعب من المساهمة في صنع السياسات في عملية دائمة تعتمد على ديمقراطية المشاركة انطلاقا من التنظيمات القاعدية والموقعية صعودا إلى كل الأشكال التمثيلية الديمقراطية الأخرى، في عملية تعيد بناء هيكل القوة في المجتمع وتترك نفوذها على الانتخابات الرئاسية والتشريعية.لقد كانت ديمقراطية المشاركة المرتكزة إلى المبادرة الجماهيرية هي الطريق اللاتيني الثوري في مواجهة الديكتاتورية العسكرية والنيو ليبرالية وفى ساحة اعتبرت الفناء الخلفي لأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ وفى وقت كانت تنهار فيه الأنظمة الاشتراكية البيروقراطية وحركات التحرر الوطني.. وقد جمع النموذج اللاتيني بين الديمقراطية المباشرة (ديمقراطية القواعد) والديمقراطية التمثيلية (البرلمانية) متجاوزا التراث البيروقراطي ” حزب كل الشعب ونقابات كل الطبقة”.. معتمدا على النضال الديمقراطي السلمي كرافعة للتغيير السياسي والاجتماعي. في مجتمع تعددي.الخط اليساري والخط الليبراليمن هنا يبرز في رأيي جوهر الاختلاف بين الخط اليساري والخط الليبرالي فالخط اليساري يربط النضال من اجل جبهة ديمقراطية بكل قضايا استكمال مهمات الثورة .. وبالنضال الاجتماعي..بينما يركز الخط الليبرالي على مسألة الدولة المدنية  والتحالف الانتخابي منفردة، ويعتبرها روشتة العلاج الشافية وبمثابة الكل في الكل. لأسباب بينها:إدراكه للمخاطر التي يمثلها حكم العسكر أو رجال الدين وأهمية الانتخابات القادمة للمجلس التشريعي المناط به إصدار دستور جديدأن تياراته الرئيسة وقاعدته الاجتماعية تعتبر أن الثورة قد أنجزت أهدافها الأساسية في تغيير شكل الحكم الاستبدادي وإتاحة الفرصة لتداول السلطة والثروة..وبينها أن القضية الاجتماعية تحتل موقع متأخر على جدول أعماله ولا تشمل رؤيته الاقتصادية تغيير التوجهات الأساسية للنظام الاقتصادي الراهن (اقتصاد السوق) ولكن التخفف من الفساد وعدم الكفاءة وإتاحة تداول الثروة بعد أن احتكرها تشكيل عصابي مغلق تسانده طغمة حاكمة.كما ينبع تركيزه على المسألة الانتخابية بالذات من تقديسه للديمقراطية التمثيلية واعتبارها الكل في الكل بينما تمثل الديمقراطية التشاركية القاعدية الضمانة الأهم لمجتمع ديمقراطي تستطيع الجماهير فيه المشاركة في صنع السياسات.وفى إيجاز فإن التيار الليبرالي يتعامل مع ثورة 25 يناير كثورة سياسية تواجهها مخاطر الدولة الدينية وحكم العسكر، وهو ما يمثل نقطة التقاء معه لأهميتها المركزية في المرحلة الراهنة، بينما هي بالنسبة لليسار فاتحة للصراع الاجتماعي وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية المؤجلة على أجندة المجلس العسكري والتيار الليبرالي، وهو يميز إستراتيجية ومسار الاتجاهين.من هنا فإن قضية بناء الجبهة الديمقراطية ليست مطروحة بالنسبة لليسار على حساب القضية الاجتماعية أو خصما منها بصرف النظر عن أولويات تركيز الحملات في لحظات خاصة .. وعن التحالفات التكتيكية التي تبرز ضرورتها في مواقف أو مراحل معينة.الدولة المدنية والصراع الاجتماعيو الصراع الاجتماعي بمعناه الواسع هو رافعة الدولة المدنية، فلا يلزم عندما يواجهك عدوك على جبهة أن ترد في نفس الجبهة وحدها وان تتركه يحدد لك ساحة المواجهة فقد يكون توسيع الاشتباك وتعميق المواجهة ضمانة أهم للتقدم.. عن الاكتفاء بخوض مواجهة معزولة.. وبعبارة أخرى فإننا يمكن أن نكسب معركة الدولة المدنية في ساحة الصراع الاجتماعي الواسع.. فالنص الدستوري حول حقوق المواطنة الكاملة المتساوية لا يمثل ضمانة في حد ذاته لصيانة الحقوق بل ترتبط هذه الضمانة بعلاقات القوى في المجتمع .. وهذه الأخيرة لا تتطور ألا في مجرى صراع اجتماعي واسع يعيد صياغة التمايزات السابقة وثنائية المسلم – المسيحي .. والمرأة – الرجل .. والريف – المدينة على أساس هوية المواطنة الكاملة دون تمييز .. وثنائية الظالم والمظلومونحن نعرف أن الوزن النسبي للتيارات الطائفية قد تراجع في  ميدان التحرير وميادين مصر، لأنها كانت تقاوم .. وان خطة هذه التيارات  في تعويض تراجعها اعتمدت على التعويض في المناطق الأضعف، وعلى الأخص الريف، فقوتها ترتبط بضعف المجتمع ..السير منفردين والضرب معاولا ينجم عن هذا التمييز إنكار النقاط المشتركة أو التشويش عليها بذريعة تنوع المسارات .. إنما ينجم عنه التمسك بالقاعدة الذهبية القائلة بالسير منفردين والضرب معا .. والتمسك بحق الدعاية المستقلة والعمل المستقل .. وعدم الذوبان في الحملات الليبرالية .. أو التعلق بأجندتها وخطتها ..فنحن لا نستطيع  تجاهل المواقف الايجابية للتيار الليبرالي في مسألة مركزية تهدد مسار الثورة، لأننا نختلف معه في قضايا أخرى أو الامتناع عن التنسيق معه في قضايا مشتركة لأنه يحمل هوية أخرى .. وبقياس مع الفارق الكبير فإن تشكيل جبهات وطنية وجبهة عالمية ضد الفاشية لم يتحقق بتماثل أو تشابه هويات الإطراف المكونة للجبهة إلا في أمر واحد هو إدراك خطورة الصعود الفاشي مع حريتها في كل ما يخص توجهاتها الأخرى ..  ومع اختلافات في مدى تقارب مواقفها وإخلاصها لأهداف الجبهة .. وتجارب حركات اليسار الثوري حافلة ببناء جبهات لمواجهة إخطار محدقة عن وعى بأنه من بين أطرافها خصما فعليا أو محتملا.. وبأن تكوين الجبهة نفسه يمكن أن يتسع ويضيق تبعا للمراحل المختلفة وان ما يضمن استقلالية اليسار هو وعيه بطبيعة المسار وربط توجهاته التكتيكية بالأفق الاستراتيجي.ويدخل في نطاق هذه المناقشة مسألة التحالفات أو الاتفاقيات الانتخابية التي تساعد في بناء جبهة انتخابية عريضة لمعارضي دولة يحكمها العسكر أو رجال الدين.. ويترابط معها، السعي لتنظيم الانتخابات بالقوائم النسبية المفتوحة، أي غير الحزبية وهو ما يعنى حرية الائتلاف الانتخابي بين أحزاب ومستقلين في قائمة موحدة أو قوائم متعددة.. والتمثيل النسبي لمختلف التيارات.. ويترتب على ذلك  عدة أمور:أن هذه الائتلافات أو القوائم سوف تتحقق على أسس برنامجية وعمليةوأن هذه الفكرة تحتمل قائمة موحدة أو عدة قوائمأن التنسيق بين قوى الدولة المدنية ضروري في حالة القائمة الموحدة أو بين قوائم متعددة، وللتنسيق بين قوى اليسار أولوية خاصة بالطبع.أن حرية الدعاية ينبغي أن تكون مكفولة لكل أطراف الجبهة مع اتفاقها جميعا على نقاط برنامجية مشتركة خاصة بالطابع الديمقراطي والمدني للدولةويدور الخلاف حول تحقيق هذا التنسيق في قائمة موحدة أو قوائم متعددة.. وهو خلاف سابق لأوانه لأسباب بينها أن القانون الانتخابي لم يصدر بعد لنعرف هل تجرى الانتخابات بنظام القوائم أو المقاعد الفردية.. وإذا جرت بنظام القوائم هل تقبل كل أطراف المعارضة المدنية لفكرة قائمة موحدة أم إن بعضها سيغازل الاخوان وقد يدخل حتى في تحالف معهم .. وحتى بعض مرشحي الرئاسة قد يرفضون فكرة قائمة موحدة لا تشمل الاخوان، مما يفقد فكرة القائمة أي معنى.مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل