المحتوى الرئيسى

"فوبيا نقص الغذاء".. مخلفات النظام المخلوع

04/30 10:21

الخبير الاقتصادي د. حافظ منصور يضع روشتة العلاج: - مطلوب حملات إعلامية تدعو المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك - الاتصالات الخارجية حل لأزمة نقص العملات الأجنبية - إلغاء الرسوم الجمركية وتقديم تسهيلات بنكية للمستوردين - يجب ضبط الأسواق والتدخل الحكومي في تحديد الأسعار - تقليص استيراد السلع الاستفزازية والاستغناء عن الياميش   حوار: يارا نجاتي مخاوف وهواجس تراودنا حول المخزون الإستراتيجي للغذاء في مصر، تصاحبها تحذيرات يطلقها الخبراء بسبب نقص هذا المخزون، واحتمالات نفاد كمياته، خاصةً في ظل أرقام مخيفة، تشير إلى انتهاء المخزون الإستراتيجي من السكر الحر خلال 40 يومًا فقط، و3 أشهر للسكر التمويني، بينما تشير التوقعات أيضًا إلى وجود نقص في كميات اللحوم المستوردة من يناير وحتى مارس، وصل إلى 45%، إضافة إلى 44% تراجعًا في نسبة الأسماك المستوردة، بينما يغطي مخزون القمح من 4 إلى 7 أشهر فقط.   هذه الأرقام والتخوفات طرحناها على الدكتور علي حافظ منصور، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة؛ ليفسر معنا حقيقة تلك الأرقام، ويضع روشتة للخروج بخطة من مأزق نقص مخزون السلع الغذائية.   * هل ترى فعلاً أن مصر مقبلة على أزمات غذاء حقيقية؟ ** نحن أمام توقعات بحدوث أزمة في مختلف السلع الغذائية الأساسية، وهذه التوقعات قائمة على أرقام وحسابات، بناءً على ما ظهر في الشهور القليلة الماضية، إلى جانب قلة حجم المخزون المتوفر من السلع في الأسواق والمخازن داخل مصر، مع انخفاض القدرة على استيراد مواد غذائية جديدة.   وبما أن احتمالات الأزمة تقوم على التوقعات، فقد تحدث أزمة غذاء في مصر إذا لم ننتبه إليها، ونبدأ في تنفيذ حلول فورية لها؛ لكي لا يتدهور الوضع بشكل سريع، خاصةً أن التوقعات تشير إلى نفاد كميات كبيرة من مخزون السلع الغذائية في مصر في غضون شهرين أو ثلاثة على الأكثر، وهي مدة قصيرة جدًّا.   اعتماد كامل * ما هي إذن الأسباب التي أدت إلى الوصول إلى هذه الحالة؟ ** المشكلة ببساطة ظهرت نتيجة لاعتماد مصر على استيراد أغلب السلع الغذائية الأساسية الخاصة بها من الخارج؛ حيث تستورد مصر أكثر من 50% من احتياجاتها من الغذاء من الأسواق الخارجية، كالقمح الذي لا يكفي الإنتاج المحلي منه سوى 10% فقط، أما الزيوت النباتية لا ننتج منها إلا 10% فقط، ونعتمد على الاستيراد لتغطية الاستهلاك المحلي، ونفس الحال في استيراد اللحوم والأسماك والدجاج.   وفي الفترة القليلة الماضية بعد ثورة 25 يناير، حدث نقص هائل في العملات الأجنبية في الداخل؛ لذلك لم يكن الاستيراد ميسرًا لكفاية الأسواق من احتياجاتها الغذائية.   * وما هو سبب نقص العملات الأجنبية؟ ** هناك الكثير من الأسباب التي تجمعت في وقت واحد، وأوصلتنا إلى النقص الحاد في مختلف مصادر العملات الأجنبية، منها انخفاض معدل الدخل الذي تدره السياحة على البلد من عملات أجنبية، كما انسحبت الكثير من الاستثمارات الأجنبية من السوق المصري؛ بسبب ضعف الثقة في الاستقرار السياسي والاقتصادي في المرحلة التالية للثورة مباشرة، بجانب الكثير من العوامل الأخرى كعودة العاملين المصريين من ليبيا واليمن، وكذلك الإضرابات الطويلة والمتعددة التي يقوم بها عمال المصانع، والتي لم تتوقف بشكل كامل حتى الآن.   فالعاملون في ليبيا مثلاً قرابة الـ2.5 مليون مصري، يعيلون حوالي 3 ملايين مصري في الداخل، والآن تجمعوا معًا في مصر دون عائد ثابت، كما أنهم كانوا يدخلون إلى مصر استثمارات وتحويلات بعملات أجنبية، فالعديد من العوامل والظروف التي مرت بها مصر اجتمعت معًا في وقت واحد ليتأزم الوضع؛ وهو ما أثر على حجم الصادرات، فانخفضت كثيرًا عن معدلها الطبيعي، وبالتالي كانت أحد أسباب أزمة العملات الأجنبية في مصر.   * ولكن هناك من يرى أن الثورة الليبية واعتماد المناطق القريبة من الحدود المصرية على السوق المصري، أحد أهم أسباب نقص المخزون الغذائي المصري.. فهل هذه حقيقة؟ ** بالتأكيد، فالثورة الليبية وشراء الموارد من مصر، يمثل جزءًا من أزمة نقص المخزون، فهناك كميات كبيرة من السلع تمَّ تهريبها لليبيا، وكذلك إلى اليمن، بعد الثورات التي بدأت في تلك الدول؛ لكنها ليست جزءًا كبيرًا، فهناك الكثير من العوامل مجتمعة أدت إلى الوصول لذلك الواقع، منها ظروف اجتماعية، ومنها مشاكل إدارية في الحكومة.   دعاية مكثفة * ما هي الحلول التي تراها مناسبة للخروج من هذا المأزق؟ ** الحل يتكون من شقين؛ حيث يلعب فيه المواطن دورًا جنبًا بجنب مع الحكومة.   * وما هو الدور المطلوب من الحكومة خاصة في ظل أزماتها المتتالية؟ ** هناك أمران مطلوبان من الحكومة، وعليها القيام بهما معًا في نفس الوقت، أولهما عمل حملات دعاية منظمة تدعو فيها الشعب المصري إلى ترشيد الاستهلاك في مختلف السلع الأساسية التي نستطيع الحصول عليها، من اللحوم والدجاج، والخبز والسكر، وغيرها من السلع، على أن تستخدم في تلك الحملة كل وسائل الدعاية المتوفرة، من الإعلام المرئي والمسموع، والإنترنت، والأهم من ذلك نشر التوعية عن طريق رجال الدين، في المساجد والكنائس، صاحبة التأثير الأكبر على المجتمع.   أما الأمر الثاني الذي يقع على عاتق الحكومة، فهو السعي الحثيث للوصول إلى موارد جديدة لتغطية حاجة الشعب المصري من الطعام.   * هل هناك طرق محددة أمام الحكومة لاستيراد السلع الغذائية مع نقص العملات الأجنبية؟ ** أولاً يمكن تدبير استيراد سلع غذائية من الدول الأجنبية، عن طريق الاتفاق على تسهيلات ائتمانية كبيرة في السداد، أو الدفع المتأخر، على أن تضمن أحد الدول مصر في ذلك، وهو أمر سهل، يمكن أن تقوم به أي من الدول الأوروبية أو حتى أمريكا نفسها، أو من خلال تقديم الدول العربية لمساعدات لمصر، ونجاح ذلك الأمر سهل، فهو على العلاقات والاتصالات بين مصر والدول الأخرى، ويمكن بناؤها بسهولة في هذه المرحلة بعد الثورة؛ حيث تسعى الدول إلى بناء علاقات مع الحكومة المصرية الجديدة لكسب ود الشعب المصري.   حالة الحرب * وكيف يشارك المواطن العادي غير المسئول في حل الأزمة؟ ** لا بد من تنظيم استهلاك المصريين للسلع الغذائية المختلفة، وخاصةً السلع الأساسية التي نستطيع توفيرها الآن، فنحن لدينا فاقد كبير في استهلاك رغيف الخبز المدعم، فأكثر من نصف الكمية تُستخدم كعلف وطعام للطيور والحيوانات المواشي، فيمكن استخدامها في الطعام فقط، واستبدال المصادر الرئيسية للعلف المتوافر في الأسواق بها، كما أن معدل استهلاك الفرد بمصر في القمح يصل إلى 180 كيلو من القمح سنويًّا، مقارنة بـ90 كيلو في المعدل العالمي.وأيضًا السكر، ففي الحرب العالمية الثانية تمكنت بريطانيا من الاستغناء عنه بالكامل، وتعودوا على شرب الشاي بدونه، فمصر تستورد أكثر من 8 ملايين طن من السكر سنويًّا، ونفس الحال بالنسبة للحوم، فلن يموت الإنسان بتقليلها واستبدال بعض البروتينات الأخرى بها، بالإضافة إلى ضرورة تغيير المصريين للكثير من العادات الاستهلاكية التي ارتبطت بالشعب المصري، كشم النسيم، ورمضان الذي يتضاعف فيه استهلاك الطعام.   4 مليارات * بالحديث عن شهر رمضان.. هل تتوقع حدوث أزمة غذاء فيه؟ ** بالتأكيد سيصل التأثير إلى شهر رمضان، خاصةً مع اقترابه، وانتهاء المخزون خلال الأشهر القليلة المقبلة، فاستهلاك المصريين من ياميش رمضان يصل إلى 4 مليارات جنيه، وكلها سلع غير أساسية، وقد يتضاعف حجم الأزمة إذا أهملنا الترشيد في هذا الشهر، ولذلك لا بد من التخلص من استهلاك هذا الحجم الضخم من الياميش نهائيًّا، وهي أمور لن تؤثر على حياة الإنسان، نظرًا لأنها سلع غير رئيسية.   الأرقام الحقيقية * من وجهة نظركم ما هي الوسيلة المثلى لإقناع المصريين بترشيد الاستهلاك؟ ** في رأيي الحل الأمثل هو الصراحة المطلقة، واعتراف الحكومة بشكل واضح للشعب، وشرح ما وصلت إليه الأوضاع الحالية تفصيليًّا، والمتبقى من المخزون الغذائي على أرض الواقع، وما يمكن أن يؤول إليه الوضع في المرحلة المقبلة، بعد عدة أشهر قليلة، والصورة التي قد تتحقق إذا اتبعنا خطة محكمة لاستهلاك المخزون الحالي من الغذاء، ولذلك فإنه لا يجب على الحكومة إخفاء الحقائق على الشعب، كما يفعل النظام السابق؛ تجنبًا لثورة الشعب، واتهامها بأنها حكومة فاشلة، وحتى يساعد المجتمع كله في حل المشكلة.   الرسوم والرقابة * هل هناك إجراءات أخرى يمكن القيام بها للخروج من هذه الأزمة؟ ** الحكومة يمكنها القيام بالكثير من الإجراءات، واتخاذ خطوات كبيرة في هذا الصدد، منها إلغاء الرسوم الجمركية على استيراد السلع الأساسية؛ تيسيرًا على الواردات الخاصة بالمستوردين، وكذلك يمكن تقديم تسهيلات بنكية لهم وتيسيرات في السداد، فيما يخص عمليات الاستيراد، وكل ما يوفر إدخال مواد غذائية جديدة إلى مصر في أقرب وقت.   * وهل ترى أن هذه التسهيلات كافية لحل المشكلة؟ ** من المؤكد أنها غير كافية، ولكن إذا قدَّمت الحكومة تسهيلات إلى رجال الأعمال والقطاع الخاص سيكون له دور كبير في المساعدة في حل الأزمة؛ ولكنها أيضًا لا يمكن أن تقدِّم التسهيلات، ثم تترك السوق والأسعار لرجال الأعمال، ونعود للجشع والتحكم في السوق ورفع أسعار السلع كما يشاءون.   ولذلك فإنه يجب على الدولة التدخل في هذا الموضوع بتحديد أسعار السلع الغذائية الأساسية، طبقًا لمتوسط دخول المجتمع، وتغييرها لسياستها، وإلغاء سياسات العرض والطلب، فنقص الغذاء يؤدي إلى مجاعة، ورفع الأسعار وفقًا لرغبة التجار أيضًا يؤدي إلى مجاعة.   وكذلك لا بد من تحجيم استيراد السلع الكمالية، وتقليل دخولها إلى مصر، التي تُسمى بالسلع الاستفزازية للشعب المصري، فإذا قل العرض منها في السوق المصري، فإننا سوف نتفادى شراءها، مما يجعل المواطنين يتوجهون نحو السلع الرئيسية فقط.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل