المحتوى الرئيسى

محيط المصالحة الفلسطينية

04/30 04:21

حازم صاغية تقع المصالحة الفلسطينيّة الأخيرة بين حدّين هما من نتائج الثورات العربيّة الدائرة اليوم: حدّ الحضور المصريّ بعد مبارك، وحدّ الانكفاء السوريّ بعد البعث. في الفصل الأوّل، هناك استعادة لدور إقليميّ خدّره العهد البائد المستقيل من معظم وظائفه. والاستعادة هذه مفادها تصويب كامب ديفيد: فوطنيّاً، لا تستطيع مصر أن تغضّ النظر عن مسألة الدولة الفلسطينيّة، وأن يغدو صوتها غير مسموع حتّى في غزّة، وأن تبيع إسرائيل الغاز بسعر يقلّ عن سعر السوق لأنّ مصالح السماسرة قضت بهذا. وديموقراطيّاً، لا تستطيع مصر التخلّي عن السلام لأنّ التخلّي يعيدها دولة حربيّة تنتظر المنقذ الديكتاتور، فضلاً عن أنّ ذلك مستحيل اقتصاديّاً لأنّ مداخيلها من قناة السويس والسياحة والمساعدات الخارجيّة مرتبطة كلّها بالسلام. واليوم، على عكس أيّام عبدالناصر، لن يكون من السهل إقامة جزيرة مستبدّة ومعزولة عن محيط كونيّ متداخل سائل العلاقات. لذا فالموضوع الفلسطينيّ لا بدّ من علاجه بما يتوافق مع مبدأ تصويب كامب ديفيد الذي لا يطالب حتّى «الإخوان المسلمون» بإلغائه. وأفقُ ذلك إعادة الاعتبار لمبدأ الدولتين، وفقاً لأوسلو أو لتنويعة ما عليها. أمّا في مصر نفسها، فبهذا يتأكّد الجمع بين السلام والديموقراطيّة على نحو غالباً ما قال مناهضو السلام والديموقراطيّة إنّه مستحيل. الفصل الثاني أنّ دمشق البعث، المنشغلة بحالها، لن تستطيع أن تخرّب، من خلال «حماس»، مصالحة فلسطينيّة. وغنيّ عن القول إنّ أحد الثوابت في سياسة سوريّة البعثيّة، منذ ولادتها في 1963، كان تقسيم الفلسطينيّين ومنعهم من وحدانيّة الشرعيّة والتمثيل. وحين تضعف سوريّة البعثيّة يُعاق وصول إيران الخمينيّة إلى المشرق العربيّ ويتقلّص تأثيرها الضارّ عليه. فكيف وأنّ طهران مشغولة اليوم بصراع محتدم داخل أجنحة السلطة فيها؟. وهذا، استطراداً، ربّما انعكس على لبنان أيضاً، وربّما كان أوّل علامات انعكاسه أن يستطيب نجيب ميقاتي إطالة زمن التشكيل الحكوميّ، أو ربّما أن يعزف عنه جملة وتفصيلاً!؟. لقد التقى الحضور المصريّ والانكفاء السوريّ مع انسداد الطريقين الفلسطينيّين: - طريق «فتح»، وهو المفاوضات، الذي سدّته العنجهيّة الاسرائيليّة المندفعة استيطانيّاً، غير عابئة بشيء، - وطريق «حماس»، وهو المقاومة المصحوبة بالأسلمة، ما أرجع القضيّة الفلسطينيّة أشواطاً إلى الوراء، وأحالها أداة تأثير إيرانيّ على مصر التي ردّت بعدم التمييز بين حصار سياسيّ وحصار إنسانيّ على أهل غزّة. لكنّ ثمّة لاعبين آخرين معنيّين بالأمر هما إسرائيل والولايات المتّحدة. الأولى مدعوّة لأن تتغيّر بدورها على نحو يواكب التغيّر الجاري في المنطقة. فهي، كجزء من نظام إقليميّ سائد، لا يمكنها البقاء على ما هي عليه بغضّ النظر عن تغيّر ذاك النظام. وهذا ما استبقه أكاديميّون وسياسيّون وعسكريّون سابقون، محسوبون على معسكر اليسار الإسرائيليّ بمعناه العريض، حين دعوا، قبل أيّام، إلى قيام دولة فلسطين. هكذا تبدو معاندة نتانياهو وسلبيّته في ردّه على المصالحة امتداداً لتقليده الذي يسوّر إسرائيل وراء «الجدار الحديد» الجابوتنسكيّ، ويملي على الآخرين، من وراء هذا الجدار، مستقبلهم، أي بؤسهم المحض. وهذا ما يغدو اليوم أصعب من ذي قبل بكثير. أمّا الولايات المتّحدة فيمكن أن تجد في المصالحة الفلسطينيّة، معطوفة على التحوّلين المصريّ والسوريّ، فرصتها كي تضغط على إسرائيل. لقد كان مفهوماً في الفترة السابقة، مع تعاظم الخطر الإيرانيّ وفي ظلّ الابتعاد التركيّ وعجز «الاعتدال» العربيّ عن الإسناد، أن يوضع البيض الأميركيّ كلّه في السلّة الاسرائيليّة. أمّا الآن فاختلفت الامور. والحال أنّه كلّما تغيّرت إسرائيل واستجابت أميركا، غدت المصالحة الفلسطينيّة أكثر «فتحاويّة» منها «حمساويّة»، والعكس صحيح. لكنْ بين أن تغدو «حماس» معنيّة بالتسوية وتعترف بإسرائيل وتوقف صواريخ الخردة، وأن تغدو «فتح»، مرّة أخرى، حركة مقاومة تحظى بعطف مصريّ، فهناك فارق ضخم لا يمكن أن يخطئه إلاّ العمى من طرف إسرائيل وأميركا اللتين وُضعت الكرة في ملعبيهما. *نقلا عن "الحياة" اللندنية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل