المحتوى الرئيسى

كل اصلاح ينهض على العنف يذهب به العنف ..بقلم:تميم منصور

04/29 21:29

بادر أحد القرويين بالقول لزوجته بعد عودته من زيارة ابنتيه المقيمتين بعيداً عنه، " اذا أمطرت الطمي واذا ما أمطرت ألطمي " لم تفهم الزوجة ماذا يعني زوجها العائد للتو من سفره، وقبل أن تدعه يستريح سألته ما الأمر؟ جاءت اجابته سريعة فقال: لقد وجدت ابنتك الكبيرة "تسك وتنق" من شدة خوفها وقلقها على أكياس القمح التي بذرها زوجها في الأرض قبل سقوط المطر الأول وهذا ما يسميه الفلاحون عفير، ولكن مضى حتى الآن على عفر هذه البذور شهر تقريباً دون أن تسقط نقطة واحدة من المطر، وأن جميع البذار راح سدى، والآن فان خوابي ابنتك خاوية من أي نوع من الحبوب. أما ابنتك الثانية فقد وجدتها تطبق الفك على الفك وتُقرّب الحاجب من الحاجب من شدة الغضب على زوجها ولا تتوقف عن الابتهال الى الله بأن لا ينزل المطر والسبب أن حالة زوجها المادية لا تسمح له اكمال تجديد سقف البيت الوحيد الذي يعيشون فيه، والآن فان البيت بدون سقف واذا أمطرت الدنيا فسوف تقع المصيبة على ابنتك وأولادها، يعني ان أمطرت الطمي على صاحبة البيت واذا لم تمطر الطمي صاحبة القمح. لا أعرف اذا جاز لنا اسقاط ما تعنيه هذه القصة على ما يحدث اليوم في سوريا فاللطم يصبح شرعياً اذا بقي النظام الحالي الحاكم في سوريا كما هو عليه،وبقيت الاصلاحات سطحية وبقي التمحور والتسلط الحزبي كما هو، في نفس الوقت فان اللطم يصبح جائراً اذا نجحت الثورة التي لا تزال بدون قيادة وبرامج محددة وواضحة يدير دفة أحداثها الاعلام وليس القيادة، ثورة تدافع عنها الولايات المتحدة وتيار سعد الحريري والسعودية وغيرها من العناصر والدول المعادية لحركة النهضة العربية. لقد حظي النظام السوري الحالي الذي قاده حزب البعث وما يعرف بالجبهة التقدمية رغم تراكم سلبياته، حظي بتعاطف غالبية الجماهير العربية وقواها الوطنية خاصةً من عرب (48) وغيرهم والأسباب معروفة تعود الى تبني سوريا وحدها بين الدول العربية سياسة دعم المقاومة وسياسة الممانعة ومواقف التحدي لكافة المشاريع التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على المنطقة. ان صمود سوريا خلال فترة السنين العجاف التي حملت معها رياح السموم وهبت على بقية الأقطار العربية لمدة ثلاثة عقود ونيف فاوقفت عجلة النمو والتطور السياسي والفكري والاعلامي والاقتصادي، وأجهضت الكثير من أجنة الحركات الوطنية وهي لا تزال في مهدها، مواقف سوريا هذه جعلت الكثيرين في العالم العربي وخارجه يغضون أنظارهم ولو لفترة عن الأخطاء التي ارتكبها النظام في سوريا داخل الجبهة الداخلية. هناك من يعتقد أن صمود سوريا خلال سنوات العجاف هذه ساهم في استبدال رياح السموم الجافة برياح التغيير التي هبت على العواصم العربية منذ منتصف شهر كانون الأول الماضي حتى اليوم. يجب أن نعترف بأن طبيعة النظام السوري الحالي كونه نظاماً علمانياً مدنياً بتوجهه القومي حال دون سقوط سوريا بين انياب القوى والعناصر السلفية والطائفية فبقيت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي تمثل العمق القومي العربي منذ أربعة عقود على الأقل، أي منذ رحيل الرئيس الخالد جمال عبد الناصر. لقد وقف نظام الحكم في سوريا سداً منيعاً ضد تفشي الطائفية الحزبية رغم أن المجتمع السوري يعاني من هذه البنية المقيتة كغيره من الأقطار العربية، فسوريا بلد الطوائف فيها الدروز والعلويين كما يعيش فيها حوالي مليون كردي زحفوا اليها من العراق ومن تركيا ،عدا عن المسلمين السنة والمسيحيين وغيرهم ناهيك عن العشائر البدوية التي تغطي قطاعاً كبيراً من الريف السوري. ما نخشاه أنه في حالة سقوط النظام الحالي أن تتحول سوريا إلى عراق ثانية أو ليبيا أو اليمن الثانية فتحدث الانقسامات العرقية ويطل رأس أفعى الطائفية فتقسم البلاد الى دويلات كما أرادها الفرنسيون بعد فرض الانتداب سنة 1920 وكما تريدها الولايات المتحدة و اسرائيل . ما نخشاه أيضاً أن تكون ظاهرة الاجماع القومي الحالية في سوريا واهية غير متجذرة واعلامية فقط، فاذا سقط هذا النظام تصبح سوريا بؤرة للانقسامات والتشيّع كما حدث في العراق فقد فشل حزب البعث العراقي من صهر صدأ الطائفية من رؤوس قادة العراق فتحول العراق الى دويلات لم يخرج الشعب العراقي لمقاومتها حتى الآن رغم أن العراق كان سقفاً للقومية العربية ساهم في معاركها منذ سنة 1948 حتى جاء الغزو الأمريكي العربي لبلاد الرافدين سنة 2003. المواطن العربي يقف اليوم في حالة من الذهول والحيرة لما يحدث في سوريا، فقد ازداد عدد الضحايا الذين طالبوا بالاصلاحات بعد الاعلان عن الغاء قانون الطوارئ عن عدد الضحايا قبل الاعلان عن الغاء هذه القوانين، هذا يؤكد أن الغاء هذه القوانين وحدها لا يكفي خاصةً اذا بقي مبنى مؤسسات الحكم على حاله، واذا بقي التعصب والهيمنة الحزبية على حالها، وهذا يؤكد ايضا أن عناصر كثيرة من حزب البعث ترفض التفريط بمكاسبها الشخصية والحزبية وأن هذه المواقف شبيهة بمواقف قادة الحزب الوطني الذي حكم مصر قبل خلع مبارك عن سدة الحكم. إن بقاء مؤسسات الحكم في سوريا على حالها أصبحت مستحيلة في حين فإن الانتقال الى الحكم التعددي لدى أجيال لا تعرف مثل هذا النظام منذ سنة 1958 يحتاج الى قيادة مدنية وعسكرية مؤقتة لكنها حازمة ،كالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، وحكومة مثل حكومة عصام شرف، يجب استبدال لغة العنف والقمع بلغة الحوار واحتواء قادة المعارضة باساليب حضارية يعرفها الشعب السوري قبل فوات الأوان ،لأن أعداء سوريا في الخارج وفي مقدمتهم الولايات المتحدة بدأوا يتحركون للانقضاض على سوريا واخراجها من خارطة النضال العربي فتنطفىء بعدها شعلة المقاومة في لبنان وفي فلسطين، وتحقق الأنظمة العربية الرجعية مكسباً لم تحلم به يعوضها عما خسرتها استراتيجيتها بعد قيام الثورة في تونس وفي مصر. الدول المذكورة تعرف اكثر من غيرها ان الايام القادمة حبلى بتغيرات لن تكون لصالحها ، لذلك فان معركتها ضد سوريا سوف تكون حاسمة ، هل نصدق قول الفيلسوف الدوس هكسلي ( كل اصلاح ينهض على العنف لابد ان يذهب به العنف ) .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل