المحتوى الرئيسى

كيف نكافح الفساد في مصر؟ بقلم : مجدي كامل

04/29 20:53

كيف نكافح الفساد في مصر ؟ كيف الوصول إلى سـنغافورة ؟ بقلم : مجدي كامل ** كانت تحمل لقب الدولة الأكثر فسادا في العالم .. ولكنها وبعد أم خاضت أعظم تجربة لمكافحة الفساد ، أصبحت الآن ووفق معايير منظمة الشفافية الدولية الدولة الأقل فسادا في آسيا ، وأحد الدول القلائل الأقل فسادا على مستوى العالم .. هذه الدولة هى سنغافورة ، النموذج العالمي الجاهز للتطبيق ، والذي يُضرَب به المثل في هذا الصدد .. ولأننا نحن المصريين لا هم لنا الآن سوى مطاردة الفساد ، وملاحقة المفسدين ، والعمل على ألا نسمح بحدوث هذا مستقبلا ، لدينا هنا صيغة ناجحة بشهادة العالم لمكافحة الفساد ، تتمثل في التجربة السنغافورية ، ونستعرض فيها ما انتهجته هذه الدولة من سياسات ، وما سنته من قوانين وتشريعات ، و ما اتخذته من إجراءات سياسيا ووقائيا وجنائيا ، حتى نفضت عن كاهلها اللقب الأسوأ الذي يمكن أن تحمله دولة ما ، لتتحول إلى دولة " شفافة " وأحد أهم عواصم التجارة والمال رغم مواردها المتواضعة .** يعتبر الفساد هو المنتج الأسوأ سمعة لأي مجتمع ، ويقف وراءه مجموعة من موقومات إنتاجه ، أو أسباب لظهوره تختلف بين بلد وآخر، نتيجة للظرف التاريخي والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية ، ولذلك فإن أي آلية توضع لمكافحة الفساد لا بد ان تأخذ هذه الأسباب في الحسبان حتى تؤتي ثمارها. والفساد ليس ظاهرة مستجدة او طارئة على المجتمعات ، لكن هذا الفساد قد يتجاوز الخطوط الحمراء ، ليصبح ظاهرة تغتال حاضرها ، وتصادر مستقبلها ، كما الحال لدينا في مصر الآن . ورغم اختلاف الأسباب التي توفر بيئة خصبة لظهور الفساد وتناميه وتفشيه ، بين بلد وآخر، بل واختلافها في البلدان المتقدمة عنها في البلدان النامية، نتيجة للظرف التاريخي ونوع النظام السياسي والاقتصادي السائد والمستوى المعيشي والمنظومة القيمية والأخلاقية...الخ، إلا أن طرق ممارسة الفساد تكاد تكون متشابهة. ويمكن القول إن الإرادة السياسية – كما سنرى في سنغافورة - هى التي تستطيع إنتاج قانون مكافحة فساد فعال ، ونظام للتقاضي نزيه وسريع ، وإدارة ضبط إداري وقضائي تتميز بالصرامة والحرفية المهنية. وتتلخص تجربة سنغافورة في مكافحة الفساد عام 1959 ، في إصدارها إصدارها " قانون مكافحة الفساد " ، بالإضافة إلى إنشاء " مكتب التحقيق في ممارسة الفساد " وبالتزامن تمت بزيادة رواتب الموظفين الحكوميين ، وتحسين مستوى أدائهم في الخدمة. وبالفعل نجحت سنغافورة في مكافحة الفساد وأرجع رئيس وزرائها – آنذاك - " لي كوان يو " هذا النجاح إلى إصدار القانون الخاص لمحاربة الفساد وتعاون الجمهور في الإبلاغ عن حالات الفساد واضطلاع مكتب التحقيق في ممارسة الفساد بمهامه على الوجه الأمثل . هذه هى خلاصة التجربة ، ولكن التفاصيل هى التي صنعت الفارق ، ونقصد بها حزمة القوانين والتشريعات والإجراءت ، التي توجت التجربة بالنجاح الذي أبهر العالم . انطلق النظام في سنغافورة في مكافحته للفساد وتصفية آثاره السلبية من إرادة سياسية ثابتة وواضحة، حددت منهجا يقوم على عدة مرتكزات منها: التركيز على وجود قوانين صارمة يتم تطبيقها بكل صرامة مع العمل على استقرار أجهزة الدولة واتصافها بالكفاءة والنزاهة والانضباط . وترتيب الأولويات بما يغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة كما سيظهر - لاحقا - في عدة مجالات منها المجال الجنائي في شقيه الموضوعي والإجرائي ، وتبني المعايير الدولية، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى. ومن هنا اتخذت سنغافورة نظاما لمكافحة الفساد يقوم على دعامتين أساسيتين يكمل كل منهما الأخر. حيث تنقسم سياسة الدولة في هذا المجال إلي سياسة الوقاية من الفساد ، وسياسة الكشف عنه ومعاقبة مرتكبيه. وبالنسبة لسياسة الوقاية من الفساد ، فبالإضافة إلي التوعية وتأمين الضبط الاجتماعي بوسـائله المختلفة، اتخت سنغافورة ما يلي : * الفصل بين الوزارات وإداراتها التنفيذ ، حيث تتولى التنفيذ هيئات ومؤسسات منشأة بقانون ، لإبعاد الوزارة من سلطة التنفيذ ، وإزالة كل ما يمكن أن يترتب علي ذلك من فساد ، ولا يبقي للوزارة إلا التخطيط الاستراتيجي للمدى المتوسط والبعيد. * زيادة مرتبات الموظفين في الدولة بحيث تكفي لتوفير مستوى حياة كريمة، باعتبار أن دفع أجور مرتفعة أهم رادع للفساد. * تبسيط الإجراءات الإدارية والحد من المستندات المطلوبة للحصول على الخدمة مع وضع مدونة إجراءات إدارية واضحة. * التضييق من سلطته التقديرية بوضع معايير دقيقة يستند عليها في أدائه لعمله، على أساس أن التوسع في السلطة التقديرية للموظف العام مصوغ من مصوغات الفساد ، وسببا من أسباب إضعاف الرقابة الفعالة على عمله. * تركيز الاختصاص في جهة معينة من أجل تركيز المسؤولية . ومن ذلك وحدة الجهة المختصة بمنح الترخيص في مجال معين. * الحد إلي أكبر قدر من تعامل الموظفين بالمال (الموظف لا يرى المال وإنما يرى الأرقام) ، فالرسوم والغرامات تدفع الكترونيا . وقد تم إنشاء إدارة تولت تعليم المواطنين كيفية الدفع الالكتروني. * التوسع في تقديم الخدمات بالطريق الالكتروني، لالتقليل من الاتصال المباشر بين الموظف وطالب الخدمة. * وضع أنظمة شفافة تؤدي إلي التقليل إلي حد كبير من الأسرار التي يملكها الموظف العام بسبب وظيفته، بحيث لا يمتلك أسرارا لبيعها. واستحداث نظام واضح المعالم ومفتوح للمشتريات الحكومية يمكن الإطلاع عليه من خلال مركز الأعمال الالكترونية ، وهو بوابة للمشتريات الحكومية تسمح للمتقدمين بعروض رؤية كل الصفقات والمواصفات المطلوبة. ويقع في نفس الإطار ضرورة نشر إجراءات العقود الإدارية ونتائجها عبر الانترنت. *إنشاء هيئة لمراجعة تاريخ الأفراد قبل توظيفهم لضمان عدم تولي أي شخص لمنصب قيادي أو عمل سياسي بسبب شبهات سابقة بالفساد ، ومنع التعاقد مع شركة ما لسبق اتهامها بالفساد. ويلاحظ هنا كفاية الاتهام دون الحاجة لان يصدر حكم قضائي بالإدانة. * الحد من نشر ثقافة الفساد في سنغافورة ، و منع نشر إشاعات عن حالات فساد دون وجود أدلة واضحة ، واعتبار ذلك جريمة في حد ذاته. * حظر استعمال الصفة في الأماكن التي تقدم خدمات بالنسبة للقضاة وأعضاء النيابة العامة والموظفين العامين كافة. وإذا ما ظهر بيان الوظيفة في مستند رسمي، فيجب أن يكون ذكره بالقدر اللازم، كأن يدون انه قاضي دون أي تفصيل أخر. * تحديد أجل ستة أشهر يجب أن تفصل فيه المحاكم في القضايا المعروضة عليها وعدم التأجيل لتاريخ يتجاوز هذا الأجل، مع تحديد اجل سنة كحد أقصى يجب أن ينتهي فيه التحقيق والإحالة إلي المحكمة أو حفظ الأوراق. ذلك أن إطالة عمر القضية في التحقيق ومرحلة المحاكمة مؤشر من مؤشرات الفساد أو الإهمال. كما أن العدل المؤخر هو عدل مرفوض. وقد شملت السياسة الجنائية التي اتبعتها سنغافورة في مجال مكافحة الفساد جانبا موضوعيا وآخر إجرائيا. فبالنسبة للجانب الموضوعي تبني المشرع السنغافوري تشريعا خاصا بمكافحة الفساد توسع في تجريم الفساد ، ومن ذلك تجريم الرشوة في القطاعين العام والخاص ، واعتبار عدم إبلاغ الموظف عن جريمة عرض الرشوة عليه جريمة مستقلة. ونص القانون المشار إليه على جرائم الفساد بعبارات واسعة شبيهة بتلك التي تلجأ إليها كثير من التشريعات عندما يتعلق الأمر بالجرائم الماسة بأمن الدولة القومي . ونص هذا القانون الخاص على عقوبات السجن والغرامات المرتفعة والمصادرة والرد، وفي حالة عدم الرد تضاعف عقوبة السجن. مع استبعاد التداخل بين العقوبات في حالة التعدد، حيث يجب أن تتعدد العقوبات بتعدد الجرائم دون أي اعتبار للتتابع بين الجرائم ووحدة الغرض الإجرامي ( الارتباط غير القابل للتجزئة والجريمة المتتابعة). أما بالنسبة للجانب الإجرائي، فهو قائم على فكرة أساسية هي حتمية العقوبة بحيث صيغت أحكامه على أساس ضرورة إدراك كل شخص انه في حالة ارتكاب جريمة من جرائم الفساد لابد أن يكتشف ويعاقب، وان جرائم الفساد قليلة المردود بالنظر لجسامة مخاطرها. ويمكن إجمال خصائص النظام السنغافوري في مكافحة الفساد على النحو التالي : - وجود هيئة تتبع رئيس الوزراء ويعين أعضاؤها بقرار منه بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية، تتولى دون غيرها جمع الاستدلالات والتحقيق في قضايا الفساد ، وتختص بمباشرة ذلك في مواجهة الكافة دون تفرقة بين المدنيين والعسكريين وبين القضاة وأعضاء النيابة والسياسيين وغيرهم من الموظفين العامين والعاملين في القطاع الخاص. ويتجاوز دورها الضبط القضائي ليمتد إلي الجوانب الإرشادية والضبط الإداري الوقائي، ومن ذلك أن لها أن تمنع شركة من الدخول في مناقصة لمدة خمس سنوات أو نهائيا وتحول دون تقلد موظف عام مركز قيادي . ما يعني أنها يمكن أن تفرض عقوبة لمجرد شبهات بالفساد، وهو ما يتعارض مع مبدأ قضائية العقوبة. ويلاحظ انه يجب أن ينظر لتبعية هيئة مكافحة الفساد لرئيس الوزراء في إطار خصوصية نظام النيابة العامة في سنغافورة الذي يقوم فيه النائب العام بوظيفيتين احدهما قضائية والأخرى استشارية. * إعطاء سلطات واسعة لأعضاء هيئة مكافحة الفساد في الكشف عن الجرائم ومن ذلك مراقبة التغييرات التي تطرأ على حياة الموظفين وإمكانية الإطلاع على حساباتهم المصرفية، حيث لا وجود للسر المصرفي في هذا المجال( تغليب متطلبات فاعلية مكافحة الفساد على متطلبات حماية الخصوصية الفردية). - يعتبر نظام المخبرين من الجمهور والموظفين من أهم الوسائل التي تعتمد عليها هيئة مكافحة الفساد ومصلحة الضرائب وغيرها من الجهات التي تختص بالتحقيق في قضايا الفساد والتهرب الضريبي في التحريات وجمع الاستدلالات ( نظام استخباراتي يبدو انه فاعل ودقيق بالنظر إلي نتائجه والتي منها أن 80% من حالات التهرب الضريبي اكتشفت بواسطة المخبرين). بالإضافة إلي البلاغات التي تقدم من الأكثر دراية بها عند وقوعها وهم العاملون في القطاعين العام والخاص بشأن جرائم الفساد والتهرب الضريبي. وتعتمد الجهات المختصة على آلية المكأفاة التي تقاس على أساس نسبة معينة من قيمة المال محل الجريمة على أن لا تتجاوز مائة ألف دينار لمن يبلغ عن الجريمة. مع ملاحظة أن النظام يضمن سرية المخبرين حتى بعد انتهاء التحقيق لحمايتهم ولضمان فاعلية أدائهم لإعمالهم، ولا يعطى اسم المخبر حتى للقاضي إلا إذا أصدرت المحكمة أمرا خاصا توجب فيه الكشف عن شخصيته. - تسهيل إثبات جرائم الفساد بإيجاد ما يسمى بقرائن الإدانة، والتي منها أن أي زيادة غير مبررة في دخل الموظف العام تلاحظ من خلال مراقبة طريقة معيشته تعتبر قرينة على كسبه مال فاسد، إلا إذا اثبت العكس. كما انه ليس من حق المتهم الصمت وإخفاء معلومات عن المحققين( وكأنه يلزم بالشهادة ضد نفسه). - استعمال أعضاء هيئة مكافحة الفساد للوسائل التقنية للتحقيق ومنها جهاز كشف الكذب لجمع المعلومات والتأكد من مصداقيتها وللتوصل لضبط التحقيق في اتجاهه الصحيح مع ملاحظة عدم إمكانية الاعتماد عليه كدليل للإدانة. - استبعاد الحصانة الإجرائية ، بحيث يمكن أن يباشر التحقيق وترفع الدعوى الجنائية ضد كل من تتوافر دلائل على ارتكابه جريمة من جرائم الفساد وترفع الدعوى الجنائية في مواجهته دون أن يتوقف ذلك على إذن جهة ما . * إتباع نظام في المحاكمة وتنفيذ أحكام الإدانة يسمح بدعم الثقة في النظام القضائي وتحقيق وظيفة الردع العام ووصم مرتكب الفعل بوصمة الفساد في المجتمع بحيث يكون عبرة لغيره، فالمحاكمات علنية والأحكام الصادرة في قضايا الفساد يجب أن تنشر ويمكن للكافة الإطلاع على منطوقها. * عند التحقيق في قضية من قضايا الفساد يجب أن يتعدد المحققون ، بحيث لا يجوز أن يتولى القضية محقق واحد، لضمان الشفافية وعدم التأثير عليه ( تعدد المحققين ضمان عدم التلاعب في القضية). كما أن النظام القضائي في مجمله قائم على أساس تبسيط إمكانية اللجوء إليه ووضوح إجراءاته وتنفيذ أحكامه ، فهناك اعتماد على النظام الالكتروني في تسجيل الدعاوى وفي الحصول على المستندات الخاصة بها لكل من له الحق في ذلك وفي الاعتراف بالجرائم وفي دفع الغرامات ، ويمكن الإشارة لما يعرف بالمحاكم الليلية التي تمكن من استعمال حق التقاضي خارج ساعات الدوام الرسمي المعتاد للدولة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل