المحتوى الرئيسى

حراك التغيير العربي إلى أين؟

04/29 17:26

رغيد الصلح تواجه حركات التغيير في الأقطار العربية تحديات متنامية . هذه التحديات لا تعني أن النخب الحاكمة في مصر وتونس كانت أقل تمسكاً بالسلطة من النخب الحاكمة في الأقطار العربية الأخرى التي تشهد ثورات وانتفاضات . إن رحيل النخب الحاكمة في البلدين يعود إلى أسباب أخرى . أهم هذه الأسباب في تقديري أن الثورات كانت مفاجئة ولم يحسب لها حساب . لم يكن حسني مبارك ولا زين العابدين بن علي يتصوران أن المصريين والتونسيين سوف يتحركون بهذا الاندفاع لإسقاط النظامين . ولم يكن الاثنان يتصوران أن الحكومات التي أقاما معها أفضل العلاقات مثل الولايات المتحدة وفرنسا سوف تتخليان في نهاية المطاف عنهما . من هنا لم يعدّ الاثنان العدة لمواجهة قيام ثورات شعبية عارمة تضع المجتمع الدولي على المحك وتضطر الحكومات الغربية إلى مطالبة الاثنين بالتنحي، وتصيب حتى “الأصدقاء الحميمين” مثل بنيامين نتنياهو بالارتباك والعجز عن إنقاذ أقرب الحلفاء مثل حسني مبارك . بعد نجاح ثورتي مصر وتونس وسقوط رموز النظام فيهما تغيرت الأوضاع تغيراً محسوساً في المنطقة العربية، إذ أسرعت نخب عربية أخرى إلى استنفار قواها وقدراتها لمواجهة التحديات المقبلة أو المحتملة، وإلى تحصين نظمها وديارها ضد الأخطار واجتراح خطط ووسائل لمحاربة الثوار والقضاء على حركاتهم . لقد فقدت الثورات عنصر المفاجأة والمباغتة، واسترجعت النخب الحاكمة المستهدفة من قبل الثورات توازنها، واستعادت في بعض الأحيان زمام المبادرة العسكرية والسياسية . وصارت صورة الثورات أقرب الى جولات صراع، وكرّ وفر، ومنازلات دامية . هكذا لا يزال زعماء الحلف الأطلسي يكررون أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في ليبيا، ويسعى قادة مجلس التعاون الخليجي إلى إيجاد تسوية بين الرئيس علي عبدالله صالح والمنادين بالتغيير في اليمن، وتقف دول “بريكس” موقفاً متحفظاً تجاه مشاريع التغيير . هذا يعني أن آفاق الانتفاضات سوف تكون أكثر تعقيداً، وأن الصراع حول مصير الأنظمة العربية قد يطول أكثر لفترة يصعب تقديرها سلفاً . تشكل حال الانسداد هذه عقبة رئيسة أمام استتباب الأوضاع في المنطقة، وأمام تحقيق حركة التغيير العربية انتصارات حاسمة في مناطق الصراع الراهن . وقد تفتح هذه الحال الباب أمام تمسك المؤسسة العسكرية بدورها السياسي، وذلك ضماناً لاستقرار الأوضاع في منطقة تشكو من الاضطرابات والثورات . كذلك قد يفتح استمرار الصراعات المسلحة في نقاط الصدام الساخن العربية أمام النخبة التونسية الجديدة لكي تفعل من جديد بعض الأساليب والتقاليد السلطوية للأسباب نفسها أيضاً، وخوفاً من الاضطرابات في ليبيا المجاورة . وتمثل هذه الاحتمالات سيناريوات متشائمة، ولكن هناك سيناريو يبدو أقل تشاؤماً ولكنه لا يخلو من الأخطار ومن المعيقات التي تحول دون بلوغ حركة التغيير العربية أهدافها المتوخاة . يستند هذا السيناريو إلى استحضار العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التالية التي كان لها الأثر الكبير في إطلاق حركة التغيير في المنطقة العربية: * أولاً، العوامل الاجتماعية، وفي مقدمتها البطالة التي ضربت كافة الاقطار العربية تقريباً، ولقد وصلت البطالة في المنطقة العربية عام 2010 حسب إحصاءات البنك الدولي إلى 25% من مجموع السكان . واحتلت المنطقة العربية المرتبة الأولى بين الأقاليم العالمية من حيث نسبة البطالة بين الشباب . وبلغت نسبة البطالة بين التونسيين خلال العام الفائت ما يفوق 13% من مجموع السكان . وتتجاوز هذه النسب معدل البطالة العالمي البالغ 8 .8% من مجموع سكان العالم . وتأثرت البطالة في المنطقة العربية بالقيود المتزايدة على الهجرة المفروضة على الوافدين إلى أوروبا من الخارج وخاصة من دول المغرب العربي . ولقد اشتدت هذه القيود في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي ألمتّ بدول الاتحاد الأوروبي وخاصة في جنوب أوروبا التي كانت توفر فرص عمل واسعة لشباب المغرب العربي . إلى جانب البطالة تعاني المنطقة العربية معاناة شديدة من الفقر، فما يقارب الخمسين في المئة من سكان المنطقة يعيشون في حال الفقر، ونسبة عالية من هؤلاء تعاني الفقر المدقع . وزاد في حدة الفقر التدني المتفاقم في تحويلات المغتربين إلى الدول العربية . * ثانياً، العوامل السياسية، تمثلت هذه العوامل في اتجاهات عامة للسياسة في الدول العربية على الصعيدين المحلي والخارجي . فعلى الصعيد المحلي كان لبعض الخطوات التي قامت بها حكومات عربية الأثر الحاسم في تحفيز مشاعر الإحباط واليأس بين المواطنين . أمل كثيرون من بين هؤلاء في ممارسة ضغط على هذه الحكومات بقصد التأثير فيها حتى تعالج الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية المتفاقمة . ولكن هذه الآمال تلاشت، إذ إن هذه الحكومات لم تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية على النحو المطلوب، بل إنها على العكس من ذلك أمعنت في ممارسة سياسات أدت الى توسيع الهوة بين الأغنياء ومحدودي الدخل، والى استفحال الفساد . وتوجت هذه السياسات بممارسة المزيد من القمع وحرمان المواطنين من هامش الحرية التي تسمح به الدساتير المعنية . وتجلى هذا المنحى في الانتخابات العامة التي جرت في مصر في نهاية العام المنصرم عندما اقصيت المعارضة، بعد أن كانت جماعة “الإخوان المسلمين” قد تمكنت في الانتخابات التي جرت عام 2005 من حصد ما وازى العشرين في المئة من المقاعد النيابية . هكذا أغلق الحزب الوطني الباب أمام التنافس السلمي والديمقراطي بين الاحزاب المصرية، وإيجاد الظروف المناسبة لصدام حاسم مع سواد المصريين . ضاعف من حجم الافتراق بين الحزب الوطني والرأي العام المواقف التي اتخذتها القيادة المصرية خلال حرب 2006 التي نفذتها “إسرائيل” ضد لبنان، وكذلك مواقفها تجاه الحرب “الإسرائيلية” ضد غزة خلال عام 2008 . لقد ظهرت القيادة المصرية خلال الحربين كأنها حليف لـ”الإسرائيليين” ومناوئ للعرب، فنال هذا من شرعيتها في نظر مصريين كثيرين يقدرون مزايا أهمية دور مصر على الصعيد العربي . تلك كانت أهم وأبرز العوامل وراء حركة التغيير العربية التي بدأت من تونس، ثم انطلقت من مصر لكي تنتشر في سائر انحاء المنطقة العربية تقريباً . فهل تزول هذه العوامل وهل تتمكن الحكومات العربية من تقديم حلول للمعضلات التي شكلت خلفية التغيير في المنطقة العربية؟ هذا ما سنبحثه في مقال لاحق . * نقلا عن "الخليج" الإماراتية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل