المحتوى الرئيسى

-الأدب والأديب ومسؤولياته بقلم: د . محمد ناصر

04/28 19:26

د.محمد ناصر -الأدب والأديب ومسؤولياته- لا يمكن لنا أن نطمئن إلى صدق التحليل ، وجدوى معالجة الظواهر، إلا إذا عاد الحس الأدبي يمارس واجبه النقدي في صدارة العطاء ألقلمي لحياة اليوم. ونحن إذ نحاول تتبع حياة الأدب والنقد اليوم، نحاول أن نرصد عجز الحس الأدبي عن هذه المتابعة والممارسة الحيوية والهامة على السواء. ورصدنا تخلف عطاء الكتاب وعطاء التلفزيون وعطاء المسرح والسينما جميعاً والمواقع الإلكترونية المختلفة ، في محاولة جادة لإيقاظ وعيه بدوره الهام – إن أريد أن تكون هناك حياة فنية وثقافية – الآن في مواجهة مسؤولياتها وواجبها الذي لا شك أنها تدركه، وينبغي أن توجهه بشجاعة وصدق ، وأن تقوم به بنفس الشجاعة والصدق من ناحية ، وبإيمان وعمق متأصل بأن الفرد الأديب ، والفرد الناقد ، والفرد المبدع ، والفرد الدارس ، هو البؤرة الوحيدة الصالحة لتحدث ما نريد من وجود فني ثقافي جديد ومتطور وفعال في دنيا اليوم الراكدة الحس والعطاء على السواء. وفي كل المشكلات التي قدمناها لا يكفي أبداً الوقوف عند مشكلة منها لإبراز الحجج وإظهار المسببات المؤقتة والعارضة في أزمة وجودنا الثقافي اليوم، فالمسألة متكاملة يدخل جزؤها النظري عاملاً كاملاً متفاعلاً مع جزئها التطبيقي في كل زاوية من زوايا النقاش والبحث.. والالتفات إلى قضايا النشر والتعليم والثقافة ، والتطور التكنولوجي في دنيا المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون والطباعة ، أساس منهجي في فهم الظاهرة ورصدها وبالتالي في محاولة علاجها على أسس صحيحة من الخبرة ومن العلم على السواء . ونحن لا نريد أن نحتمل مسؤولية القيام بالعبء على طائفة دون أخرى ، أو على حرفة دون أخرى ، أو على حرفة على أخرى ، أو على اتجاه دون اتجاه. وإنما نحن نحاول أن نكون محايدين إلى أقصى حدود الحياد . فنقول إن المسؤولية هي مسؤولية كل العاملين في الحقل الثقافي جميعاً، مهما اختلفت المنابر ومهما اختلفت الأدوات .. فالكل بلا تفرقة وبلا تحيز، مسئولون عن واقع ثقافة اليوم، وعن واقع العطاء الفني الذي يفرض نفسه على الملتقي اليوم، وهو في الحقيقة نفس الواقع الحضاري والعلمي الذي يمكن أن يكون الصورة لدنيا اليوم الثقافية. فالمسألة ليست مسألة البحث عن مكمن المسؤولية .. قدر ما هي مسألة استشارة الإحساس بالمسؤولية عند الفرد ، سواء كان متلقياً أم منتجاً أم ناقداً أم دارساً على السواء. فليس من واحد منا سينجو أبداً من المسؤولية ، وليس من حجة تنهض اليوم لتدافع عن فرد أو مجموعة مشاركة في حياتنا الثقافية ، عن صورة الواقع الثقافي المعاش والمفروض من جمهرة المثقفين بلا استثناء اليوم. المسؤولية إذن مسؤولية مشتركة ، سواء في تحملها من يعملون ، ومن سيفكرون ، ومن سيخططون على السواء. وسواء أيضاً في تحملها من يدركون أبعادها الآنية ، ومن يدركون أبعادها المرحلية ، أو أبعادها الدائمة والطويلة المدى، والعميقة الأثر على السواء. فالكل مسئولا طالت نظرته أم قصرت، وعمقت نظرته أم تسطحت.. فالأمر لا يتعلق برؤيا أفراد ، قدر تعلقه بموقف جماعات ، هي على ظواهر اختلافها ، وتناقضها ، تكون آخر الأمر صورة واضحة لمعنى المجتمع الثقافي العربي ، بكل أحلامه ، وآلامه وعجزه وطموحاته المستقبلية جميعاً. ومن هنا كانت المشكلة جماعية في شكلها العام ، وهي في نفس الوقت شخصية وحميمة جداً في شكلها الشخصي الذي يمس كل صاحب قلم ، وكل صاحب هدف يستخدم القلم والفكر لإبراز موقفه ، ولإبراز تصميمه أن يكون واحداً من أصحاب الكلمة والقلم ، في تحديد مسار فكر وثقافة أمة العرب اليوم – فهذه الهموم التي يعيشها مثقف العصر ليست وليدة أوهامه ومخاوفه ، قدر ما هي وليدة المعاناة التي يراها حوله في كل مناحي الإنتاج الثقافي والفني والفكري في عصره ويسكت عنها ، أو يتغاضى عن وجودها، إشفاقا على نفسه من آثاراعلان الحقيقة، وإبراز عفن الصورة وتدهورها ، فهذه الهموم حقائق ملموسة لم يعد في التغاضي عنها أي جدوى لإخفائها أو التستر عليها ، ولم يعد في إغفال رصدها بصدق منجاة لأحد من عفنها وتفسخها.. فهذا العفن والتفسخ يولد جراثيم جديدة أشد خطراً من صورة الجسد المتعفن ذاته ، وهذه الجراثيم تنهش تدريجياً في جسد وجودنا الثقافي ، وفي مكونات مستقبلنا في إصرار ودأب، ولن تكون النتيجة إلا ظهور أجيال جديدة استشرى فيها المرض إلى الحد الذي ستعتبر فيه مظاهر المرض والتخلف هي صورة الصحة و السواء. فمن قبل لم يكن يقبل من مفكر أو أديب أو شاعر أن يكون صدى لفكر غيره،أو لموقف غيره ، أياً كان هذا الموقف وأياً كان أصحاب الأصل في العطاء الفني الذي يفرزه ، وما قامت معاول مدرسة أبولو ومدرسة الديوان في مطلع حياتنا الثقافية بهدم شوقي والهجوم على شعراء عصره إلا لرفضهم أساساً أن يوظف الشعر والأدب في خدمة القصر أو غير القصر، ورفضهم قطعياً أن يكون الفن والأدب في غير خدمة الأمة نفسها بوجودها الحاضر، ومستقبلها الوليد ارتكازا على جلاء صورة ماضيها المشرق بالعطاء والفكر و الفن . ومنذ مطلع النهضة الحديثة ، وكل صاحب رأي وقلم يدرك أن المسؤولية التي يحملها اتجاه أمته مسؤولية خطيرة تمتد لتشمل حياته كلها، ومن هنا احتمل رجال الفكر والفن التشريد والاعتقال والسجن والجوع وبل تعرضوا للتآمر والاغتيال في أحيان كثيرة .. ففكر كل رجل هو ملك لامته، لأن معركة هذه الأمة منذ اللحظة الأولى كانت وستظل تخلف بنائها الفكري عند القاعدة وحتى القمة .. ولأن معركة هذه الأمة منذ اللحظة الأولى كانت وستظل إزاحة الترسبات المخيفة والمتراكمة مما دسه المستعمر وولدته أجيال التخلف والخوف في روحها ووجدانها. والتخلص من الأثر بالغرب في كل شيء ، والتعلم ، وكفالة الكفاف لمجاميع هذه الأمة ، لم يكن كله إلا وسائل من أجل غاية أسمى ، تلك ، أن تعود هذه الأمة – قاعدة وقمة – إلى مستوى حياة العصر فكرياً وثقافياً وروحانيا ًووجدانيا ًعلى السواء .. وأن يكون المواطن العربي في بنائه الروحي والخلقي والفكري جديراً بعصره من ناحية وبموروثة الديني والفكري والحضاري من ناحية أخرى. ومازال المستعمر ومن يمثله وسيظل، يلعب دوره المباشر ، وغير المباشر أيضاً، ليعوق تطور الفرد العربي ، وليمنع وصوله الكامل لروح المعاصرة ، ولتملك تقاليد فكره ووجدانه ، ومازال المستعمر وسيظل ، يناور ويداور، ويواجه بعنف السلاح مرة ، ويتراجع بروح التآمر مرات ليخسر الفرد العربي كل معركة انتصر فيها من أجل خلاص روحه من مترسبات العبودية والتبعية والذلة ، وعقد النقص من غيره من الشعوب التي تمتص خيراته ودمه ووجوده الحي الحقيقي كله . وهذه المعركة وان تكلمت فيها المدافع، وأريقت فيها الدماء تظل دائماً وأبداً تدور في أرض أخرى.. هي روح الإنسان العربي نفسه، ويظل هدفها الحقيقي هو الكيان الداخلي للإنسان العربي، قبل أن يكون الهدف هو أرضه أو ماله، أو استقلاله الوطني.. وإذا كنا نحن ننظر إلى القضية من منطلق فهمنا القومي والوطني والديني لوجودنا العربي، فالذي لاشك فيه إن الطامعين في أرضنا ومالنا.. ينظرون إلى القضية من نفس المنطلق . ويدركون إن تحطيم هذا الرابط الذي يجمعنا، وللفصل بيننا وبين ماضينا، وإنهاء وجودنا ككيان عرقي موحد، هو الخطوة نحو تدمير وتفتيت تماسكنا كمجموع، وكأقاليم، ثم كأفراد يحسون بأنهم مرتبطون بأرضهم وتاريخهم بجذور عريقة ممتدة لا يمكن اقتلاعها أو تدميرها. وتدمير هذا المفهوم يعني تدمير كل مكوناته ، ومن مكوناته اللغة، والدين والثقافة والحضارة. ومن مكوناته الإنسان كخلق ووجود فكري وروحي وتراثي . أي الإنسان كوجود حي متفاعل مع ماضيه ومرتبط بحاضره ومتطلع إلى خلق مستقبله. ومن هنا كانت أدوات هذه المعركة مختلفة ومتعددة وخبيثة. ومن هنا كانت أسلحتنا الوحيدة ضد هذه المعركة هي الرجال أصحاب الإنتماء والمسؤولية. رجال الفكر والفن والثقافة الذين يحافظون على روح هذه الأمة جيلاً بعد جيل . والذين يقفزون بها إلى المعاصرة عن فهم ومسؤولية. والذين يستهدفون بناء الإنسان العربي القوي فكرا ًوخلقا ًوثقافة في مواجهة إنسان العصر المتقدم ، نتيجة مورثاته من عطاءات رجال الفكر والفن والثقافة في بلاده عبر العصور المتعددة ، وعبر الأجيال ، من صراع مرير خاضه هؤلاء الرجال ليحافظوا على تماسك إنسانهم ، وارتباطه بثروته وحضارته وتماسكه أمام كل القوى التي حاولت تدميره من الخارج أو الداخل على السواء. والأرض السليبة تسترد ، والمال الضائع يعوض ، ولكن الإنسان المدمر من داخله، يعني انحدار أمة ونهايتها ، ويصبح رجالها أياً كان مظهرهم وكأنهم يحملون أكفانهم فوق رؤوسهم في انتظار لحظة دفنهم الرسمي ، رغم أنهم موتى في حقيقة أمرهم وإن كانوا لا يدرون . ونحن لم نقدم الصورة الحالكة لواقعنا الثقافي من فراغ ، وإنما نحن حاولنا رسمها من خلال تتبع كل جزئية منها على حدة ، وبتتبع كل جهاز من أجهزتها لرسم واقعه ومعاناته وضموره عن تحمل المسؤولية . فإن جئنا لندق جرس الخطر الآن فلسنا ننطلق من موقف خطابي أو مزايد... وإنما نحن نرى أن أمتنا ينقص أصحاب الفكر فيها شيء من الشجاعة لإعلان الحقيقة قبل فوات الأوان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل