إما جهنم وإما الجحيم... وسام لكل شهيد
زهير قصيباتي تمردت جامعة الدول العربية، عفواً، ثارت مجدداً على الحكومات التي تطلق النار على الشعوب المطالبة بالحرية والديموقراطية، بدلاً من أن تكافئها بالتحية والإصلاح. اكتشفت الجامعة، متأخّرة لعشرات السنين، أن هناك «أزمة خطيرة بين الشعوب والحكومات في العالم العربي»، لم يشعر أحد بنذرِها قبل تخبط عواصم بمستنقعات دماء، واقتياد شباب الى أتون الحرب أو مقصلة المواجهة مع «المتطرفين»... أو الشارع الذي ما زال «يحب الرئيس». تثور الجامعة في «تسونامي» الغضب، بعد عقود كانت خلالها بامتياز مرآةً لإرادة الحكومات، ولاءاتها وخلافاتها وصراعاتها العلنية والخفية، فيما كل المجتمعات مغيّبة، بشبابها ونسائها وشيوخها. كانت الجامعة مرآة نقية لحال اضطراب المنطقة وحروبها على الحدود والوجود، حتى إذا تقاتل شقيقان من الدول الأعضاء، حاولت على طريقة اجتناب الشماتة من إسرائيل، أو انكفأت الى طلب الصبر والصمت... بانتظار رهان على الوقت. الجامعة اليوم لا تشبه ذاتها، ومن يقرأ آخر بياناتها عن التنصل من الرصاص والقمع، يخال أنها منظمة لا تنتمي الى المنطقة، وليس على مقاعدها وزراء أو مندوبون من دول الثورات والانتفاضات ومستنقعات الدم التي ما زالت تتمدد بين مدن وأرياف وصحارى. وإن كانت قمة بغداد العربية مرشحة كواحدة من ضحايا عواصف التغيير العاتية، فيما السؤال «مَن التالي»، تبدو الجامعة في مرحلة تصريف أعمال، حتى اختيار خلف لأمينها العام عمرو موسى. ولأنها كذلك، يصفع بعض الحكومات انحيازها الى الثوار والعصيان من أجل انتزاع إصلاحات، توقف الزمن العربي دونها عشرات السنين. تجدد الجامعة شبابها بعد 66 سنة على ولادتها، ولا يمكن اتهامها بالعمالة إذ «تتواطأ» مع الشارع، ومطالب الشباب والفقراء، ولكن، إن كانت عينها بصيرة بعد السبات الطويل، فيدها أقصر من أن تردع حاكماً عن قتل مواطنيه بالمدافع، أو أن تقنعه بالتكفير عن خطايا النظام، بتصفية الماضي بدل تصفية الحساب الدموية مع شباب التغيير. قد يقال إن جامعة الدول العربية تكفّر عن عجزها، أو تقاتل بالبيانات فيما الغرب يستخدم القوة دفاعاً عن المدنيين والثوار، وعن مصالحه. يحدث ذلك في ليبيا حيث القتل بلا نهاية وشيكة، رغم التدويل، وورقة التدويل تُرفَع في وجه سورية، ولا تردع الدم. ألم يقل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن لا تدخل في سورية من دون قرار لمجلس الأمن، وتلمح لندن الى زوال ما يعترض أي قرار إن لم يتوقف «القمع العنيف»؟ بين جهنم القمع وجحيم حروب التدويل، كل قتيل يسقط شهيد، موعود بوسام وبتعليم مجاني لأطفاله! يتحدث تشافيز عن «جنون» الغرب في ليبيا، لا بد أن يكون وفياً لصديقه. أما بوتين فلم يعرف بعد، مكيال واشنطن وحلفائها الأوروبيين، خصوصاً فرنسا وبريطانيا، لماذا يحق لهم إعدام العقيد؟... «هل نقصف في كل مكان» من العالم؟ يجيب وزير الدفاع البريطاني وليام فوكس حين يُسأل عن «المكيالين» في التعامل مع ليبيا وسورية: «لا نستطيع فعل كل شيء في آن»... وهو لم يقل بالطبع، أنه حين ينجز المهمة في ليبيا سيلتفت الى مكان آخر، لكن الحماسة الأوروبية في التقاط أي إشارة تدخل أميركية، ترجح شكوكاً باستكمال تدويل حقوق الإنسان في العالم العربي، إما بالديبلوماسية الناعمة، وإما بقبضة الحلف الأطلسي. البديل الآخر جحيم المواجهات في الداخل. إنه السيناريو الذي باغت تركيا بجارتها، فترجمت عَتَبها على بطء الإصلاح في سورية، باستضافة تجمع للمعارضين في إسطنبول. مَن قال إن أردوغان لا يتطلع أيضاً الى تجديد شباب الدور الإقليمي لتركيا؟ حرائق الحدود لم يحن أوانها... سباق التدويل في ذروته، وقبضة الأمن منهمكة بصنع وسام لكل شهيد عربي. *نقلا عن "الحياة" اللندنية.
Comments