المحتوى الرئيسى

متى نحكم على الثورة؟

04/28 06:36

جميل مطر ما حكمك على الثورة؟ هل نجحت؟ هل وصلت إلى نهايتها؟ هل حققت أهدافها؟ متى يعود كل منا إلى حياته العادية؟ عشرات الأسئلة من هذا القبيل وغيره نطرحها على أنفسنا ثم نختلف على الإجابات . أستطيع أن أفهم بسهولة شغف الكثير من المصريين بمعرفة رأي بعضهم بعضاً في الثورة المصرية، وحاجتهم إلى الاطمئنان والاستقرار . ولكن ما لم أتمكن من فهمه بالسهولة نفسها هو أن نسبة غير بسيطة من مفكري مصر وسياسييها لم تحسم بعد موقفها من أمرين: الأمر الأول هو إنْ كانت مصر حقاً في ثورة؟ فإن كانت الإجابة بنعم يكون الأمر الثاني الذي لم تحسم الأكثرية الموقف منه هو إنْ كنا حقاً نعرف شيئاً عن الثورات حتى بتنا نختلف على أن نطلب أن تنتهي بسرعة أو نطلب أن تستمر حتى تحقق مطالب الناس . أما إذا كانت الإجابة بالنفي، أي أن مصر ليست في حال ثورة، فالأمر محسوم بطبيعته . ونصبح جميعاً مطالبين بأن نعود إلى التزام قواعد وسلوكيات الحياة العادية التي عشناها ثلاثين عاماً، لا نطالب ولا نتمرد ولا نحتج، ونعيش منبوذين ومضطهدين لا نفعل غير الشكوى والاستسلام لقدرنا التعس، لا نجد شعباً يحترمنا ولا تهتم بنا دولة أخرى . أفهم نفاد الصبر وضيق الصدر، وأشعر بالأسى حين أرى المصريين مختلفين على كل شيء تقريباً، ولكني غير مكتئب وغير متشائم . أقول للكثيرين الذين لا يكفون عن الاستفسار عن “الموعد المقرر” لانتهاء الثورة، لا تفرحوا كثيراً إذا انفضّ الحفل وعاد كل مواطن إلى حياته العادية واستعاد المستبدون والفاسدون مناصبهم وثرواتهم، أو بعضاً منها، فالثورة التي تحلمون بقرب نهايتها لم تبدأ بعد، وما ظهر لنا منها لا يزيد على تجارب أكثرها ناعم وخجول يمهد للثورة أو يقيس إرادة المصريين وقدرتهم على تحمل أعباء ثورة . كان ضرورياً تلقين جيلٍ مفاهيم الثورة وآلياتها، وكان ضرورياً خلخلة أركان حكم لا يريد أن يرحل، وكان ضرورياً أن نكتشف حقيقة أمرنا ونحاول الإجابة عن أسئلة راودتنا كثيرًا وجربنا التهرب من الإجابة عنها: أسئلة من نوع من نحن، وماذا نريد، وكم نساوي، وماذا نملك، وكيف سكتنا دهراً؟ أقول لمن نَفِد صبرهم: لا تتعجلوا فلن يصدر حكم على هذه الثورة، إن كانت هي فعلاً ثورة أو قررنا أن تكون، قبل مرور سنوات وربما عقود . لماذا نستعجل إصدار حكم عليها بينما ثورات أخرى أصدر التاريخ في شأنها أحكاماً متناقضة، وبعضها لم يزل في انتظار الحكم عليها . أعلم أن الكثيرين في روسيا وشرقي أوروبا والصين، وفي الغرب أيضاً يعتقدون الآن أن الثورة البلشفية كانت وبالاً على العالم وعلى الأمة الروسية وأمم أخرى كثيرة . ولكني أعلم أيضاً أن في بلاد أخرى وفي بلادنا، أفراداً مازالوا يعتقدون أن التاريخ لم يصدر بعد حكمه النهائي على الثورة الشيوعية . وأن يوماً سيأتي تعلن فيه الإنسانية عن ندمها لتقصيرها في الدفاع عن الماركسية خلال سنوات التدهور والانهيار . وبمناسبة التفكير في الماركسية ترددت في ذاكرتي كلمات قالها شو إين لأي رئيس وزراء الصين الأشهر ورجل “الدولة والثورة” بامتياز عندما سئل عن رأيه فيما آلت إليه الثورة الروسية . قال إن الوقت لم يحن بعد لتقويمها وإن كانت المشكلات التي تواجهها لا تعني بالضرورة فشلها . وكنت قد سمعت منه شخصياً في أواخر الخمسينيات ثم في أوائل السبعينيات أحاديث مطولة تكشف عن عمق اطلاعه على تفاصيل في تاريخ أوروبا، وبخاصة دقائق الثورة الفرنسية . . قال في إجابة شهيرة عن سؤال عن رأيه في الثورة الفرنسية “إن قرناً ونصف القرن ليست بالمدة الكافية للحكم على ثورة كالثورة الفرنسية” . قضيت بعض وقت الفراغ خلال الأسبوع الماضي أقرأ عن النقاش الدائر في الولايات المتحدة عن الحرب الأهلية الأمريكية بمناسبة مرور مئة وخمسين عاماً على إطلاق الرصاصة الأولى في هذه الحرب التي بدأت فيFORT SUMTER بولاية كارولينا الجنوبية . أعجبني بصفة خاصة مقال كتبه أندرو سوليفان في صحيفة “صنداى تايمز” البريطانية، يقول فيه إن الزائر الأجنبي للولايات المتحدة هذه الأيام، أيام الاحتفال بالذكرى، سيعود مشدوهاً باكتشافه أن الحرب الأهلية الأمريكية مازالت ناشبة . فالناس في أمريكا منقسمون على أسباب نشوبها، يقول المتعاطفون مع القوات الكونفيدرالية، إن الولايات الجنوبية دخلت الحرب دفاعاً عن سيادتها واستقلالها ضد أطماع ولايات الشمال في الهيمنة والتوسع، بمعنى آخر كانت الحرب حرباً بين الولايات ولم تكن حرباً أهلية . يجدهم الزائر منقسمين كذلك على موضوع العبودية ودوره في هذه الحرب . إذ درج مؤرخون على القول إن الحرب نشبت لأن الشماليين دخلوها بهدف تحرير العبيد . بينما يقول المؤرخون المتعاطفون مع الجنوبيين، إن الشماليين أرادوا تحجيم ثروة الطبقة المالكة للأرض في الجنوب، وهي الثروة التي تراكمت نتيجة امتلاك أصحاب المزارع لما يزيد على 13% من سكان القارة، هم مجموع الزنوج في أمريكا . . ويبدو أن النقاش امتد ليلمس موضوعات حساسة وإن لم تعد مكتومة . يظهر للمراقبين أن قضية التفرقة بين البيض والسود ازدادت سوءاً في الآونة الأخيرة، أي فى عهد الرئيس باراك أوباما . يتحدثون عن مواطنين من السود يرحلون من أحياء ليسكنوا فى أحياء تسكنها أغلبية من “السود” وهو ما يفعله البيض أيضاً . وتنقل محطةCNN في استقصاء جرى فى ولاية ميسيسيبي أن نصف المنتمين إلى الحزب الجمهوري يريدون تشريعات تستعيد تحريم الزواج المختلط بين البيض والسود، أي يريدون العودة إلى محرمات ما قبل الحرب الأهلية . لا يبدو غريباً هذا التطور في وقت يكتب فيه كثيرون عن أن سخط الجمهوريين البيض على أوباما لا ينبع من كونه أسود البشرة بقدر ما ينبع من أنه “نصف أبيض” . من وسط هذه السحابة الرمادية تسرب اكتشاف أن الفضل في إلغاء التمييز العنصري الذي جرى في الستينيات من القرن الماضى لم يكن للرئيس جونسون وقيادات الحزب الديمقراطي والنخب الفكرية والمؤسسة العسكرية وكل الأجهزة التي ناضلت من أجل هذا الإلغاء، إنما يعود الفضل إلى القضاء الأمريكي حين أصدرت المحاكم واحدة بعد الأخرى أحكاماً تجرم التمييز وتقف إلى جانب حقوق السود في العدالة الاجتماعية والمساواة . ويتجدد الآن الأمل لدى القوى المتحررة في أمريكا في أن يجدد القضاء جهوده لمنع الانجراف مجدداً وراء هذه الممارسات الوحشية والعنصرية . أملنا، نحن أيضاً، أن يستعد رجال القضاء في مصر لدور مماثل قد تعجز عن القيام به مؤسسات أخرى لأسباب نقدّرها أو لا نصرح بها، ولظروف قد تفاجئنا . أثق في ولاء الثوار، شعباً وطوائف وأفراداً، للثورة ولكني أشعر بأن مكتسباتها في خطر إن لم تتكاتف الجهود لتقنينها وبسرعة، وإن لم يتصدر رجال القضاء المصري صفوف المدافعين عنها، ويتحملوا مسؤولية ومشاق حمايتها . *نقلا عن "الخليج" الاماراتية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل