المحتوى الرئيسى

هل يحصد الإسلاميون ثمار الثورة المصرية ؟ بقلم : د. خالد صقر

04/27 19:08

منذ سقوط نظام مبارك في مصر حتي الآن ووسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية تمتلئ بالتقارير والتحليلات المتباينة تجاه ما ‏يمكن تسميته "أَسلمَة الثورة" ، فبينما اتجه العديد من الكتاب ذوي التوجه الديمقراطي – مثل جنيفر ليبمان و هارون موجول و ‏كريستيان أمنبور – للجزم بأن الثورة المصرية ليست إسلامية ، ذهب العديد من المحللين والكتاب ذوي التوجه اليميني ‏والجمهوري إلي أن الثورة المصرية وإن كانت بدايتها غير إسلامية إلا أنها قد استحالت ثورة "معادية للغرب" و"معادية ‏لإسرائيل" ، فيقول باري روبين مدير مركز أبحاث العلاقات الدولية ‏GLORIA‏ ورئيس تحرير دورية الشرق الأوسط ‏للعلاقات الدولية ‏MERIA‏ في مقال بمجلة فري ريبابلك بتاريخ 23 مارس الماضي : "بحلول نهاية عام 2011 فسيصل – في ‏أغلب الأحوال - إلي سدة الحكم في مصر رئيس ذو توجه أصولي معادي لأمريكا ، والأمر من ذلك أنه سيكون معادي ‏لإسرائيل أكثر من أي سياسي في عهد مبارك ، ومن المرجح أيضاً أن يحتوي البرلمان الجديد علي 30% من الأعضاء من ‏الإسلاميين و أكثر من 30% من القوميين اليساريين ، هذا البرلمان سوف يصيغ دستوراً جديداً لمصر ، وأثناء صياغة هذا ‏الدستور فإن ليبراليّ الفيبوك سيكونون معدومي الأهمية تقريباً ، سيتم إهمال أي رأي للمسيحين الذين يشكلون 10% من ‏تعداد السكان بمصر في صياغة هذا الدستور. إن الدستور الجديد في مصر سوف يُعرّف الدولة أنها دولة مسلمة وأن الإسلام ‏هو المصدر الرئيسي – إن لم يكن الوحيد – للتشريع" ويضيف باري روبين في نفس المقال : "إن الأصوات المعادية لأمريكا ‏والمعادية لإسرائيل في مصر أكثر عمقاً واتساعاً مما يمكن للمراقبين الغربيين أن يتخيلوه ، وكذلك فإن الفجوة بين ‏الإسلاميين والقوميين واليساريين أقل اتساعاً بكثير مما يفترض بها أن تكون. إن مستخدمي الفيسبوك لا يزال من الممكن أن ‏يفضلوا دولة قائمة علي مرجعية الشريعة علي أي حال" أ.هــ ويستطرد رايان جونز في نفس الإتجاه في مقالٍ له بمجلة إسرائيل توداي نشر بتاريخ 10 أبريل الجاري قائلاً: "...إنهم لم ‏يكتفوا بالتظاهر والغضب ضد حكومتهم فقط ، بل لقد زحف المتظاهرون المصريون تجاه السفارة الإسرائيلية في القاهرة ، ‏ووتجمهرواً أمام بوابة السفارة مطالبين حكومتهم المؤقتة بقطع كل علاقتها مع الدولة اليهودية وإيقاف تصدير الغاز الطبيعي ‏لإسرائيل ، والأدهي من ذلك أنهم أرادوا إزالة العلم الإسرائيلي الذي يرفرف فوق مبني السفارة...!" أ.هــ كل هذه التحليلات الغربية التي ترصد التوجه الإسلامي الواضح للثورة المصرية ، بالإضافة لما نشاهده من علامات ذلك ‏التوجه ، يطرح وبقوة سؤالاً ملحاً : هل يحصد الإسلاميون ثمار الثورة المصرية ؟ يمكن تقسيم التيارات الإسلامية الفاعلة في مصر إلي ثلاثة تيارات ، الإخوان المسلمين والتيارات السلفية المختلفة والطرق ‏الصوفية. ويمكن القل أيضاً أن الأحداث التي تلت الثورة مباشرة ساهمت كثيراً في تقليل فجوة الخلافات الحركية بين الإخوان ‏المسلمين وجميع التيارات السلفية ، وحدث هناك نوع من التقارب شوهد أثره في تكتل الإخوان والسلفيين في جبهة واحدة ‏لإقرار التعديلات الدستورية التي أجري عليها إستفتاء عام الشهر الماضي ، وشوهد أثره أيضاً في التصدي الحاسم لكل ‏مجاولات التيارات العلمانية لإثارة قضية هوية الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية ، بينما وقفت الطرق الصوفية موقفاً حائراً – ‏كالمعتاد – ولم يكن لها أي تأثير حقيقي في الرأي العام في الشارع المصري. علي الجانب الآخر فإن نفس الأحداث التي ‏قاربت وجهات النظر بين السلفيين والإخوان ، ساهمت في تقريب وجهات النظر بين التيارات العلمانية الليبرالية والأحزاب ‏ذات التوجه اليساري ، فحدث هناك نوع من التخندق لهذين التكتلين لرفض تمرير التعديلات الدستورية وهو ماباء بالفشل أمام ‏الإنتشار الشعبي الهائل الذي تحظي به التيارات الإسلامية.‏ يمكن تلخيص المميزات التي تتمتع بها التيارات الإسلامية في ثلاث نقاط : الإنتشار الأفقي الهائل في جميع أقاليم مصر ‏ومحافظاتها – توافر عدد كبير جداً من القياديين والرموز الحركية ، الذين يحظون بثقة الجماهير واحترامهم ، سواء في جماعة ‏الإخوان أو في التيارات السلفية المختلفة – والإضطهاد السابق الذي كانت تعاني منه جميع التيارات الإسلامية في العهد البائد ‏بما جعل قيادييّ هذه التيارات فوق مستوي الشبهات إلي حدِ ما ، بينما تتمتع التيارات العلمانية بمميزات أخري تمكنها من ‏التأثير في الرأي العام لشريحة محدودة من المجتمع المصري ويمكن تلخيص هذه المميزات في : امتلاك وسائل إعلام علي ‏قدر عالي من الحرفية المهنية – الإنتشار الرأسي في قطاع الجامعيين والمثقفين من المجتمع المصري. ‏ إن الصراع الحالي بين التيارات الإسلامية مجتمعة في جبهة ، والتيارات العلمانية الليبرالية بمساندة الأحزاب اليسارية في جبهة ‏معاكسة يتمحور أساساً حول رغبة كل جبهة في فرض أقصي قدر من التأثير علي الشارع المصري للإستعداد لخوض أول ‏انتخابات برلمانية نزيهة منذ انقلاب 1952‏‎ ‎، والأهداف اللاحقة لكل فريق تتركز في : محاولة التأثير علي اتجاه صياغة ‏الدستور وتحديداً قضية هوية الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية – توجيه الرأي العام المصري لتفضيل مرشحي كل جبهة ‏لرئاسة الجمهورية – والتنافس علي قدر أكبر من التقارب مع المؤسسة العسكرية التي تعاظم دورها في توجيه المستقبل ‏السياسي لمصر بعد الثورة.‏ بالنظر إلي المكاسب التي حققتها التيارات الإسلامية في مصر منذ انهيار نظام مبارك حتي الآن يمكن القول أنه لكي تتمكن تلك ‏التيارات من حصد أكبر قدر ممكن من ثمار الثورة وتوجيه دفة النهضة المستقبلية في مصر إلي اتجاه إحياء الحضارة ‏الإسلامية ، وتفعيل دور مصر كبلد رائد لكل بلاد العالم الإسلامي ، يجب علي تلك التيارات أولاً أن تحقق قدراً أعمق من ‏التقارب الحركي والسياسي ، بحيث تتلافي أي احتمالات ممكنة للتنافس بين أجنحتها علي مقاعد البرلمان أو كرسي الرئاسة ، ‏وثانياً أن تهتم بشدة بتطوير وتحديث الجبهات الإعلامية الإسلامية حتي يمكن أن تقاوم التأثير الإعلامي الفائق للإعلام العلماني ‏علي الشارع المصري ، وتحديداً علي شريحة الجامعيين والمثقفين من المجتمع. هذان السبيلان هما الضمان الوحيد لكي يستمر ‏تقدم التيارات الإسلامية علي الجبهة السياسية في مصر ، وحتي يتمكن الإسلاميون من قيادة المجتمع والنهوض به من الكبوة ‏الحضارية القاتلة التي خلفها نظام مبارك بعد ثلاثين عاماً من التجهيل والتجاهل والإهمال المتعمد لكل مظاهر الثقافة الإسلامية ‏في مصر.‏

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل