هل يحصد الإسلاميون ثمار الثورة المصرية ؟ بقلم : د. خالد صقر
منذ سقوط نظام مبارك في مصر حتي الآن ووسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية تمتلئ بالتقارير والتحليلات المتباينة تجاه ما يمكن تسميته "أَسلمَة الثورة" ، فبينما اتجه العديد من الكتاب ذوي التوجه الديمقراطي – مثل جنيفر ليبمان و هارون موجول و كريستيان أمنبور – للجزم بأن الثورة المصرية ليست إسلامية ، ذهب العديد من المحللين والكتاب ذوي التوجه اليميني والجمهوري إلي أن الثورة المصرية وإن كانت بدايتها غير إسلامية إلا أنها قد استحالت ثورة "معادية للغرب" و"معادية لإسرائيل" ، فيقول باري روبين مدير مركز أبحاث العلاقات الدولية GLORIA ورئيس تحرير دورية الشرق الأوسط للعلاقات الدولية MERIA في مقال بمجلة فري ريبابلك بتاريخ 23 مارس الماضي : "بحلول نهاية عام 2011 فسيصل – في أغلب الأحوال - إلي سدة الحكم في مصر رئيس ذو توجه أصولي معادي لأمريكا ، والأمر من ذلك أنه سيكون معادي لإسرائيل أكثر من أي سياسي في عهد مبارك ، ومن المرجح أيضاً أن يحتوي البرلمان الجديد علي 30% من الأعضاء من الإسلاميين و أكثر من 30% من القوميين اليساريين ، هذا البرلمان سوف يصيغ دستوراً جديداً لمصر ، وأثناء صياغة هذا الدستور فإن ليبراليّ الفيبوك سيكونون معدومي الأهمية تقريباً ، سيتم إهمال أي رأي للمسيحين الذين يشكلون 10% من تعداد السكان بمصر في صياغة هذا الدستور. إن الدستور الجديد في مصر سوف يُعرّف الدولة أنها دولة مسلمة وأن الإسلام هو المصدر الرئيسي – إن لم يكن الوحيد – للتشريع" ويضيف باري روبين في نفس المقال : "إن الأصوات المعادية لأمريكا والمعادية لإسرائيل في مصر أكثر عمقاً واتساعاً مما يمكن للمراقبين الغربيين أن يتخيلوه ، وكذلك فإن الفجوة بين الإسلاميين والقوميين واليساريين أقل اتساعاً بكثير مما يفترض بها أن تكون. إن مستخدمي الفيسبوك لا يزال من الممكن أن يفضلوا دولة قائمة علي مرجعية الشريعة علي أي حال" أ.هــ ويستطرد رايان جونز في نفس الإتجاه في مقالٍ له بمجلة إسرائيل توداي نشر بتاريخ 10 أبريل الجاري قائلاً: "...إنهم لم يكتفوا بالتظاهر والغضب ضد حكومتهم فقط ، بل لقد زحف المتظاهرون المصريون تجاه السفارة الإسرائيلية في القاهرة ، ووتجمهرواً أمام بوابة السفارة مطالبين حكومتهم المؤقتة بقطع كل علاقتها مع الدولة اليهودية وإيقاف تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل ، والأدهي من ذلك أنهم أرادوا إزالة العلم الإسرائيلي الذي يرفرف فوق مبني السفارة...!" أ.هــ كل هذه التحليلات الغربية التي ترصد التوجه الإسلامي الواضح للثورة المصرية ، بالإضافة لما نشاهده من علامات ذلك التوجه ، يطرح وبقوة سؤالاً ملحاً : هل يحصد الإسلاميون ثمار الثورة المصرية ؟ يمكن تقسيم التيارات الإسلامية الفاعلة في مصر إلي ثلاثة تيارات ، الإخوان المسلمين والتيارات السلفية المختلفة والطرق الصوفية. ويمكن القل أيضاً أن الأحداث التي تلت الثورة مباشرة ساهمت كثيراً في تقليل فجوة الخلافات الحركية بين الإخوان المسلمين وجميع التيارات السلفية ، وحدث هناك نوع من التقارب شوهد أثره في تكتل الإخوان والسلفيين في جبهة واحدة لإقرار التعديلات الدستورية التي أجري عليها إستفتاء عام الشهر الماضي ، وشوهد أثره أيضاً في التصدي الحاسم لكل مجاولات التيارات العلمانية لإثارة قضية هوية الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية ، بينما وقفت الطرق الصوفية موقفاً حائراً – كالمعتاد – ولم يكن لها أي تأثير حقيقي في الرأي العام في الشارع المصري. علي الجانب الآخر فإن نفس الأحداث التي قاربت وجهات النظر بين السلفيين والإخوان ، ساهمت في تقريب وجهات النظر بين التيارات العلمانية الليبرالية والأحزاب ذات التوجه اليساري ، فحدث هناك نوع من التخندق لهذين التكتلين لرفض تمرير التعديلات الدستورية وهو ماباء بالفشل أمام الإنتشار الشعبي الهائل الذي تحظي به التيارات الإسلامية. يمكن تلخيص المميزات التي تتمتع بها التيارات الإسلامية في ثلاث نقاط : الإنتشار الأفقي الهائل في جميع أقاليم مصر ومحافظاتها – توافر عدد كبير جداً من القياديين والرموز الحركية ، الذين يحظون بثقة الجماهير واحترامهم ، سواء في جماعة الإخوان أو في التيارات السلفية المختلفة – والإضطهاد السابق الذي كانت تعاني منه جميع التيارات الإسلامية في العهد البائد بما جعل قيادييّ هذه التيارات فوق مستوي الشبهات إلي حدِ ما ، بينما تتمتع التيارات العلمانية بمميزات أخري تمكنها من التأثير في الرأي العام لشريحة محدودة من المجتمع المصري ويمكن تلخيص هذه المميزات في : امتلاك وسائل إعلام علي قدر عالي من الحرفية المهنية – الإنتشار الرأسي في قطاع الجامعيين والمثقفين من المجتمع المصري. إن الصراع الحالي بين التيارات الإسلامية مجتمعة في جبهة ، والتيارات العلمانية الليبرالية بمساندة الأحزاب اليسارية في جبهة معاكسة يتمحور أساساً حول رغبة كل جبهة في فرض أقصي قدر من التأثير علي الشارع المصري للإستعداد لخوض أول انتخابات برلمانية نزيهة منذ انقلاب 1952 ، والأهداف اللاحقة لكل فريق تتركز في : محاولة التأثير علي اتجاه صياغة الدستور وتحديداً قضية هوية الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية – توجيه الرأي العام المصري لتفضيل مرشحي كل جبهة لرئاسة الجمهورية – والتنافس علي قدر أكبر من التقارب مع المؤسسة العسكرية التي تعاظم دورها في توجيه المستقبل السياسي لمصر بعد الثورة. بالنظر إلي المكاسب التي حققتها التيارات الإسلامية في مصر منذ انهيار نظام مبارك حتي الآن يمكن القول أنه لكي تتمكن تلك التيارات من حصد أكبر قدر ممكن من ثمار الثورة وتوجيه دفة النهضة المستقبلية في مصر إلي اتجاه إحياء الحضارة الإسلامية ، وتفعيل دور مصر كبلد رائد لكل بلاد العالم الإسلامي ، يجب علي تلك التيارات أولاً أن تحقق قدراً أعمق من التقارب الحركي والسياسي ، بحيث تتلافي أي احتمالات ممكنة للتنافس بين أجنحتها علي مقاعد البرلمان أو كرسي الرئاسة ، وثانياً أن تهتم بشدة بتطوير وتحديث الجبهات الإعلامية الإسلامية حتي يمكن أن تقاوم التأثير الإعلامي الفائق للإعلام العلماني علي الشارع المصري ، وتحديداً علي شريحة الجامعيين والمثقفين من المجتمع. هذان السبيلان هما الضمان الوحيد لكي يستمر تقدم التيارات الإسلامية علي الجبهة السياسية في مصر ، وحتي يتمكن الإسلاميون من قيادة المجتمع والنهوض به من الكبوة الحضارية القاتلة التي خلفها نظام مبارك بعد ثلاثين عاماً من التجهيل والتجاهل والإهمال المتعمد لكل مظاهر الثقافة الإسلامية في مصر.
Comments