المحتوى الرئيسى

زعماؤنا كبخلاء الجاحظ!بقلم:عبد الرزاق قيراط

04/27 18:52

سأعتبر أنّ الزعماء العرب الذين يحكمون شعوبهم من البخلاء ولست مبالغا، و لنا في كتاب الجاحظ أكثر من دليل يفضحهم، لذلك أدعوكم إلى فسحة و ابتسامة في هذا الأثر حيث نجد من السلوى ما يخفّف علينا وطأة أخبار القتل و الترويع التي عرفتها و تعرفها شعوبنا العربيّة على أيدي حكّامها. و في أخبار من مضى و في نوادرهم دروس و عبر. الجمع و المنع: من بين الأشحّاء الذين تحدّث عنهم الجاحظ نذكر أصحاب الجمع و المنع الذين شكّلوا ما يشبه الحزب فكانوا يجتمعون في المسجد لتبادل الخبرات في جمع الأموال و الحرص عليها من التلف و الزوال. يعبدون الدرهم عبادة و يكلّمونه بعشق المحبّ لمن لا يريد فراقه فانظر ما يقوله أحدهم لذلك الدرهم الذي وصل إلى يده بعد سفر طويل:" كم من أرض قد قطعت، وكم من كيس قد فارقت... ثم يلقيه في كيسه ويقول له: اسكن على اسم الله في مكان لا تهان ولا تذل ولا تزعج منه. وهو لم يدخل فيه درهماً فأخرجه" ذاك هو مذهب بخلاء الجاحظ و زعمائنا العرب: أخْذٌ بغير عطاء و جمْعٌ للثروات في خزائنهم و خزائن أهليهم، و قد ملأت أخبار جرائمهم و سرقاتهم صحفنا و البعض منها لا تصدّقه العقول فهي من نوادر العصر و ستبقى خالدة الذكر فزين الهاربين أو السارقين لم يشبع بكنوز الأرض فاشترى نجما في السماء بأموال شعبه التي كانت أمانة في خزينة الدولة لتوفير العمل و مقاومة الفقر و بناء الطرقات و المدارس و توفير الخدمات و تقريبها للناس. و مثل ذلك من الثروات أو أكثر موجود في خزائن مبارك و الأسد و القذافي و صالح و أسرهم. كلام بكلام: النادرة الثانية تتحدّث عن ذلك البخيل الذي غضب من سلوك أبيه حين اكتشف أنّه كان يمسح باللقمة على قطعة الجبن فأحدث بها حفرة فقال :"لو علمت ذلك ما صليت عليه. قالوا: فأنت كيف تريد أن تصنع؟ قال: أضعها من بعيد فأشير إليها باللقمة..! و هذا مذهب آخر يعمل به دعاة الإصلاح من حكامنا فالحرّية و الكرامة و الحقّ في التظاهر كلّها كتلك القطعة من الجبن التي يحرّم لمسها. إنّها معادلة عجيبة إذ يعلنون عن منحها للناس ثمّ يمنعون الوصول إليها، فافهم أيها الشعب السوريّ حدودك. نعم رفعت حالة الطوارئ و أصبح لك الحقّ في التظاهر السلمي بموجب المراسيم الجديدة و لكن هذه وليمة لم تُدعَ إليها حقّا فالمقصود هو كلام بكلام و هذا مثبت في قانون البخل كما جاء في كتاب الجاحظ و هو يحدّثنا عن ذلك البخيل الذي كان يأكل طعاما فسلّم عليه أحد العابرين فردّ السلام و دعاه إلى الطعام فلمّا جلس الرجل ليأكل نهره البخيل قائلا:" كيف طمعت في هذا؟ ومن أباح لك مالي؟ قال الرجل: أو ليس قد دعوتني؟! قال:"ويلك! لو ظننت أنك هكذا أحمق ما رددت عليك السلام. .. إنْ كنت آكلا فهاهنا بيان آخر: وهو أن أبدأ أنا، فأقول: «هلمّ»، وتجيب أنت، فتقول: «هنيئًا»، فيكون كلام بكلام. فأمّا كلام بفعال، وقول بأكل، فهذا ليس من الإنصاف!" لا فرق بين بخلاء الأمس و اليوم و نقمة بخيل الجاحظ على والده الذي مسح باللقمة على قطعة الجبن فندم على الصلاة عليه كنقمة الحكّام العرب الذين يقتلون كلّ من تسوّل له نفسه الاقتراب من ولائم الإصلاح و حقوق الإنسان ثمّ يقتلون من يسير في جنازتهم. كان على الشعوب العربيّة أن تقابل تلك الوعود بالشكر و التمجيد لتثبت فهمها و احترامها لمبدأ "كلام بكلام" و لكنّها شعوب حمقاء فما أصبركم على شعوبكم أيّها الحكّام البخلاء! ضحكنا من بخلاء الجاحظ و تندّرنا بهم و لكنّنا نبكي اليوم من شحّ الزعماء العرب الذين لا يتردّدون في القتل و التشنيع بمن يعارض مذهبهم. و لو كان الجاحظ حيّا لأفرد بابا لبخل حكّامنا و بابا لكرم شعوبهم و هم يقدّمون أرواحهم قربانا للحريّة و الكرامة. عبد الرزاق قيراط- تونس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل