المحتوى الرئيسى

الأسماء مطروحة في الطريق‏!‏

04/26 23:58

نحن الآن نتحدث في السياسة‏..‏ المصريون جميعا يتحدثون عن الدولة وعن طبيعتها ووظيفتها‏,‏ وعلاقتها بالمجتمع والدين‏.‏ وعن نظام الحكم والمبادئ التي تحكم هذا النظام, والسلطات التي يقوم بها ومصادرها, وهل تكون الأمة هي مصدر السلطات والقوانين, أم يكون لها مصدر آخر ديني أو دنيوي يفرض علي الأمة وصايته ويملي عليها إرادته كما يحدث في الدولة الدينية التي تسعي جماعات الاسلام السياسي لفرضها علي المصريين؟ وكيف يكون وضع المواطنين غير المسلمين في نظام سياسي تتولي فيه هذه الجماعات السلطة؟.. وكيف يكون وضع المعارضة بشكل عام في هذا النظام, سواء أكان المعارضون مسلمين أو كانوا غير مسلمين؟.. وهل يسمح لهؤلاء المعارضين بالتعبير عن رأيهم في حكومة تعتقد أنها تحمل رسالة دينية, وأنها جاءت لتطبيق الشريعة لا لخدمة المواطنين؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرح الآن بإلحاح وتتردد علي ألسنة السياسيين والكتاب والمفكرين, كما تتردد علي ألسنة المواطنين العاديين الذين ظلوا طيلة العقود الستة الماضية محرومين من الكلام في السياسة لا مبالين بها, لأن النشاط السياسي كان احتكارا لدوائر تنفرد وحدها بالسلطة, وتتوارثها, ولا تسمح لأحد بمشاركتها فيها, اللهم إلا أن يكون خادما تابعا يسمع ويطيع وينفذ ولا يفكر, فإن سولت له النفس الأمارة بالسوء أن يخالف أو يعترض نكلت به أجهزة الأمن, وتعرضت حريته وأحيانا حياته للمصادرة, مما فرض علي المصريين أن يبتعدوا عن السياسة خوفا من العواقب ويأسا من قدرتهم علي التأثير والتغيير. حتي إذا انفجر البركان فجأة ـ كما رأينا في يناير الماضي واشتعلت الثورة ونجح المصريون في إسقاط دولة الانقلاب العسكري ونظامها البوليسي ارتفعت من جديد شعارات الحرية, والدولة المدنية, والنظام الديمقراطي الذي نسعي لإقامته اليوم ونجتهد في الوصول إليه, ونتسابق في التعرف عليه ووضع أسسه وتحديد معالمه التي يبدو أنها لاتزال غائمة غير واضحة بالنسبة للكثيرين, والدليل علي ذلك ما نراه في حديث بعض المتحدثين, وفي برامج بعض الأحزاب والجماعات من تناقض صارخ وخلط سافر بين الفكرة وعكسها, وبين المبدأ ونقيضه. ونحن نعلم علم اليقين أن الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يخترع نظامه ولم يبتدع طغيانه, بل ورث النظام وورث الطغيان من سلفه الذي سبقه أنور السادات, الذي لم يكن بدوره أول من انفرد بالسلطة, وإنما سبقه إلي الانفراد بها الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. فإذا كنا نريد اليوم أن نضع أساسا راسخا لدولة مدنية ونظام ديمقراطي, فلابد أن نبدأ بتنظيف أرض الوطن من بقايا الطغيان, وإلا فنحن نواصل الطغيان ونمكن له في أرضنا. والتناقض الذي يقع فيه بعض الناصريين يقع فيه الإخوان المسلمون الذين يفاجئوننا في هذه الأيام بحديثهم عن الدولة المدنية, وإن كشف حديثهم عنها عدم إيمانهم بها, فكلامهم عن الحرية والديمقراطية محسنات لفظية يخلعونها علي الاستبداد الديني الذي يسعون لفرضه علي المصريين جميعا, المسلمين قبل المسيحيين. يقولون إن الدولة التي يسعون لإقامتها دولة مدنية, لأنها ستتحقق بأصوات الناخبين ولن تخضع لسلطة رجال الدين, إذن لأي سلطة تخضع؟.. يجيبون: لأحكام الشريعة.. فمن يفتينا في هذه الأحكام, ومن يفسرها ويحولها إلي قوانين نافذة؟.. هيئة؟.. مجمع مقدس؟.. مكتب الإرشاد؟.. في النهاية سلطة تخلط الدين بالسياسة وتفرغ الدولة المدنية من محتواها الديمقراطي, وتصادر حق الأمة في سن قوانينها, مخيرة إياها بين الحرية والامتثال للشريعة, مستغلة في ذلك أمية الأميين, وفقر الفقراء وحاجة المحتاجين الذين عاشوا حياتهم لا يكلمهم أحد, ولا يعلمهم أحد, ولا يشركهم في السلطة أحد, فليس لهم إلا الله يشكون له, والا الدين يمتثلون لتعاليمه, ويتنازلون من أجله عن الحرية! والإخوان المسلمون الذين يتحدثون عن الدولة المدنية هم أنفسهم الذين يخلطون بين الأمة بالمعني الحديث, أي باعتبارها جماعة وطنية, والأمة بالمعني القديم, أي باعتبارها ملة أو طائفة دينية, لأن الإخوان المسلمين يستقون ثقافتهم من الماضي, ويعادون كل ما جد في حياة البشر في هذه العصور الحديثة, ومن السهل عليهم أن يخلعوا علي الأفكار القديمة والوقائع القديمة والنظم القديمة أسماء جديدة, حين يرون وجه شبه ولو كان ضئيلا بين القديم والجديد. هكذا تصبح الشوري وهي المجالس التي تضم رؤساء القبائل البدوية ديمقراطية. تحدثهم عن الانتخابات, وحرية الرأي, وتداول السلطة, وحقوق الإنسان, فلا يعبأون, لأن الديمقراطية بمعناها الصحيح لا تسمح لهم بالوصول إلي السلطة, فإن وصلوا إلي السلطة فلن يكون للديمقراطية مكان, وكما تصبح الشوري في نظر الإخوان المسلمين ديمقراطية, تصبح الزكاة اشتراكية, وإذا كانت الأمة في نظر الإخوان المسلمين تقوم بالدين لا بالوطن, فمسلمو البوسنة ونيجيريا والصين أقرب إلي المسلمين المصريين من المصريين المسيحيين.. والمصريون المسيحيون في نظر الإخوان وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي أجانب, وهناك وصف آخر أقرب إلي الذم لا أحب أن أورده. والإخوان المسلمون أحرار في تشبثهم بهذه الثقافة, طالما طوعوا أنفسهم لها وظلوا داخل حدودها لا يغادرونها إلي العصور الحديثة ولا يصفون لمشاكل اليوم أدوية الأمس البعيد. يستطيع هؤلاء السادة أن يتحدثوا عن الشوري, وأن يمتدحوها ويعتبروها دليلا علي عدم الاستبداد والانفراد بالرأي لكنهم لا يستطيعون أن يعتبروها ديمقراطية, فإذا كان من حقهم مع ذلك أن يتحدثوا عن الديمقراطية, وعن الدولة المدنية, فليس من حقهم أن يميزوا بين المسلم والمسيحي, وبين المسلم والمسلمة. فالمسيحي لا حق له في رئاسة الدولة في نظر هؤلاء السادة, والنساء لا حق لهن في هذا المنصب أو في غيره من مناصب الولاية والرئاسة.. لماذا؟.. لأن الرئيس في نظر فقهائنا القدماء, وهم يسمونه إماما, لأنه يجمع بين الرئاسة الدينية والدنيوية, يجب أن يكون مسلما, فلا تصح تولية كافر..وأن يكون ذكرا, لأن النساء ناقصات عقل ودين! نعم.. كل هذا كان صالحا للماضي, معمولا به عندنا وعند غيرنا, لأن المجتمعات كانت تقوم علي الدين, والدولة بالتالي, وكانت المرأة محرومة من التعليم والمشاركة في الحياة العامة.. أما الآن فصح النوم!.. لأن كل شيء تغير وتطور, ولأن الإنسان تحضر وتحرر, اليهود كانوا مضطهدين في أوروبا الكاثوليكية, لكنهم في أوروبا الحديثة يشاركون في النشاط العام ويرأسون الحكومات. والمسلمون, ومعظمهم مهاجرون, وأبناء مهاجرين وبنات مهاجرين, يرأسون البلديات ويتولون المناصب الوزارية.. راماياد المسلمة السنغالية الأصل كانت وزيرة لحقوق الإنسان في حكومة ساركوزي, ومثلها فضيلة عمارة الجزائرية الأصل, ورشيدة دالي المغربية كانت وزيرة العدل في حكومة فرنسا. إسلام هؤلاء لم يمنعهن من تولي هذه المناصب الرفيعة في فرنسا, وأنوثتهن لم تقف حائلا كذلك, لماذا إذن يقف اختلاف الدين حائلا دون المشاركة في النشاط العام وفي إدارة البلاد عندنا؟.. وهل يعلم هؤلاء السادة الرجعيون أن المسلمين أقلية دينية في الهند ذات الأغلبية الهندوسية؟ وهل يعلمون أن المسلمين الهنود رأسوا جمهورية الهند مرات عدة رغم أنهم أقلية, ليس بانقلاب عسكري, لكن بفضل تسامح الهنود وديمقراطيتهم.. ذاكر حسين في الستينيات, وفخر الدين علي أحمد في السبعينيات, وأبو بكر زين العابدين عبدالكلام في السنوات القليلة الماضية. لكن الإخوان المسلمين ومن لف لفهم في الداخل والخارج, وانخدع بشعاراتهم لا يعرفون التسامح ولا يؤمنون بالديمقراطية التي ارتفعت شعاراتها في ميدان التحرير, ثم عادت لتنكس في قنا.. ليست شعارات الديمقراطية هي وحدها التي نكست في قنا, بل نكست معها راية الدولة المدنية, وراية الوحدة الوطنية, وراية القانون, لأن البلطجية والمتاجرين بالدين, وفارضي الإتاوات, والباحثين عن دور, يقولون بالصوت الملآن: لا لوجود المسيحي.. ولا لوجود المرأة التي استطاعت أن ترأس ألمانيا كما فعلت السيدة ميركل, وأن ترأس إندونيسيا المسلمة كما فعلت ميجاواتي سوكارنو. وبعض الإخوان المسلمين والقريبين منهم يحبون أن يلعبوا دور المعتدلين أو الوسطيين, كما يفعل الشيخ القرضاوي الذي لا يستطيع إلا أن يتبني الموقف التقليدي ممن يسميهم الفقهاء المسلمون أهل الذمة, لكنه يضيف إلي هذا الموقف بعض الرتوش العصرية فيقول: إن المنطقي والطبيعي أن يكون رئيس مصر مسلما متدينا, لا علمانيا ولا مسيحيا, لأن أغلبية الشعب متدين. وفي هذا الكلام تناقض كثير, وفيه ما هو أسوأ من التناقض, لأن تناقضه لم يكن مجرد زلة لسان, وإنما هو تلفيق مقصود, وفتوي بإخضاع المرشحين لرئاسة الجمهورية إلي محكمة تفتيش تمتحن عقائدهم وتكشف عما في صدورهم! ولست أشك في أن الدين سيظل بالنسبة للمصريين قوة روحية تسهم في تشكيل وجدانهم والتأثير علي اختياراتهم, لكن الدين لا يصح أن يستخدم في هدم الكيان الوطني وفي التمييز بين المواطنين الذين تمثلهم الدولة مجتمعين. وإذا كان مفهوما أن ينساق المواطن الفرد لعواطفه, فيفضل من يشاركه العقيدة علي غيره, فليس مفهوما أن تنساق الدولة لهذه العواطف, لأن الدولة لا عواطف لها, وإنما للدولة عقل يتمثل في الدستور الذي يريد البعض أن يفرض عليه عواطفه الشخصية وينطقه بلسانه, ولا يميز بين شخصه وبين الدولة, لأن الدولة بالنسبة له هي السلطة قبل الأمة, ولأن السلطة بالنسبة له هي الحكم الشمولي الفردي. ولا بأس بعد هذا أن يسمي الشيخ القرضاوي دولته مدنية ويسمي نظامه ديمقراطيا, لأن الأسماء مطروحة في الطريق, يستطيع أن يستعملها أي عابر بحق, أو بدون حق! المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل