المحتوى الرئيسى

باسل رمسيس : يا أولاد الحلال .. حزب يقبلنا ويلمنا

04/26 19:48

عام ١٩٩١ أنتميت لتنظيم شيوعي سري، هو حزب الشعب الاشتراكي المصري. من حسن حظي أن يكون أحد قادتي المباشرين هو أحد الوجوه البارزة وشديدة الاحترام من جيل السبعينات. لم يزل نشطا علي المستوي السياسي حتي اليوم. لذلك لن أذكر أسمه، فأنا لا أثق مثله بأطروحة (يا أهلا بالديمقراطية) التي تتردد كثيرا الآن.بعد فترة قصيرة، يصبح قائدي المباشر هو الراحل يوسف دوريش، الفروق بيننا أكثر من ستين عاما. من المبهر أن تجلس أمام رمز تاريخي مثله، لتشاركه في كل الأمور، وإن كانت أقلها أهمية. يستمع إليك بصبر بالغ، حتي وإن كان بداخله حزن علي الحال الذي آلت إليه حركة ثورية منحها عمره كاملا. يتاح لي أن أكون علي اتصال تنظيمي مباشر بآخرين، علي نفس مستوي يوسف دوريش، وقد رحلوا أيضا، من بينهم نبيل الهلالي، القائد الشيوعي المعروف، وطه سعد عثمان، القيادة العمالية منذ الأربعينيات. لديهما ملامح شبيهة بيوسف درويش، ولا يفرضان ما يتصوران أنه صواب.عام ١٩٩٤ أبدأ الحوار، الجانبي، مع أحد عناصر تنظيم شيوعي آخر، هذه المرة حزب العمال الموحد. أقرر مغادرة حزب الشعب، متصورا أن هناك مشكلة أجيال بيني وبين الحزب، وإنها ستحل بانتمائي لحزب أكثر شبابا، علي مستوي العضوية. حجتي أمام يوسف دوريش أنني لا أنسجم مع هذه الحياة التنظيمية، وأنني أفضل الممارسة السياسية كمستقل.يستنزف يوسف درويش الكثير من الوقت في الحوار معي، حتي يثنيني عن قراري. للحوار صبغة أبوية بدرجة كبيرة، فهو أيضا أب لكثيرين. تكلف اللجنة القيادية للحزب نبيل الهلالي بنفس المهمة، الحوار معي حول هذا القرار وأسبابه. في بداية اجتماعي به أخبره بزيف حجة الاستقلالية، وبأنني قررت الارتباط بحزب العمال الموحد. رده مازال حاضرا: (كده مفيش داعي للمناقشة، الزملا بتوع حزب العمال دول رفاق، ومادام حتكون معاهم يبقي كويس. المهم أنك متبعدشي عن النضال في سياق جماعي).بداية ١٩٩٦ أستقيل من حزب العمال، أغادره بمرارة بالغة، وبخلافات سياسية وشخصية حادة. بالرغم من احترامي للكثيرين، وليس لجميع، الزملاء الذين كانوا أعضاءا به وأعرفهم. كثير من الممارسات تدفعني للمغادرة، إلا أن الخلافات لاتعني بأنني علي صواب بالكامل، وهم مخطئون بالكامل. إلا أن القناعة التي تترسخ ساعتها، هي أن نفس الوجوه التي فشلت كثيرا، غير قادرة علي صنع نجاحات جديدة.عندها يتوقف نشاطي السياسي، باستثناء بعض الكتابة القليلة، عمل الأفلام القليلة، وبعض التعليقات التي من الممكن أن تثير الأسئلة في أذهان المشاركين في ورش السينما التي أعطيها.هذه هي حالتي باختصار. أعلم إنها حالة المئات ممن يتم تسميتهم أحيانا “بمطاريد” الحركة اليسارية المصرية. بعضنا هاجر للخارج، بعضنا هاجر لمنزله، بعضنا هاجر إلي منطقة شركات ومنظمات حقوق الإنسان، والبعض القليل استمر. حتي أقبل يوم ٢٥ يناير، ليلتقي الكثير منا في ميدان التحرير، مع إحساس بأن التاريخ يمنحنا فرصة جديدة لتحقيق بعض أحلامنا سويا.المئات من المطاريد لم يكونوا بمفردهم هذه المرة، بل كانوا محاطين بمئات الآلاف، شباب جامعي وشباب عشوائيات، يعي أن هذا النظام عدو، لكنه لا يعلم الكثير عن بدائله، عمال لهم بعض الارتباطات النقابية، لكنهم ليسوا ممن يتم تسميتهم بالمسيسين. فئات كثيرة ومتنوعة من المواطنين شديدي الصلابة والوضوح في عدائها للنظام الذي أسقطت جزءا منه، فئات اعتقدت أنهم سيشكلون الجسم الأساسي للحركات السياسية المناضلة بعد ٢٥ يناير.لكن المطاريد، من أمثالي، كانوا أيضا محاطين بمئات من نفس جيلنا. أشخاص ذوي توجهات اجتماعية يسارية، أو تقدمية. لكنهم لم يشاركوا يوما في عمل سياسي مباشر. ظلوا دائما علي هامش التنظيمات والحركات السياسية، وربما كانوا يشككون في جدواها. في حالتي تحديدا كان أغلب من أشاركهم رصيف الميدان من الفنانين والسينمائيين.كان من المستحيل أن تتخيل أغلبهم كمشاركين، بهذا الإصرار والفاعلية، في عمل سياسي ونضالي بحجم ثورة يناير.يوم ١١ فبراير يهرب مبارك لمحمية شرم الشيخ، التي لم تعد “محمية” بسبب ضغط الجميع، ومن بينهم من ليسوا حكماء، ويسميهم البعض بالمتهورين. ليبدأ طوفان الأحزاب والمجموعات التقدمية الجديدة منذ اليوم التالي.يوم ١٢ فبراير، علي أحد المقاهي، يأتينا أحد النشطاء اليساريين، ليخبرنا باجتماع تأسيسي لأحد الأحزاب الجديدة. دون نقاشات كثيرة، كان من الواضح للجالسين، إنه لن ينتمي أي منا لأحد هذه الأحزاب، إن لم ينتم الآخرون أيضا. ليس بالمنطق العصبوي أو الشللي. إنما بمنطق أن الأحزاب الجديدة إن لم تكن قادرة علي ضم، وجذب، ولفت انتباه قطاع واسع من هذه الفئات الجديدة، التي ولدت والتقت في ثورة يناير، فلن تكون مجدية. وسوف تكرر نفس التجارب الفاشلة التي سبقت يناير.من هنا تأتي أهمية التساؤل، وأمنية أن يصل الرد: هل هناك من حزب قادر علي قبولنا؟ ليس بالضرورة كأعضاء به، إنما كأشخاص ومجموعات علي صلات قوية به، تناضل معه من أجل تحقيق تطور حقيقي علي المستوي السياسي والاجتماعي. هنا تبدو الدهشة من تعدد الأحزاب، حين تتابعها، فتلاحظ السمات التي تجمع وتفرق القياديين والفاعلين بها حتي الآن. وهو ما يجعل الكثيرين من المطاريد يشعرون بأنها ليست علي قطيعة حقيقية مع ما كان سائدا قبل يناير.القطيعة لا تعني عدم الاستفادة من الخبرات السابقة للجميع، إنما تعني أن يكون حزبا ديمقراطيا حقيقة، لا تحتكره نفس الوجوه، مفتوحا علي من ليسوا أعضاءا به، لكنهم قريبون منه. يتم بناؤه من القواعد. لا يتحكم به ذوو القدرة المالية وأصحاب المساهمة الأساسية في تمويله، ولا تتحكم به الأسماء التي تطلق عليها صفة التاريخية، أو العائلات والشلل.حزب ببرنامج محدد وواضح لمجمل مرحلة الانتقال الديمقراطي، إن أراد البعض تسميتها علي هذا النحو، أو ببرنامج للمراحل الجديدة من الثورة، بناءا علي تصورات البعض الآخر. دون أن يحدثنا هذا الحزب عن ديمقراطية مفرغة من المضامين الاجتماعية.حزب قادر علي الاستفادة من إمكانيات الجميع، خبراتهم، إبداعاتهم، وما يستطيعون تقديمه. لا يستخدم الفنانين والمشاهير كواجهة دعائية مثلما كان يفعل حزب التجمع مع يوسف شاهين أو فتحية العسال.لا يتضخم بهيئات قيادية، وتضم هيئاته التنسيقية هؤلاء الشباب، ذوي الصلابة والوضوح في العداء للنظام. ويكون قادرا علي إبداع أساليب جديدة في التواصل مع القطاعات الاجتماعية التي يستهدفها، بخطاب جديد، وأعتذر عن استخدام مصطلح “خطاب عصري”. حزب لا ينزعج من النقد، حتى لو كان علنيا، ويتنازل عن أوهام (الحوار داخل البيت).في الانتخابات المقبلة، سوف ينتخب ويدعم المطاريد، ومن شاركوهم الرصيف، مرشحي الأحزاب ذات الطابع التقدمي، التي بدأت في التكون. لكن هذا لا يكفي، ولا يضمن تحولا أو استمرارية. بعضنا يريد المزيد، وربما يكون هذا المزيد قدر من “التهور”، و”حكمة” أقل، من أجل التطلع لانتصارات جديدة. باسل رمسيس مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل