المحتوى الرئيسى

أحمد الدريني : هل كان أمن الدولة مجرد تنظيم إسلامي آخر؟

04/26 13:41

مكاتب ضباط أمن الدولة”المنحل” متشابهة لمدى بعيد، بل لها نفس الرائحة تقريبا. لنكن أكثر تحديدا، أتكلم هنا عن مكاتب الضباط المختصين بمتابعة النشاط الديني، وعن مكاتب مدراء المعتقلات من ضباط أمن الدولة (حيث احتككت كثيرا).دوما هناك مكتبة خلف مكتب الضابط، تضم كتب ابن تيمية وابن القيم ورشيد رضا وسيد قطب، وباقي السلسلة المعروفة، بالإضافة لكم مهول من شرائط الكاسيت والسيديهات ذات المحتوى الديني.لا تحتاج لجهد كبير حتى تدرك أن الضابط جمعها من منازل ضحاياه أو من زنازينهم، فضلا عن أنها تعبر عن مكتبات مجمعة، من أفراد ينتمون لتيارات إسلامية متباينة بل ربما متصارعة.احتككت كثيرا بضباط جهاز أمن الدولة “المنحل”، تارة بموجب عملي، وما استتبعته موضوعاتي الصحفية من صدام “خفي” مع هذا الجهاز، وتارة أخرى أثناء زياراتي الدورية لأبي في عدد من المعتقلات، وفي أحيان أقل عبر أصدقاء الأصدقاء الذين كانوا ضباطا في هذا الجهاز، وجمعتنا جلسات مشتركة في عديد من المناسبات الاجتماعية.كل لقاءاتي بهم كانت متوترة بطبيعة الحال، لكن ذلك لم يمنع فرصة إجراء حوارات مطولة مع كثيرين منهم، كنت أهاجم فيها الجهاز، ويدافعون هم، أنتقد عملهم، ويبررون هم.لكن أبرز ما لفتني في هذه النقاشات، أن عددا كبيرا من الضباط كانوا متدينين على نحو أو آخر..أو فلنقل : يحرصون على الصلاة، ويتحدثون كثيرا عن أحكام الشريعة، ودور ولي الأمر في حفظ الأمن ..ربما كانت محاولة داخلية للتكفير عن الذنب .كانوا يوفقون بين الكثير من الآراء الفقهية والوقائع التاريخية التي تبرر عملهم، بل كانوا يذهبون إلى نقد التيارات الإسلامية التي يلاحقونها، وفقا لقراءات فقهية مغايرة لما تعتقده هذه التيارات، لم يكن الأمر أمنيا بقدر ما كان دينيا، يعتقد فيه الضباط أنهم يذبون عن حياض الدين ويحرسون صحيح الشرع القويم!كانوا يرتدون “قلنسوة مالك” ويفندون الجماعات كما لو كان الضباط أبناء فصيل إسلامي آخر يتنافس مع هذه الفصائل على قلوب وعقول الجماهير، لا تخفى نبرة الغيرة في حديثهم، ولا تتوارى “فنيات” المآخذ التي يلاحظونها على هذه الجماعات.بل كان بعض الضباط ينشط في اتخاذ إجراءات خارج إطار القانون، وبصورة عرفية، كي يحفظ أمن منطقة أو بلدة بعينها (وفقا لوجهة نظره)، وحين أواجهه بمخالفته الصريحة للقانون وبإعماله لرأيه الشخصي، كان يعتبر أن تصرفه يندرج تحت لافتة “التعزير” التي يخول لولي الأمر أن يقاربها وفقا لرأيه الشخصي.ذكر لي أفراد من الجماعة الإسلامية أن اللواء المتوفى أحمد رأفت الذي كان مسئولا عن النشاط الديني، أصابه السأم من النقاش الدائر بين أمن الدولة من ناحية وقيادات وأبناء الجماعة الإسلامية من ناحية أخرى حول جواز “المراجعات” من عدمه، فما كان منه إلا أن نحى كبار مشايخ الجماعة من على منصة النقاش ثم قام خطيبا في المعتقلين وقال:شيوخكم تراجعوا وأقروا بالرأي الفقهي بجواز المراجعة..أنا الآن شيخكم ..وضباط أمن الدولة هم إخوانكم في الله..فلتقبلوا المراجعة!(ملحوظة: قال لي أحد ضباط أمن الدولة حين ناقشته عن اللواء أحمد رأفت صاحب الاسم الحركي “مصطفى رفعت” أن اللواء الأشهر حصل على دبلومة في الشريعة!).بل لم يكن تبني أمن الدولة لنفس مصطلحات ولغة التيارات الإسلامية أثناء نقدها، منطلقا من منصة (عمليات إدارة الحوار) مع “العناصر” الإسلامية بمقدار ما كان ينطوي على نوع من اليقين بها والتصديق فيها، بل وتبنيها أحيانا.سيكون من السخف بمكان أن نستنتج أن المتدينين من ضباط الجهاز كانوا أشبه بتنظيم إسلامي متجانس الآراء موحد الأهداف، منافس لباقي التيارات، لكن لغة الحوار وطبيعة الاستنتاجات والقناعات التي اتفق عليها عدد من الضباط، تستدعي وقفة حقيقية.برأيي الشخصي، كان الأمر نفسيا ولم يكن دينيا، فعلاقة السجان والسجين، والضحية والجلاد هي واحدة من أعقد العلاقات البشرية التي سعت نظريات كثيرة لاستيعابها، فتم انتاج تفسيرات من قبيل “توحد الضحية والجلاد” و”متلازمة ستوكهولم” …..لكن هذه النظريات_وفق ما تيسر لي الإطلاع عليه_ لم ترصد الاتجاه العكسي في العلاقة..وهي مدى تأثر الجلاد نفسه بالضحية، أو تمثله للضحية أفكارا ومصطلحات في وعيه الخاص!قال لي أحد الضباط في لحظة صراحة: لقد كان الضباط خائفون في قرارة أنفسهم ولا يعرفون مدى صحة ما يفعلونه، لذا كان كثيرين منهم يواظبون على الصلاة طلبا للأمان النفسي، ومحاولة للشعور أنهم في جانب الله !وأتذكر أنه أثناء أحد التحقيقات في جريمة تعذيب، قال الضابط المتهم أنه استشار شيخا في التعذيب فأجازه له بضوابط!أجدني مضطرا للعودة لعصر اضطهاد الأئمة الأوائل، وشعور جلاد الإمام أحمد بن حنبل بالذنب، وسؤاله الإمام أحمد _بصورة تقنية منبنية على محاولة استنباط حكم شرعي على نحو يستدعي الدهشة_ هل هو بتعذيبه الإمام، هل يعد من أعوان الظالمين؟فما كان من ابن حنبل إلا أن قال: بل أنت من الظالمين أنفسهم!مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل