المحتوى الرئيسى

محمد فوزى طه يكتب: عايزينك معانا شويه!

04/25 10:06

الأبواب موصودة فى وجهه كأنها قلاع ضخمه شيدت خصيصا له دون العالمين، يجول طول اليوم هنا وهناك ببنيانه الضعيف وملابسه المتواضعة، للبحث عن عمل فلا يجد ..فعندما يقدم نفسه لصاحب العمل ومعه الـ"cv" الخاص به والمتخم بالشهادات والدورات التى حصل عليها ونجح فيها بمايعزز فرصته .. لا يجد من صاحب العمل سوى الكلمة المعهودة: أوك..هانشوف ونتصل بك ..شرفت ..أو إشارة من طرف السبابة بالرفض بمجرد النظر إلى ما يرتديه من ملبس .. كل يوم وهو فى هذا البؤس وقلة الحيلة ..شارد ساخط على الحياة وعلى الناس والبلد .. سيارة حديثه تمضى سريعا بجانبه تكاد تطيح به وسط ضحكات من بها ..اقترب من كوبرى الجامعة متأملا صفحة النهر الذى لايزال يجرى عازما على إلقاء نفسه والموت غرقا ..تذكر الله فأستغفر وأناب تذكر أمه المريضة والتى هى فى احتياجه بجانبها فتأسف لها بصوت خافت علها تسمعه..وتذكر حبيبته المنتظرة والتى تعطيه من الحب والأمل ما يجعله متيقنا أنه سيصبح صاحب شركة لا موظف عادى فابتسم .. من أين يولد وينبثق الفجر يا بنى أليس من الليل الحالك؟ نعم يا مولانا ..فكيف إذن أيها الجامعى المتعلم تحدثك نفسك على الانتحار؟ لقد استغفرت يا مولانا ..ادعُ لى فأنا فى أشد الحاجة إلى الدعاء .. ربت الشيخ عليه بحنو وقال: ادعُ لى وأدعُ لك ..إنه شيخه منذ الصغر هو من علمه أول حرف وحفظ منه أول سورة ولم ينساه أبدا، وعندما يضيق بكل شئ يذهب إليه فترتاح نفسه الصاخبة وتهدأ؛ لكن لماذا يشعر بأن شيخه هذه المرة دب الوهن فيه وتملك؟ فى مساء اليوم، التالى، كان الطرق الشديد على باب مسكنه فتح وجد من يجذبه "عايزينك معانا شويه..انتم مين؟..مش عارف يابن ال .. يلا ..أنا عملت إيه"؟..جذبوه بقوة وسط دهشة جيرانه وصرخات أمه القعيدة من الداخل ..وبسرعة أدخلوه إلى السيارة المنتظرة لتسرع به.. استقبل بحفاوة جعلت الدماء تسيل بهدوء من فمه ..فالضربات واللكمات محمكة بأيد خبيرة ذواقة تختار الموضع .. بالطبع كان معصوب العينين غير قادر حتى على الصراخ إلى أن دب فى أوصال جسده الضعيف تيار كهربائى زلزله فتعالت صرخاته وسط سكون الغرفة والتى لا يدرى إن كانت غرفة من المبنى الذى دخله عندما كان واعيا أم تلك هى غرفة فى جهنم وتهمته هى النية على الانتحار! لا ليست تلك عقوبة الله، فالله رحيم ودود غافر لا يحاسب على عمل تراجع عنه المرء ولم يفعله ..إنه ليس فى جهنم .. إنه فى أمن الدولة !..ماله ومال أمن الدولة ؟! لماذا أتوا به ؟ فى حياته كلها لم يشترك فى مظاهرة ولم يكن فى أى جماعة، ولا يعرف الأحزاب ولا يفهم فى السياسة وغاب عن الوعى تماما إلى أن أفاق على زخات من الماء على وجهه وصوت وقور هادئ يسأله عن مكان ابن الشيخ الهارب أين مكانه ..اندهش أى شيخ وأى ابن؟رد عليه بنبرة أقوى ابن شيخك فلان، ألم تكن عنده أمس ناقلا رسالة من ابنه المتهم فى الاشتراك لقلب نظام الحكم قل لنا مكانه ومن معه قول يابطل هو فين واللى معاه.. نفى تماما معرفته بابن الشيخ لا يعرفه فعلا، لم يره قط، فقط يعرف شيخه يذهب إليه على فترات متباعدة أقسم له بالله وبكتابه أنه صادق ..إنه يقول الحقيقة فلم يصدقه بل صفعه بقوة ناهرا إياه لاعنا أمه وأبيه وعائلته ونادى فأخرجوه ليقذفوا به فى زنزانة رطبة ودمائه ساخنة تسرى ومن الوجع لا يقوى على الحركة أوالنوم، ومضت الأيام وهو لا يشعر بنهار أو مساء إلى أن دبت فى الطرقة المؤدية لزنزانته أقدام مسرعة ليخرجوه بسرعة قائلين له: (هانفرج عنك بس حسك عينك تنطق بحرف ..يلا اتفضل امشى)، خرج وهو مهشم بالكاد يرى المكان فعيناه لم تعتاد ضوء النهار لكن ما بال تلك الحشود؟ يرفعون العلم يرددون أغانى النصر أفاز المنتخب؟! لكن الغريب أنه قرأ لافتات بمحاكمه الرئيس وابنه والوزراء .. الله.. أكل ذلك من أجله؟! سار معهم متغلبا على الألم والجوع مرددا هتافات القصاص من القتلة واللصوص.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل