المحتوى الرئيسى

من كتاب كليلة ودمنة : حكاية سقطت من المتن بقلم:فاطمة الخليل

04/24 22:10

من كتاب كليلة ودمنة : حكاية سقطت من المتن لكننا أسود يا أماه حنظلة الأبابيل المهاجر كانت الحياة تسير بوتيرة معتادة , حين دخل الباحث الكبير إلى مختبره , كي يطمئن على جرذانه الجميلة البيضاء , كان هناك مئة فأر في أقفاص متجاورة لا يفصلها غير زجاج النوافذ , الذي كان يعكس أشعة الشمس والمناظر الجميلة . كان كل فأر يريد أن يعرف حقيقة ما هو عليه , يصعد إلى المرآة العملاقة على السطح ويقف أمامها لساعات , ويهبط بعدها إلى قفصه وهو يهلل : أنني فأر .. أنني فأر . وكان الباحث العظيم يدخل مختالاً بين جرذانه الجميلة , وهو يستمع أكثر ما يستمع أن يلهو قليلاً مع جرذ صغير ولد حديثاً , حيث كان يقوم على تجارب عقاقيره تباعاً في جسده الهزيل الجميل ذو الزغب الناعم , إلى أن كبر الجرذ قليلاً , وصعد إلى المرآة كي يتعرف إلى نفسه وأمضى يوماً كاملاً أمام تلكم المرآة . قلقت الأم أشد ما يكون القلق على طفلها , أن يكون أحد الهررة المشردين قد ألتهمه , لكنه عاد في اليوم التالي سعيداً وهو يهلل : لكنني أسد يا أماه .. أسد . انتفض الحزن في أعماق الأم , وأدركت أن طفلها قد أصيب بلوثة جنون عابر بسبب تلك العقاقير . وظل ذاك الجرذ الصغير يصرخ بكل جرذ يمر به : لكننا أسود أيها الحمقى أفلا تفقهون ؟؟؟!!! لم يعرف الباحث كيف يتلافى هذه الطفرة , وأشد ما كان يخشاه أن تنتقل تلك العدوى إلى سائر الجرذان , وما كان منه ألا أن سجن الصغير في زنزانة ضيقة فيها تلفاز ومذياع وقنوات إعلامية , تردد ليل نهار بصوت الأم الحاني : لكنك ستبقى فأراً يا حبيبي وإلى أمد بعيد , فعد إلى صوابك وصدر أمك الحاني . هكذا مرت عليه الأيام والفأر يسمع الأهزوجة نفسها , أنشودة راح يتجاهلها في ساعاته الأولى , ثم لم يلبث أن حطم كل هذه القنوات الإعلامية وهو يصرخ متهكماً : لكنني أسد يا أماه وسأبقى .. وهذا سيظل خياري . بعد عدة شهور سرت بلبلة في المختبر , وكادت جدرانه تتحطم أمام زمجرة قوية ورهيبة خرجت من قاعاته . دخل الباحث يريد أن يختال بين جرذانه الوديعة المسالمة , لكن ويا للهول .. لقد شاهد المرآة قد تحطمت , وخرجت منها عشرات الأسود وهي تصرخ وتهاجم الباحث العظيم .. وإلى هنا لم يسعف أبن المقفع إلا أن يغلق الكتاب كي لا تدمى قلوب الأطفال بذاك المشهد المروع ولا الأمهات الحانيات , لكن البعض راح يسهب بما حدث ويفند سبب ثورة الجرذان هذه , وقد خرج فريق عالمي أطلع عما حدث بهذه الحقائق والتوقعات : يبدو أن الباحث قد أخلطت عليه الأمور , وتلاعب بجنيات هذه الجرذان لتلد أسوداً فيما بعد , ولم يجد فريق آخر حرجاً بأن يقول : أنه ثمة باحث آخر أخذه الحسد مما وصل إليه هذا الباحث العظيم , فأراد أن ينتقم منه , فخطف جرذانه المسالمة ووضع أسوداً بدلاً منها . لكن الحكاية الأغرب ساقها ذاك الشبل الصغير بعد وقت من خروجه من السجن قائلاً : نحن قبيلة أسود أراد الباحث أن يتلاعب بمصيرنا فأدخلنا إلى مختبره , وصنع مرآة لا نرى فيها إلا صورة الجرذ , فظن كل أسد فينا أننا بالفعل ما نحن غير جرذان وحسب , حين حطمنا المرآة أدركنا من نحن حقيقة . وحين سؤل : وكيف عرفت منذ البداية أنك أسداً ولست جرذاً ؟؟؟!!! أبتسم ببراءة وسخرية كبيرة من الجموع حوله : أولاً لأنني لم أنظر للمرآة أبداً , وثانياً ذاك أنه لازال خياري أن أولد أسداً . وبعد كل هذا لا يسعفنا ألا أن نقول لكم : إن أردتم أن تتعرفوا إلى أنفسكم حقيقة فانظروا إلى أعماقكم , وبعدها حطموا المرآة وسوف يكون خياركم . لا هذه ليست من عندي ولا من عند أبن المقفع , لكنها من مذكرات ذلك الشبل الحالم , الذي لازال في جسد الجرذ وإلى اليوم . كتائب الفتح المبين

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل