المحتوى الرئيسى

تأملات ساخرة "22" : لأن مورينيو لا يُعجِبُني ولأن ميسي لا يُعجِبُني

04/24 15:33

ظل يحاربه لمدى العمر..ظل يحقد على موهبته.. وكان يبغضه مثلما لم يبغض انسان آخر، وهو يراه شخص فاسد وغير سوي وغير متزن ولديه موهبة لا يستحقها لذلك بالتأكيد فهو لا يستحق تلك المكانة التي وضع فيها.كانت هذه نظرة الموسيقار الإيطالي أنتونيو سالييري للموسيقار النمساوي الشهير فولفانج موتزارت.. وقد تآمر سالييري على موتزارت لكي يتسبب في قتله ورغم أنه أبعده عن قصر الملك لكن سنحت له الفرصة ليجتمع معه وحيداً بغرفة موتزارات والأخير على فراش الموت..موتزارت على فراش الموت بلا زوجة أو صديق.. لكن بحضور العدو!وهاهو العدو فجأة يعيش في عالم موتزارت -ابن سالزبورج- الضيق لساعات..وهو يسمع فيها النوتات الموسيقية الأخيرة التي كتبها فولفانج المبدع..اهتاج وانفعل سالييري لروعة ما سمع.. لم يسمع أو يرى إبداعاً بهذه القيمة من قبل..إنها موسيقى صعدت بسالييري لألف سماء وانقشعت قسمات وجهه الحادة ليتحول لوجه طفل حالم وزالت عنه كل تعابير الضغينة. مات موتزارت على خلفية الصراع بين المدارس الموسيقية النمساوية -الألمانية وبين نظيرتها الإيطالية..وظل سالييري يأنب نفسه على أنه حاربه ..طيلة العمر حتى أصبح هرماً وكان يقول دوماً مقولته الشهيره: فولفانج فلتسامح قاتلك!..وهناك من قال أنه قام بتسميمه وهى رواية ضعيفة لكنه في الأخير اعترف بأنه أعظم موسيقي رغم العداء الشديد لشخصه.. عندما حاول سالييري الانتحار ودخل القس ليثنيه عن الفكرة.. عندما ذكر سالييري مقطوعة له -بفمه- لم يعرفها القس وعندما عزف مقطوعة أخرى بفمه قال القس: نعم نعم..أوه أعرفها هذه!.. لقد كانت مقطوعة لموتزارات الذي مات وترك إرثاً أبدياً يتذكره الناس بينما لم يتذكر أحد أعمال هذا الإيطالي المفتون بموسيقى موتزارات والحاقد عليه .شاهدته في أول مباراة لعب فيها بشكل رسمي مع فريق برشلونة أمام جاره إسبانيول..كان مراهق نزل في الأوقات الأخيرة من المباراة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ليحصل على فرصة ربما لا تتكرر ..إنه يلعب أخيراً على ملعب الكامب نو وسط عشرت الألوف من الجماهير الثائرة مع صيحات التشجيع القادمة من حناجرهم الملتهبة.. يستلم الكرة من أهم لاعب بالعالم وهو البرازيلي رونالدينيو ويسلمها للاعب الشهير الوسيم الأكثر شعبية في إسبانيا تشافي هيرنانديز، إنه لا يصدق أنه يلعب بجوار تلك الأسماء ويجري على عشب الكامب النو- أحد براعم أكاديمية نيو أولد بويز الذي عرض نفسه في إيطاليا على نادي كومو بالدرجة الثانية ورفضه النادي الإيطالي المغمور لقصر نموه. وبعد 5 سنوات أو أقل.. أصبح ليونيل أندريس ميسي هو اللاعب الأعظم والخارق والمدهش.. من يتخطى مدافعين وثلاث وأربعة في ظرف ثواني معدودة وربما أنصاف الثواني برشاقته المبهرة للعين.. وجلس صاحب الرقم 10 الذي كان بجواره في أول مباراة رسمية للمراهق على شواطيء الريو دي جانيرو يتناول الآيس كريم ويرقص الراب وتتناساه عدسات المصورين.والآخر كان شاب مجتهد..مزهواً بنفسه لديه خيلاء كبيرة وثقة بالنفس وهو يعمل كمترجم وهوايته هى التعرف على الجديد من اللهجات  وربما قراءة كتب بعلم النفس بين الفينة والأخرى.احتفل يوماً وسط فريق برشلونة الذي فاز بأحد البطولات وكان مجهولاً وسط الجمع والأسماء البراقة..لم يكن أحد يعرفه ولكنه منذ القديم وهو يحب الظهور فيفكر مراراً قبل أن يختطف الميكروفون ويخاطف الجمهور الكاتالوني. إنه نفسه - جوزيه ماريو دوس سانتوس فيليكس - مورينيو من أصبح بعد سنوات طوال العدو الأول لجماهير كاتالونيا.. وأصبح مدرب الألقاب الذي يحرزها أينما ذهب وأرتحل.. وتهتف الجماهير باسمه في كل نادي يعمل به.. بينما المدرب الإنجليزي بوبي روبسون الذي كان يعمل له مترجماً يجلس في البيت يلعب الشطرنج مع جاره.إن هذا التحول في مسيرة هذين الاسمين هو تحول عادي ويمر به كل شخص..فالتدرج المرحلي هو طبيعة الأشياء وموازين الحياة ولكن الشيء الغريب هو أن هناك فئة عريضة وقطاع لا يستهان به لا يقدر ولا يعتقد أن هذين الشخصين ناجحين.. والحرية تكفل لهم ذلك لكن لأسباب وتشخصيات مُقنعة!.فعندما يحقق الولد الأرجنتيني هذا الشيء الكثير وينثر ابداعاته تتصدى جماهير الفريق الأبيض بكل قوة لهذا المديح بقولها أنه يلعب في فريق متكامل وأنه لولا الإسباني تشافي والآخر انييستا وكتيبة العمل بالنادي لما كان شيئاً.. و أما مورينيو فمهما حصد من ألقاب أو مر من محطات ومطبات عصيبة كان الرد من قبل الجماهير الكاتالونية بأنه مجرد شخص مجظوظ وينجح فقط لأنه يشتري اللاعبين ويتسوق كما يحلو له.. ومهما يكن من شيء فهو لا يحول الرمل لذهب. ولن أدافع عن أي من الاثنين لأني أعرف أن وراء كل واحد فيهما جيش من الأنصار والمريدين..ولا أبحث عن الإنصاف لكني أتخيل فقط لو كان ميسي لاعباً بمدريد ولو كان مورينيو قد حقق الثلاثية مع برشلونة.. سنجد نفس الهجوم ولكن بالاتجاه المعاكس.. وفي الأخير لن أجد ما أكتبه أو أستطيع تفسيره لتحليل هذه الظاهرة التي كثيراً ما شدتني خاصة في الخصومة الكبيرة بين جماهيري الناديين العملاقين وأنا أسأل نفسي .. هل أنا من لا يعجبني مورينيو ولا يعجبني ميسي لذلك أتخيل هذا الافتراض القاتم وأن هناك من يعترف بمزية الآخر حتى لو كان عدوه.. أم أنها الحقيقة فعلاً؟!؟.أو أنني كما قال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: لا شيء يعجبني!وأخيراً أختتم ببعض الكلمات الاحتجاجية التي قالها أنتونيو سالييري معترضاً على الموهبة الكبيرة التي أعطاها الرب لموتزارت - هذا الطفل الأرعن- وأنها ستدمر كل شيء..حتى أساسيات الموسيقى!.. أيتها السماء! أين العدل: عندما تُمنح الموهبة المقدسة، والعبقرية الخالدة، لا كمكافأة على الحب المتوقد ونكران الذات والكدّ الشاق، والمثابرة، والصلاة بل لتُنير رأس مجنون ومتبطل عابث؟.. آه.. موزارت، موزارت!ستغفو طويلاً يا موزارت! أحقاً أنني لست عبقرياً، وأن العبقرية والشر ضدان لا يجتمعان؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل