المحتوى الرئيسى

الطير المهاجر بقلم:ميسون كحيل

04/23 19:43

الطير المهاجر في غمرة السعادة التي كان يشعر بها سعيد لعودته لأرض الوطن سالما ، سمعَ كلماتٍ لم يعرها أي اهتمام في باديء الأمر! إلا أنها تكررت وبأشكال مختلفة ومن أشخاص مختلفين: لماذا عدت إلى هنا ؟! كيف استطعت ترك الجنة تلك ؟! ما الذي يعجبك في هذا الفقر وهذه الوجوه العابسة التي " تقطع الخميرة من البيت"؟! كان المضمون واحداً رغم اختلاف الكلمات: الاشمئزاز من الوطن والرغبة الجامحة في الرحيل عنه !! ..   شكلت تلك الكلمات صدمة سعيد الشاب الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره ، إذ كيف يتم الحديث بهذا الشكل المشين عن الوطن الذي كان يتمنى في غربته ، لو شم عبق ترابه  في شوارع مدينته العتيقة !! فلقد اشتاق لعبق الياسمين في تلك الأزقة الضيقة ،  في الحواري التي أكل الدهر عليها وشرب! شدّه الحنين في الغربة ولم يستطع كبح جماح شوقه ،  فعاد متلهفا لقضاء بضعة أيام  في مدينته ، في حارته وملعب طفولته ، حيث سرح ومرح طفلاً صغيراً ،  وغادرها في مطلع شبابه ،  منطلقاً ومتشوقاً للحرية ، في رحلة لجوء أجبرت عليها عائلته ، أيقن بعدها أن الوطن هو الأم ، هو الأجمل ، وهو الصدر الحنون ، وأن لا شيء في الدنيا يضاهي تلك الأيام التي قضاها في سنين عمره الأولى ، رغم ما شابها من فقر ٍ وحرمان ..عرفت عائلته طريق البداية وما زالت إلى يومنا هذا لا تعرف متى تكون نهاية اللجوء .. الرغبة في الهجرة والرحيل عن الوطن لا تقتصر على  فئات من شعب معين أو بلد معين .. فذاك هو طموح وأمنية الكثيرين من الراغبين في الهجرة إلى عيشٍ يعتقدون أنه سيكون ناعما ومريحاً ،  في بلاد لا يعرفون فيها أحدا ، وإنما يدفعهم إليها فقط الفقر والظلم  اللذان لم يبرحا حياتهم منذ رأت إبصارهم نور الحياة! القهر ، الفقر ، الاضطهاد ، الظلم و البطالة... أهم أسباب ودوافع الهجرة التي باتت مطمحاً  لفئات عديدة من شرائح المجتمع من متعلمين وغير متعلمين على السواء..   وعادة ما تكون رحلة الهجرة نحو الفردوس الموعود محفوفة بالمخاطر ، وكثيرا ما تؤدي إلى هلاك المهاجرين قبل الوصول إلى مبتغاهم .. تلك الرحلة التي يضع فيها الراغب في الهجرة كل آماله ، قد تنتهي بمأساة ربما تفقده حياته أو حياة احد رفاق المغامرة. وهذا بحد ذاته  ينبىء بحجم اليأس الذي يسيطر على كثير من الناس وحجم الوهم الذي يسكنهم. إن حالف الحظ المهاجر ، واستطاع الوصول إلى جنته الموعودة ، فقد لا يجد سوى المعاملة السيئة والاعتقال في مخيمات مغلقة يستحيل الخروج منها بسهولة .. ولا يميز الموت بين أحد ممن حاول اجتياز حدود دولة إلى أخرى فلا أهمية للون ولا للدين أو العرق !  فالرصاص بانتظار كل من تلتقطه عين قناص متربص على برج المراقبة  في دولة ما .. كذلك لا تميز أمواج  المحيط والبحر بين هذا وذاك بل وزد على هذا وذاك ، المركب نفسه الذي يقل المهاجرين، من حيث السعة ، ومن حيث القدرة على احتمال تلك الأعداد الهائلة من البشر تكون في الغالب حمولة تزيد عن المسموح به ،  فتنقلب بهم فجأة ليكونوا لحماً طرياً شهياً  لأسماك القرش .. وحيتان البحر!!  تضج وسائل الإعلام المختلفة مع كل حادث مأساوي لضحايا الهجرة لدول الشمال الغني المترف ، وتثير الموضوع كزوبعة لا تلبث أن تهدأ وتستكين بعد أن تنطفئ جذوة الحزن برهة من الزمن ، لتعود مجددا مع حادث مأساوي آخر جديد في بقعة ما من بقع الدنيا الواسعة .. إن أمعنا النظر ، وحاولنا إيجاد حل لهذه المشكلة ولو بشكل جزئي ، سوف نجد الصد والرد السلبي من الجهات المسؤولة والحكومات ، التي لا هم لها سوى استتباب الأمن والهدوء ، خدمةً لصاحب الكرسي والصولجان .. في الوقت الذي تقوم فيه دولة الاحتلال الاسرائيلي  بمحاولات عديدة لاستعادة العقول المهاجرة ورصد المبالغ الطائلة لذلك ، نجد العكس تماما عند العرب!  وحسب صحيفة "يديعوت احرونوت" قامت الدوائر الاسرائيلية في خطوة نوعية ومتطورة في حرب استعادة العقول المهاجرة: دشنت الدولة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية قاعدة معلومات تتضمن أسماء واختصاصات وأماكن تواجد 4500 من العلماء والأكاديميين الإسرائيليين المنتشرين في دول العالم ، بهدف الإتصال بكل واحد منهم وتقديم العروض المغرية له من حيث الأموال والمناصب العملية كي يعود ليعمل في دولة الكيان الإسرائيلي ويخدم مراكزها العلمية. أما مهمة الجهات الحكومية العربية - كما تبدو لنا ، دون ذكر أمثلتها الكثيرة جداً - فهي "التطفيش" لتفريغ البلاد من العقول التي بإمكانها انتشال المجتمعات العربية  من وحل الجهل والفقر والظلام الذي تفضله تلك الأنظمة خدمة لأهوائها ومصالحها. يشعرالإنسان العربي بالحسرة حين يسمع عن النوابغ العرب الذين يحتضنهم العالم الأول موفراً لهم كل ما يلزمهم لإجراء أبحاثهم وإنجاز أفكارهم التي تصب في خدمة المجتمع والإنسانية ، بينما تغلق جميع الأبواب في وجوههم في بلادهم العربية!.. فكم من عالمٍ عربيٍ أثبت جدارته وقدم للبشرية اختراعات وطور العلوم القائمة في بلاد الغرب ، التي كان يرفض مغادرة وطنه إليها ، ثم وجد نفسه مرغما على ذلك بدلا من الموت البطيء قهراً بسبب سخافة حاسد أو حقد حاقد لا ينظر إلى أبعد من قدميه. سعيد وكأي طيرٍ مهاجرٍ عاد إلى عشه الذي أحب وكانت إجابته دائما قاطعة وواضحة على من أنّبه لعودته : "بلادي وان جارت علي عزيزة ، وأهلي وإن ضنوا علي كرام ".. لا كرامة لإنسان إلا في وطنه .. فمتى يعلم شبابنا العربي أن هذه الشمس التي تلفح جباههم السمراء ما هي إلا ضوء يرشدهم إلى الطريق الصحيح ، إلى المستقبل المشرق ، وأنهم كي يصلوا لمبتغاهم في تجديد مجد أمتهم ، لا بد لهم من العمل الجاد, حتى لو نحتوا الصخر وقهروا المستحيل.. فهذه الأرض لنا ، لا يوجد لها غيرنا ولا يوجد لنا غيرها  .. ايلول 2010

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل