المحتوى الرئيسى

الحراك الشعبي العربي والبحث عن التغيير بقلم:راسم المقيد

04/23 17:12

القراءة المتأنية لما يحدث على الساحة العربية من محاولات التغيير ، تقود إلى ضرورة العودة لمتابعة الأحداث في بعدها أو سياقها التاريخي في ظل محاولات بناء الدولة الحديثة منذ منتصف القرن الماضي ما بعده . اخترقت تيارات الردة في تلك الفترة ، مسارات الحياة السياسية الاجتماعية في الوطن العربي ، وكان لابد من طمس الحياة السياسية وتفتيت الحراك الشعبي . بدأت تلك المرحلة بالحرب المدمرة للقضاء على الثورة الفلسطينية في الأردن عام 1970 ، ووفاة الرئيس عبد الناصر وانتهاء مرحلة النهوض كحالة وطنية وتولي الرئيس السادات مقاليد الحكم ، تلا ذلك انقلاب حافظ الأسد في سوريا والذي عرف في الأدبيات العربية بانقلاب الردة ، عندها بدا أن المنطقة العربية تسير نحو الدخول تحت مظلة الهيمنة الأمريكية . كانت حرب 1973 ذروة مجهودات أنظمة الردة لترميم شرعيتها والبدء ببناء شرعية سياسية قائمة على ما اصطلح بتسميته نصر أكتوبر أو حرب تشرين التحريرية. لقد تم إبراز العمل العسكري البارع الذي تم انجازه بتضحيات ودماء وجنود أبناء الشعب العاديين ، وكأنه نتاج عبقرية القيادة في الإعداد والتخطيط والتنفيذ ، واستقوت تلك النظم على شعوبها بهذا الإنجاز ، فعملت على احتكار كافة مصادر القوة في المجتمع ،المصادر المادية " الاقتصادية ، أدوات الضبط السياسي ، مؤسسات الدولة " ، والمصادر القيمية " الدين والوطنية والرؤية الاجتماعية " صاحب هذه المرحلة تضخم الثروات النفطية وانخفاض حدة التوتر داخل النظام الرسمي العربي ، مما سمح بتدفق موجات ضخمة من العمالة المهاجرة ، والتي أدت إلى تشوهات اجتماعية من خلال البحث عن الخلاص الفردي و تشويه في الفكر وغياب الإجماع الوطني أو الطبقي ،والذي انعكس بدوره على المزيد من تغييب العمل السياسي أو محاصرته مما ساهم في إطالة عمر تلك النظم. تناسخت تلك النظم بطريقة مخيفة فعلي عبد الله صالح تولى السلطة بعد اغتيال اثنين من رؤساء الجمهورية ،هما إبراهيم الحمدي ومحمد حسين الغاشمي، واستفرد صدام بالسلطة في العراق بعد سلسلة من التصفيات الداخلية ، وتولى مبارك السلطة شكليا بعد اغتيال الرئيس السادات نيابة عن القوى الطبقية الطفيلية التي نمت في عهده وسار الأمر كذلك في الجزائر بعد سلسة طويلة من الاضطرابات النظام الذي كان يبدو شاذا في تلك المرحلة هو نظام معمر القذافي في ليبيا الذي اختلق وعايش الضجيج الثوري لكن سرعان ما تناقلت الأخبار عن كشف المخابرات المركزية الأمريكية للعقيد القذافي عن محاولة انقلابية شيوعية ضده وذلك في منتصف السبعينيات ، أما النظم في كل من العراق و الجزائر فقد كانتا مشغولتين بقضاياها الداخلية الحادة ، كالمشكلة الكردية في العراق ومشكلة بناء الدولة والمجتمع في الجزائر ، واكتملت حالة الردة بالصمت العربي على المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية ضد الثورة الفلسطينية والتي تمثلت بغزو لبنان سنة 1982 ومحاولة القضاء على الثورة الفلسطينية بدأت نظم المرحلة السياسية الجديدة بالمزيد من التركيز على احتكار أدوات السلطة وتطويرها ، واستحدث هياكل تنظيمية جديدة لاستيعاب المشاركة السياسية ، ولتحديد توجهات وهوية المجتمع وتقديم إصلاحات اقتصادية واجتماعية ، جاءت كرشاوى على حساب الحريات السياسية ، أو بمعنى آخر تحول النظام السياسي إلى عائل للمجتمع من النواحي المالية والوظيفية . إن غياب أو ضعف القدرة الاستيعابية أو عجز قنواتها عن استيعاب القوى السياسية الصاعدة ، دفع بتلك النظم إما إلى الاستبعاد الكلي لتلك القوى ، عن طريق حظر كافة الأنشطة السياسية خارج الأطر الرسمية والقيام بإغلاق كافة منافذ التعبير عن الرأي وأوكلت تلك المهمة لملاحقة الأجهزة الأمنية ، أو أن تقوم بتغييب الحياة السياسية تماما ، برفع شعارات كلية أو عناوين فوقية تدمج بين النظام السياسي والمجتمع ، وتجعل النظام السياسي ممثلا للمجتمع أو بديلا عنه ، أو أن تلجأ إلى الاستيعاب الشكلي للقوى السياسية بفتح مجالات أمامها للمشاركة من داخل النظام السياسي ، الذي يحدد لها أدوارها في مجالات نقابية أو ثقافية أو خيرية ، وقد يسمح لها بتكوين أحزاب بقيود مشددة ، ويعتبر ذلك منحة سياسية يستطيع الانقلاب عليها متى تعارضت مع توجهاته أو أوفت بأغراض نشأتها ، إن كل تلك المحاولات لم تؤد إلاّ إلى تأجيل انفجار أزمات المجتمع مرحليا. فالاستقرار السياسي القائم على القمع والمصادرة ، ومؤسسات الدولة التي تكتفي بالموافقة أو تقديم المشورة دون المشاركة في عملية صنع القرار ، أو توجيه المجتمع إلى الاهتمامات الهامشية ،أو حتى الأزمات التي يحاول النظام السياسي افتعالها داخليا وخارجيا كل تلك المحاولات كانت تحاول تأجيل الإجابة عن الأسئلة الرئيسية والجوهرية التي تواجه المجتمع . عانت الشعوب العربية ونظمها السياسية من تفاعلات سياسية اجتماعية قاهرة ، ولم تستطع النظم الجديدة بناء شرعية لها ولا خلق رموز للاستقطاب والاعتزاز ، فعاش المجتمع شبه مفرغ من قيمه الحياتية ، وانصبت الجهود على الجري وراء الكسب المادي المتعاظم حتى جاء الانفجار الثوري العظيم . ببساطة كانت الغضبة في تونس ألما وغضبا للحالة الاجتماعية المتدنية للجماعات التي تعيش على هامش المجتمع ، والتي تمثلت في حالة – محمد بوعزيزي الذي أحرق نقسه – غصّة وانتقاما لحالة لمجتمع ضاق بأمثاله ، حالة الهياج الشعبي والتي التقطتها القوى السياسية التونسية عبرت بكل غضب عن سنوات الصمت الطويلة والتي فتحت الباب أمام الشعوب العربية الأخرى لتعبر عن غضبها وصرخاتها . هنا طرحت تساؤلات كثيرة لعل أخطرها الأسئلة التي تتخفى خلفها نظرية المؤامرة ،مثلا لماذا هذا الصمت الطويل ثم الانفجار في هذه المرحلة ، وما تلا ذلك من تشكيك في النوايا والأهداف . لعل النقد الذي قد يوجه إلى معظم تلك الأسئلة وإجاباتها هو ، أنها حاولت إسقاط ما في العقل على الواقع ،وليس قراءة الواقع بكل مكوناته ، كما أنها حاكمت الحراك الشعبي الحالي على أساس شرعيات الماضي ، أدواته وشعاراته وأنماطه ، متجاهلة التغييرات الجوهرية للثقافات والخبرات العملية والعلمية ، و تعاقب الأجيال على الساحة المحلية والإقليمية والدولية . وقبل الدخول في مناقشة الخيارات القاسية التي تواجه الحراك الشعبي الحالي ، لابد من بعض الملاحظات : 1- إن المد الثوري الرسمي والشعبي في الفكر والممارسة ، في مرحلة محاولة بناء الدولة العربية الحديثة لم يتمكن من التصدي لتيارات الردة التي تسلسلت إلى أدق تفاصيل حياة المواطن العادي ، مما تسبب في تسارع كارثي لنسق التدمير الذي اجتاح ثوابت وعواطف وأحاسيس الشعوب العربية 2- إن الأرض التي التقت عليها قوى الثورة هي ذاتها كانت ولا تزال ساحة الاختلاف وأحيانا الصراع بكل الأشكال ، والتي أهمها تغليب القطري على القومي وهو التجسيد المقنع للاختلاف . 3- البيئة الحاضنة للتغيير ، فكل بيئة مجتمعية ونظامها السياسي تختلف عن مثيلاتها الأخرى في أي مكان آخر ، ففي تونس الثقافة اللبرالية الممتزجة بروح المجتمعات الغربية في معظمها أدت إلى سيادة روح التسامح وعدم الميل للعنف الداخلي ، ونظام سياسي منفصل عن المجتمع وبعيد عن مؤسسات الدولة ، ولذا كان من السهل اقتلاعه ، هذا مع ملاحظة أن تونس ليست دولة مركزية ولا توجد أخطار تقف على الأبواب ، أما في مصر فإن وظيفة الدولة و طبيعة السلطة تجعل أمر التغيير خارج النسق أمرا مستبعدا ،وهو ما دفع المؤسسة العسكرية للتدخل وضبط عملة التغيير . لذا ظلت محاولات إصلاح المجتمع في إطار استمرار الضغط الشعبي لاقتلاع النظام القديم وبعث روح إنسانية جديدة ركزت على بناء الدولة المدنية الحديثة ومحاكاة الحريات الديمقراطية الليبرالية في المجتمعات الحديثة ،فقوى الحراك الشعبي لم تقف خلف أيديولوجيات سياسية أو عقائدية ،وكل ما طرحته شعارات للحياة الإنسانية الكريمة. 4- البيئة المحيطة سواء الإقليمية أو الدولية وتأثيراتها المتباينة ومدى القدرة على التأثير من عدمها ، أو مدى عمق هذا التأثير وقوته ،هذا مع ملاحظة القوى المساندة أو المتعارضة مع كل من أطراف النظام أو قوى الحراك الشعبي . 5- لقد أفسدت النظم السياسية العربية باستبداديتها وتعسفها وقمعها وطول سنوات حكمها ، وشوهت الطبيعة الإنسانية والوطنية الخالصة للمواطن العربي ، ووضعت الشعوب العربية أمام خيارات قاسية بل مميتة ، ومن أمثلة تلك الخيارات : أولا : لا خيار إلاّ بين العبودية أو الموت ، فالنظم العربية استأثرت بالسلطة والمجتمع ، ولم تسمح بالحريات السياسية وعاش المواطن العربي بدون هوية ولا كرامة ولا وظيفة اجتماعية ، ولا هدف ولا رسالة وعليه أن يصمت وإلاّ فالبديل هو الموت ، ونصّب الحكام العرب أنفسهم قدرا على شعوبهم ولسان حالهم يقول : أما أن نحكمكم أو نقتلكم . ثانيا :الخيار بين الوحدة الجغرافية للوطن مع معايشة القمع السياسي ، أو الحريات السياسية والمجتمعية مع إمكانية تفتيت جغرافية الوطن ، هذه الحالة جاءت نظرا لغياب أي خطة لبناء تكامل مجتمعي ، لذا ظل الحديث عن الوطن كمناطق جغرافية أو تكوينات اجتماعية .وهي حالة ساهم الحكام العرب أنفسهم في تكريسها. ثالثا : تسلط النظم واستبداديتها و مراكمة إمكانيات القوة جعل من المتعذر تغييراها سياسيا أو شبه مستحيل ، مما يسوغ إمكانية الاستعانة بالأجنبي ، نظرا لضعف أو غياب أو تشظي الدور الإقليمي العربي ، وهو ما تبدى في الاستعداد النفسي والعقلي للاستعانة بالأجنبي ، إذ لا بديل لتحمل ألإهانة الوطنية للوصول للحرية ومطالب التغيير ،في ظل إشاعة عالة عدم العداء وتقارب نظام القيم في العولمة والمجمعات الحديثة . ومع التحفظ على قول لينين : "على البروليتاريا أن تتمنى هزيمة حكوماته " ، إلاّ أن الشعوب العربية كما في كل الدكتاتوريات في العالم تحمل كل الأمنيات السوداء لحكامها . رابعا :خيار الباب المفتوح على الحرب الأهلية ،إن محاولة الحكام العرب التهديد باستخدام المزيد من القوة ،والاستعانة بالأدوات المشروعة وغير المشروعة كالجيش والقبيلة والمرتزقة الداخليين والخارجيين، يصب في خانة جعل الصراع الداخلي مفتوحا على كل الاحتمالات بم فيها الحرب الأهلية وتسارع تدخل الأطراف الخارجية ، هذا مع ملاحظة تسرّع المعارضين الليبيين إلى الميل للسلاح مبكرا ، مما صرف الثورة عن مسارها الصحيح وأثار حواها الكثير من التساؤلات ، ومع كل الألم الذي أصاب ويصيب المتظاهرين المحتجين في سوريا ، فإن التقدير لا زال محفوظا للتجربة اليمنية حتى الآن ،فالشعب المسلح لم يلجا للعنف رغم ما أصابه من ظلم النظام وبطشه ،وهذا هو دور الطليعة الثورية الواعية. راسم المقيد-كاتب وباحث- قطاع غزة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل