المحتوى الرئيسى

أسماء ياسين : عماد أبو غازي و مركز الترجمة.. اللهم لا حسد

04/23 12:46

بغض النظر عن النتائج التي ستنتهي إليها الأزمة الحالية في المركز القومي للترجمة، ستظل هناك نقاط يجب تسليط  الضوء عليها، ومحاولة إيجاد حلول لها، ألا وهي الطريقة التي يتعاطى بها المسئولون مع المشكلات التي تواجههم في الأماكن التي يديرونها. وهو أداء لا يختلف كثيرًا عما كان يحدث من قبل؛ وهو ما لن يكون مقبولًا الآن تحت أي ظرف، حتى وإن كان مقبولًا في سابق العهد والأوان.فالمركز يعاني من مشكلات عديدة، على رغم كونه في الأصل مشروعًا بالغ الأهمية، ومطلوبًا بشدة؛ لسد فجوة في العقل الثقافي تصنعها قلة الكتب المترجمة، في بلاد لا تنتج بلغتها الأصلية ما يكفي لسد حاجة المتعطشين للمعرفة. والمركز القومي للترجمة  تم إنشاؤه في العام 2007 بعد أن ظل لعشرة سنوات ينتج كتبه تحت اسم المشروع القومي للترجمة، كإدارة من إدارات المجلس الأعلى للثقافة. ومنذ كان المركز مشروعًا قوميًا للترجمة فهو يعاني من مشكلات، استمرت معه حتى الآن، وزاد عليها ما زاد في السنوات الأخيرة. فإذا كانت الدولة تقيم مشروعها هذا، بهكذا نوايا عظيمة نفترضها، فكان من الواجب أن تتم جميلها، وتتأكد من هذه الكتب المترجمة تصل إلى الناس في كل مكان؛ إعمالًا لحقهم في المعرفة، وحقهم في أن تصل هذه المعرفة إليهم بسعر معقول وشكل جميل. ولكن الكتب لم تكن تصل إلى أحد، فلا يوجد سوى منفذ وحيد، هو منفذ الكتب الخاص بالمجلس الأعلى للثقافة. عوضًا عن كتاب فقير الشكل والإخراج الفني، ولا يخلو الأمر من مشكلات تتعلق برداءة الترجمة، وسوء اختيار العناوين التي تتم ترجمتها، وسعر مرتفع مع كل ذلك. ومع استقلال المركز برئاسة جابر عصفور، صاحب فكرة المشروع القومي للترجمة؛ كان التوقع أن تتحسن الأمور، فمع الميزانية المستقلة له كمركز قومي متخصص، كان لابد وأن يتوقع الناس أداءً مختلفًا، يتوقعون زيادة عدد منافذ بيع كتب المركز، يتوقعون شكلًا خارجيًا أجمل للكتب، ومحتوى أجود، ومستوى ترجمة عالي الجودة، يوازي الأجور المرتفعة التي يحصل عليها المترجمون، ويباهي المركز بها طوال الوقت. نعم،  تحسنت الأمور بشكل طفيف، ليس إلى الحد المرتجى. إن وجود إدارة كاملة تختص بالتسويق في المركز لم يساهم في تسويق الكتاب بشيء، ظلت سياسة التسعير التي تنتهجها الإدارة تقدم كتابًا مرتفع السعر، على رغم كونه مدعمًا، الدولة تدعم هذا المشروع من أجل أن يصل الكتاب لطالب المعرفة. والنتيجة أن الكتب كانت تكدس في المخازن، لأنها مرتفعة السعر من جهة، ولأنه لا توجد منافذ لبيعها وتوزيعها في كل أنحاء الجمهورية من جهة أخرى، رغم مقترحات طرحت على إدارة المركز لعشرات المرات بالتعاون مع أية هيئة، ولتكن الهيئة العامة للكتاب، في كل أنحاء البلاد وتوزيع الكتب عبر منافذها المنتشرة، وهو الأمر الذي تم تنفيذه أخيرًا منذ شهر واحد، أي بعد أكثر من عشرة سنوات على بدء المشروع. وهذا يجرنا إلى نقطة أخرى بالغة الأهمية، وهي أن المركز لم يستطع، مع مرور هذه السنوات أن يكوّن كوادر مهنية  جيدة، من داخل المكان، قادرة على إدارة العمل بنفسها، الأمر الذي سينهي استجلاب منتدبين من الخارج؛ للمساعدة في إدارته. كان من المفترض أن تتاح الفرصة للعاملين لإثبات وجودهم، ووضع كفائتهم المهنية على المحك، وانتظار النتيجة، وهو أمر معمول به في كل المؤسسات التي تحترم نفسها، ولكن ذلك لم يحدث، إلا في حالات نادرة وبالصدفة، ولأسباب لا علاقة لها بإتاحة الفرصة. كيف يعقل أن يلتحق أحد بمكان يتوقع فيه أن يتعلم ويستفيد وينمي مهاراته ، ليجد نفسه بعد سنوات جالسًا على المكتب ذاته، في الإدراة ذاتها، والمشرفون عليه يتقاطرون من خارج المكان؛ بحجة أنهم اكثر كفاءة ومهنية، ويتغيرون، ويجيء غيرهم، وهو جالس على مكتبه، لا أمل له في الترقي أو تنمية أية مهارة لديه!!لم ينتبه المسئولون عن المكان إلى أهمية تثبيت العاملين بعقود مؤقتة. وكان من الممكن مع الوقت إنهاء عقود المنتدبين واللاعبين المحترفين من أندية أخرى، الذين يتقاضون مبالغ كبيرة؛ كخبراء في مجالاتهم. وما أطالب به، وأؤكد على أهميته، هو تثبيت العاملين، فهو مطلب رئيس، وضروري، ليشعروا بالاطمئنان من جهة، وليشعروا بالانتماء للمكان من جهة أخرى.يضٌم المركز القومي للترجمة، بالفعل، كوادر قادرة على الإدارة والاقتراح وتنفيذ الخطط، وللحق فإنه كان يٌسمح لنا بالكلام والاقتراح، ولكن لا شيء أكثر من ذلك، فقد كان د. جابر عصفور يستمع لما يطرح عليه  أفكار ومقترحات، ولكن السماع كان الخطوة الوحيدة. يستمع ويستحسن، ولا شيء أكثر من ذلك. في ظل مكان يدار بمنطق العائلة، والعلاقات الودودة، التي لاتمت لعلاقات العمل الجادة بصلة، كان هذا يحدث تكرارًا. هذا الود هو ما دفعه للتدخل مؤخرًا؛ لإنهاء حالة الاعتصام في المركز، بأن تحدث لبعض الزملاء تليفونيًا، طالبًا منهم ” لمّ الدور”، وهو ما فعله الزملاء بالفعل، أنهوا اعتصامهم؛ نزولًا على رغبة ” الكَبير”، مؤسس المكان.في رده على اعتصام العاملين احتجاجًا على سوء الأوضاع في المركز، قال عماد أبو غازي وزير الثقافة التالي:” المركز هو وحدة ذات طابع خاص، لا يوجد بها هيكل إداري، العمل بها يكون إما عن طريق الانتداب، أو التعاقد المؤقت، ومن جاء للعمل في المركز كان يعلم ذلك منذ البداية، لكنه قبل بسبب الأجور والمكافآت المميزة التي كان يمنحها المركز” مضيفًا أن وضع هذه الوحدات محل دراسة في مجلس الوزارء الآن، وبخصوص المعتصمين، “إذا كان مش عاجبهم الحال يلغوا انتدابهم ويرجعوا أماكنهم”!!إن كون المركز وحدة ذات طابع خاص ليس لها هيكل إداري، هي مشكلة لم يتسبب فيها الموظفون الذين التحقوا بالمركز عند إنشائه، ولم يكن أحد من الموظفين يعلم شيئًا عن وضع المركز الإداري قبل إنشاءه، خصوصًا وأن أغلبية العاملين بالمركز يعملون بعقود شاملة، ولم يتم تثبيتهم حتى الآن، وقد كان هذا هو حالهم في المجلس الأعلى للثقافة، متعاقدين بعقود غير مثبتين، أي أنه لم يتغير شيء بالنسبة لهم، وليست تهمة أنهم قبلوا العمل بالمركز بمرتبات عادية، هي، لأكثر من نصف العاملين، أقل من الحد الأدنى المفترض للأجور حتى الآن، أي بعد أربع سنوات من إنشاء المركز. فالمفترض أن الإنسان الطبيعي يسعى طوال الوقت لتحسين مستواه المادي، والبدهي أن يسعى الإنسان نحو دخل أفضل بكافة الطرق المشروعة.منذ متى كان السعي نحو الدخل الأفضل هو تهمة، تدعو وزير الثقافة لاتهام العاملين بالمركز ضمنيًا بالطمع، بمنطق أنهم” كانوا عارفين انهم هيبقوا على كف عفريت، بس الفلوس عمت عنيهم”! إن حق الموظف في العمل داخل هيكل إداري مطمئن، ومستوى دخل معقول، هو حق أولي من حقوق الإنسان، ليس تفضلًا من أحد، ولا تطلعًا يستوجب الاتهام بالطمع. لقد ظننت للحظة أن الوزير سيطلب تحويل العاملين بالمركز القومي للترجمة إلى جهاز الكسب غير المشروع؛ للنظر في أمر الأموال الطائلة التي يدعي أنهم كانوا يتقاضونها.في أيام عز فيها الضحك، قال الوزير كلامًا مضحكًا، مثل إن العاملين في المركز محل حسد من جميع العالمين في قطاع الثقافة؛ بسبب ” أجورهم المميزة وعقودهم المميزة “، والتي دفعت بعدد كبير منهم إلى ترك أماكنهم في القطاعات المختلفة في الوزارة وعمل انتداب للمركز. مؤكدا: اللي خدوه قبل كدا كفاية عليهم” !! وكأن العاملين كانوا يسرقون مرتباتهم قبل ذلك، وبناءً عليه كفاية سرقة بقا!! وكأن العاملين هم الذين وضعوا العقود بأنفسهم، وأجبروا المسئولين على صرف هذه المرتبات والمكافآت!!كان من الأولى أن يقوم الوزير، الذي كان سابقًا يجلس، لنحو عامين، على كرسي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بتحسين مستوى العاملين في القطاعات الأخرى ( المجلس والقطاعات الأخرى التابعة له) وهي بالمناسبة قطاعات عديدة، ولو فعل لكان خيرًا، وكان ذلك ليمنع عنهم الإحساس بالحسد والحقد تجاه زملاءهم في المركز القومي للترجمة، العاملين في الخليج كما يشاع في أروقة الوزارة. وبدلًا من أن يحاول تحسين دخول كل الحاسدين في القطاعات المختلفة، كما ينبغي أن تكون الخطوة في هذه المرحلة الجديدة التي تعيشها البلاد، وبدلًا من أن يعد بأنه سيبذل قصارى جهده في تثبيت العاملين المؤقتين الذين يعملون بشكل مؤقت لما يزيد عن عشر سنوات في بعض الأحوال، فهو يهدد بإعادة الهيكلة، ويندد ” اللي مش عاجبه يمشي”!كان عماد أبو غازي يعمل، من بين أعمال كثيرة، مشرفًا على المؤتمرات في المركز القومي للترجمة، ولم تكن هناك مشكلة لديه وقتها في العمل في المركز ذا المكانة المتميزة والعقود المتميزة، لم تكن ثمة أزمة لدى الوزير في أن  يعمل في المركز، الذي لم يكن يحضر إليه سوى مرات معدودة في العام، ويتقاضى منه مقابل عمله كمشرف على المؤتمرات، فجأة أصبحت الأمور في المركز لا ينبغي السكوت عليها، لكن قبل ذلك كان السكوت عاديًا. إن تصريحه بأن ” كفاية عليهم اللي خدوه ” لا ينبغي أن ينطبق على صغار الموظفين، بل ينبغي أن يكون موجهًا له ولأمثاله من الذين يعملون في أكثر من وظيفة، ويتقاضون رواتبًا من أكثر من جهة، ويحتلون واجهة وزارة الثقافة لعقود، لم يسمح فيها لأحد مهما كانت كفاءته بالترقي وإثبات وجوده.كان الوزير في المجلس الأعلى للثقافة، وقت كنا معتصمين، لم يكلف نفسه، وهو على بعد عشرين مترًا، أن يأتي ليستمع إلى ما يشكو منه الموظفون، وفضل حضور ندوة ما التي أيا ما كانت أهميتها فلن تكون أهم من مصالح الناس المهددة. والوزير يعلم أكثر مني بالطبع، أنه منوط به ما هو أكثر من التواضع، وافتتاح معارض مقامة في أماكن كان وزير الثقافة السابق يستنكف الذهاب إليها.أما الدكتور فيصل يونس أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، و المدير الجديد المركز القومي للترجمة، كان يعمل، من ضمن أعمال أخرى، مستشارًا علميًا للمركز، قبل أن يصبح مديرًا له، ورث هذه التركة المثقلة من كل  الجوانب، استهل عمله في المركز بالاجتماع مع العاملين، واعدًا إياهم بعد الشكوى من تفاوت المرتبات بشكل لافت للنظر، تصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد عن الخمسة ألاف جنيه بين موظفين في السن نفسها، ويحملون المؤهل الدراسي ذاته، والتحقوا بالمركز في الوقت نفسه؛ بأنه سينظر في هذا الأمر، واعدًا  أيضًا بأن لا شيء سيمس رواتبهم ومكافآتهم، وهو الكلام الذي تغير تمامًا بعد أيام، حيث فوجي الموظفون أن المكافآت الشهرية التي يتقاضونها بشكل دائم منذ إنشاء المركز قد ألغيت، حيث رفض وزير الثقافة التوقيع على الشيكات لصرفها، وبدأ الكلام عن أنه لا توجد ميزانية للمكافآت، ولا توجد حتى ميزانية لصرف مكافآت المترجمين، وأن المركز لا يحقق أرباحًا، على رغم أن المركز ليس مطلوبًا منه أن يحقق أرباحًا، فهو مؤسسة ثقافية حكومية لا تهدف للربح أساسًا.وفي الوقت الذي لا يوجد فيه ميزانية لصرف المكافآت، رفع الدكتور فيصل يونس مذكرة للوزير لرفع مرتبه بعد أن أصحب مديرًا للمركز، وقام بترقيه كل من خيري دومة(من جامعة القاهرة) وهالة يسري( من جامعة القاهرة)، إلى منصب مساعد مدير المركز، ورفع مذكرة للوزير لرفع مرتباتهما أيضًا. ما الحاجة إلى ترقية الإثنين إلى منصب مدير المركز، وهما يعملان بالمركز بالفعل منذ مدة، في وقت يمر فيه المركز بأزمة مالية طاحنة على حد قول الوزير ويونس؟؟ يوجد في الوزارة  إذن أموال لزيادة مرتبات المديرين الذين يعملون في أكثر من جهة، في الجامعة والمركز وغيرهما من الأماكن، لكن لا توجد أموال لصرف مكافآت الموظفين. وإذا سلمنا أنه بالفعل لا توجد أموال فأين ذهبت ميزانية المركز؟ لم يجب كل من عماد أبو غازي ولا فيصل يونس على هذا التساؤل. أين ذهبت ميزانية المركز؟؟؟مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل