المحتوى الرئيسى

هاني عياد : وقفة ضرورية مع (الصديق) ..ماذا يفعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟

04/22 12:16

انقض المجلس الأعلى للقوات المسلحة على «الثورة المضادة» فى التحرير، لكنه أعاد توزيع رموزها فى تعيينات المحافظين الجدد، مفارقة جديدة من مفارقات المجلس المكلف بإدارة شئون البلاد، تضفى مزيدا من الحيرة فى قراءة وتفسير سياساته.يبدو الأمر ملتبسا على الجميع، لا تفض غموضه كل محاولات لى عنق الوقائع من أجل الوصول إلى نتيجة معدة مسبقا تؤكد أن القوات المسلحة حمت الثورة ولم تزل تحميها.لا أعرف على وجه الدقة من الذى روج لهذه النتيجة، وكيف انتشرت وسادت حتى أصبحت بديهية لا يرقى إليها الشك ولا تحتاج إلى مناقشة أو أدلة.وقائع أيام الثورة لم تزل طرية فى الأذهان، حاضرة بتفاصيلها وأبطالها وشهودها، لكن ليس من بينها واقعة واحدة تثبت أن القوات المسلحة حمت الثورة، ولا ينتقص هذا من وطنية الجيش، لأن صاحب القرار هو المؤسسة العسكرية وهى جزء أساسى من نظام مبارك، ورغم أنهما (الجيش والمؤسسة العسكرية) يشكلان معا القوات المسلحة، إلا أن الفارق بينهما واسع، والخلط بينهما كفيل بإثارة الحيرة والالتباس.المؤسسة العسكرية هى قيادة القوات المسلحة، وتضم وزير الدفاع ورئيس الأركان، وقادة الأفرع الرئيسية فى الجيش، وكبار الضباط المستفيدين من سياسات النظام، وهى جزء لا يتجزأ من النظام، تستفيد من مغانمه، وتحظى برضاه، وإذا ما استشعر النظام الخطر من أى فرد فيها، لا يتردد فى الإطاحة به (عبد الحليم أبو غزالة أقوى وزراء الدفاع فى مرحلة ما بعد حرب أكتوبر نموذجا).وقد كانت حرب أكتوبر 1973 نقطة تحول فى مسار المؤسسة العسكرية المصرية، أصبحت بعدها تعتمد اعتمادا كبيرا على المعونات الأمريكية، تدريبا وتسليحا، وتخلت عن مسئولية حماية الحدود المصرية الإسرائيلية، لصالح الشرطة المدنية، بموجب اتفاقيات كامب دايفيد (عندما نزل الجيش إلى الشارع مساء الجمعة 28 يناير، حصلت مصر على موافقة إسرائيل قبل دخول القطاعات العسكرية إلى محافظات سيناء)، فكان من الطبيعى أن تكتفى بدور المتفرج على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على فلسطين ولبنان والعراق، دون أن تتأخر عن المشاركة فى حرب «تحرير» الكويت تحت القيادة الأمريكية (رغم أكذوبة «حرب أكتوبر أخر الحروب»).وكرست جزءا من نشاطها فى العمل المدنى، فأقامت شركات اقتصادية تعمل فى مختلف المجالات، مثل بناء العقارات والكبارى والمخابز وشق الطرق..الخ… ، وبما أدى إلى استحواذها على نصيب كبير من الدخل القومى، وتداخلها فى علاقات متشابكة مع رجال أعمال.أما الجيش فيضم المجندين الذين يمضون فترة تجنيدهم الإجبارى، وهؤلاء يجرى تأهيلهم معنويا منذ اللحظة الأولى أنهم يواجهون عدوا خارجيا، على حدود الوطن (على عكس من يجرى فرزهم من المجندين لوزارة الداخلية كجنود أمن مركزى والذين يجرى تأهيلهم معنويا للتعامل مع الأمن الداخلى، مع «أحداث شغب»، أى مع عدو داخلى، هو كل من يعارض النظام بالضرورة)، مضافا إليهم صغار الضباط وكبارهم غير المستفيدين من مغانم السلطة، وهو فى نهاية المطاف جزء من كيان اسمه (القوات المسلحة) قائم على الطاعة، ولا يتحرك إلا بأوامر، وبما يعنى أنه لا يتحمل مسئولية «الحياد» فى موقعة الجمل، وغيرها، لكن إطاعة الأوامر لها حدود.وبمناسبة موقعة الجمل دعونا نتخيل لبرهة سيناريو لم يحدث: ماذا لو فعلها راكبو البغال والجمال وأفرغوا الميدان من الثوار وأجهضوا الثورة؟ هل كان ممكنا أن يتحدث أحد عن حماية المؤسسة العسكرية للثورة وقد مضى على وجود الجيش فى الشارع خمسة أيام «يحمى» الثورة والثوار؟.تتردد حكايات، غير موثقة ولا مؤكدة، عن طلب الرئيس من القوات المسلحة، خلال زيارته لغرفة العمليات يوم الأحد 30 يناير، التعامل مع المظاهرات بالقوة، لكن المؤسسة العسكرية رفضت هذا الأمر، وفيما لو صحت هذه الحكايات، فإن هذا الرفض لا يمكن اعتباره حماية الثورة، فسلوك المجلس الأعلى للقوات المسلحة، منذ موقعة الجمل، يتعارض إلى حد التناقض مع هذه الرؤية.الراجح أن ما طلبه الرئيس من القوات المسلحة، فيما لو صحت هذه الحكايات، يعكس حالة من تشوش فى الرؤية، وتخبط فى اتخاذ قرارات صحيحة، مرتبطا بشهوة السلطة، وهذا مفهوم تماما فى ظل وضع انكسار أصاب الرئيس نتيجة الثورة، مقرونا بتقدم العمر وتداعياته، بينما يعكس رفض المؤسسة العسكرية للدخول فى مواجهة مسلحة مع الشعب فهما حقيقيا لطبيعة القوات المسلحة، إذ يدرك المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وغيرهما من أركان المؤسسة العسكرية، أن الجيش لا يمكن أن ينفذ أمرا بإطلاق النار على الشعب الأعزل (الطاعة لها حدود)، وبما يعنى إصابة القوات المسلحة بالتصدع، فلا تعود قادرة لا على التعامل مع المظاهرات ولا على حماية النظام. لم يكن الأمر –إذن- حماية للثورة، بل كان حماية للنظام بالحفاظ على وحدة وتماسك قواته المسلحة تحت قيادة المؤسسة العسكرية.والذى حدث أن الثورة فى أيامها الثمانية عشر مرت بلحظتين فارقتين، انتظر الكثيرون فى كل منهما صدور «البيان رقم واحد» من القوات المسلحة، معلنا الانقلاب على النظام، كانت اللحظة الأولى هى مساء الجمعة 28 يناير عندما انهارت قوات النظام أمام ملايين المتظاهرين، ودخلت البلاد فى حالة فراغ أمنى، لكن «البيان….» لم يصدر، وبما يعنى قرارا سلبيا من المؤسسة العسكرية بالوقوف إلى جانب مبارك ومساعدته على امتصاص واستيعاب الضربة القاضية، تمهيدا للالتفاف عليها. ثم كانت «موقعة الجمل» هى اللحظة الثانية التى بدا فيها أننا قاب قوسين أو أدنى من حرب أهلية تستدعى بالضرورة «البيان رقم واحد»، لكن البيان أيضا لم يصدر ليتأكد قرار المؤسسة العسكرية السلبى.ربما يقول البعض إن زمن الانقلابات العسكرية قد انتهى، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن «الضرورات تبيح المحظورات»، وضرورة إنقاذ النظام، وإحباط الثورة تقتضى تغييرا سريعا فى الوجوه، لكن الراجح أن الولاء لشخص الرئيس كان هو الحاسم فى تلك اللحظات، لأسباب أخرى لا علاقة لها بكونه أحد رجال المؤسسة العسكرية وقائد قواتها الجوية وما إلى ذلك من لغو (بشهادة ما تعرض له الفريق سعد الدين الشاذلى فى ظل صمت ذات المؤسسة)، وربما رأت المؤسسة العسكرية أن عليها أولا استنفاذ كل الفرص الممكنة لحماية النظام والرئيس معا.لكن اتساع شرارة الثورة، وامتدادها، أيام 8 و9 و10 فبراير، إلى بعض مؤسسات الدولة (إضراب النقل العام، والمظاهرات والاعتصامات داخل المؤسسات الصحفية القومية، وانضمام قطاعات شعبية جديدة إلى المتظاهرين..الخ..)، أفشل رهان احتواء الثورة، وأكد أن الدولة فى طريقها إلى مرحلة العصيان المدنى، وهو ما أدى إلى تغير موقف المؤسسة العسكرية، فالإطاحة بشخص مبارك أصبحت ضرورية للحفاظ على النظام، لكن المؤسسة العسكرية لم تلجأ إلى الأشكال التقليدية للانقلابات، بل حفظت للرجل (كرامته) وتركته يعلن قراره بالتخلى عن السلطة.وهكذا كان طبيعيا ألا يفقد مبارك ثقته فى المؤسسة العسكرية، ويوكل إليها إدارة شئون البلاد، فلا المؤسسة العسكرية أجبرت مبارك على التنحى إيمانا بالثورة ومطالبها، ولا مبارك كان يقصد حماية الثورة وتلبية مطالبها، بل المنطقى أنه أوكل إليها -أولا- مهمة تحقيق«نبوءاته» التى ظل يرددها بلا كلل طيلة فترة حكمه وحتى لحظاته الأخيرة، من إشاعة الفوضى وبروز (الفزاعة) الإسلامية فيما لو تخلى هو عن السلطة (أليس هذا بعض ما جرى وما لم يزل يجرى بالفعل منذ 11 فبراير، بعلم المجلس الأعلى)، ثم العمل –ثانيا- على تفريغ الثورة من مضمونها وتحويلها إلى مجرد عملية تغيير شكلى، وإعادة ترتيب الأوراق (هل يتناقض أسلوب إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد مع هذه المهمة؟).أعرف ويعرف الجميع أن افتقاد ثورة يناير لقيادة قادرة ومؤهلة لاستلام السلطة، فرضت علينا القبول بخيار تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، لكن هذا القبول القسرى لا يعنى وضع المجلس فوق مستوى النقد والمحاسبة ولا يعنى منحه شيكا على بياض، مادام ارتضى الانخراط فى العمل العام، ومادام مصرا على رفض نقل السلطة إلى مجلس رئاسى مؤقت، فقد انتهى زمن «الثقة العمياء».وأظن أنه يجب على المجلس العسكرى أن يدرك تماما أن ما جرى فى التحرير يومى 9 و10 أبريل لا يعنى النجاح فى القضاء على الثورة، وأن إعادة «تفنيط أوراق كوتشينة» النظام، بتوزيع بقايا رموزه على المحافظات لن يجدى نفعا، ما حدث يعنى ببساطة أن القادم أسوأ، لأوراق الكوتشينة وللمؤسسة العسكرية على السواء.ثم…. لماذا لا يخرج علينا سيادة المشير أسبوعيا بكشف حساب عما تحقق وما لم يزل ينتظر؟؟مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل