المحتوى الرئيسى

كرم أبو سحلى يكتب: قنا والخريطة الإدراكية للحكومة المصرية

04/22 00:59

بما أن الخريطة الإدراكية هى المسئول اللاشعورى عن كثير من الأحداث فى حياتنا اليومية، يمكننا اللجوء إليها كنموذج تفسيرى لفهم احتجاجات محافظة قنا. يبدو أن ما يحدث فى المحافظة هو نتاج لما ترسب فى الأذهان من أحداث ارتبطت بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين. أليست قنا هى المحافظة التى حدثت فيها مجزرة عيد الميلاد ضد المسيحيين؟ أليست هى التى حدثت فيها أحداث فرشوط؟ أليست هى التى قُطعت فيها أذن أحد المسيحيين؟ إذن لابد من إرسال محافظ مسيحى حتى تتوقف هذه الاعتداءات! فالمحافظ رمزاً للسلطة المتمركزة فى العاصمة وهو رمز السلطة أيضا باعتباره -هذه المرة- لواء فى جهاز الشرطة. فإن كان رمز السلطة ينتمى "للأقلية العددية" فإن ذلك وبطريقة ما سيخلق التوازن المطلوب ويعيش الطرفان فى تبات ونبات! إن هذا الاختزال الإدراكى لمحافظة قنا هو ما أثار حفيظة القنائيين الذين لم يعترضوا على المحافظ السابق اللواء مجدى أيوب، وهو مسيحى أيضا، إلا بعد أن ظهرت لهم وللمسيحيين فى قنا مشاكله الإدارية، فقد حدثت معظم المشكلات بين الطرفين فى عهده. لقد وجد أبناء قنا فى تعيين محافظ مسيحى للمرة الثانية على التوالى ما يعد تكريسا لتصور مفاده أن حماية المسيحيين فى قنا قد يتحقق بتعيين محافظ مسيحى، كما أنه يرسخ أيضا لفكرة الكوتة التى تعيد إنتاج التمييز أكثر مما تحاربه. فالقنائيون يتسائلون: هل ستصبح قنا كوتة الأخوة المسيحيين؟ إن الأمر الذى صدم أهالى قنا هو نفسه ما صدم المصريين قبل الخامس والعشرين من يناير عندما أدركوا أنهم سيورثون لابن الرئيس المخلوع. ورغم أن الفارق كبير بين الحالتين، إلا أن تظاهر أهالى قنا فى بداية الأمر قوبل بتجاهل واضح من الإدارة المركزية فى القاهرة مثلما قوبلت مشاعر المصريين بالتجاهل قبل ذلك. إن المحافظة التى أهملت لفترات طويلة مع أخريات تم إهمالها فى وقت الأزمة. والغريب أن الدكتور عصام شرف - وهو من رجال مصر المحترمين - لم يتطرق لما يحدث فى قنا فى خطابه الأسبوعى "للمواطنين"، رغم أن الأحداث كانت قد دخلت يومها الخامس. فهل لا تزال الخريطة الإدراكية لحكومة مصر تقتصر على المحافظات المهمة؟ أو ليس غريبا أن ألا يوجه رئيس الوزراء أى بيان لأبناء المحافظة؟ صحيح أن الدكتور شرف قد أسند الملف لوزير الداخلية ولوزير التنمية المحلية. لكن إرسال وزير الداخلية وهو من أبناء قنا يشير إلى بعد إدراكى آخر (قديم) له علاقة بالقبلية فى الوقت الذى كان يجب التعامل معهم باعتبارهم مواطنون لهم مطالب يُرسل إليهم من يستطيع حل الأزمة وليس من يلقى ترحاب منهم لمجرد أنه من ذوييهم. إن عدم اكتراث الحكومة المركزية بما يحدث فى قنا إلا بعد توقف حركة القطارات لا يوحى بتغير كبير فى علاقة المركز بالأطراف. فهذا الإدراك يختزل الأطراف فى كونها مجرد آلة إنتاجية يُلتفت إليها فقط عندما تتوقف عن العمل. وهذا ما عبر عنه ضمنيا الدكتور عصام شرف عندما قال فى كلمته إنه إن كان لأحد طلب فليلجأ للحوار ولا يلجأ إلى إيقاف حركة المرور. ثم تناول الأمر من الناحية الإنسانية حيث قال إنه من الممكن أن يؤدى تعطيل المرور إلى تأخر مريض عن موعد الطبيب. وهذا بالطبع صحيح مثله فى ذلك مثل حرية المواطنين فى اختيار من يحكمهم. الأمر فى جوهره بعيد عن المسألة الطائفية رغم دخول الشعارات الدينية بين الهتافات. فلم يقم المتظاهرون بمهاجمة الكنائس. ولم نسمع أنهم تعرضوا بالأذى لأى من إخوانهم المسيحيين فى قنا. ولم يطالب المحتجون بألا يعين المسيحيون فى مناصب قيادية فى مصر. المشكلة إذن إدراكية فى المقام الأول. فالحكومة تعاملت مع المحافظة بخريطة إدراكية قديمة. كما أدرك أبناء المحافظة الأمر على أنه تكريس لوهم غير موجود من وجهة نظرهم وهو أن الأمر لا يستدعى تعيين محافظَيْن مسيحيَيْن على التوالى لضبط العلاقة بين الطرفين. وحتى عندما مارس القنائيون حقهم فى التظاهر السلمى لم يلتفت إليهم أحد، مما عزز لديهم نفس النمط الإدراكى القديم بأنهم غير ذوى أهمية طالما أنهم يعيشون على حواف الوجود المصرى. وربما يجدر القول فى هذا السياق أن ننبه الحكومة المصرية بأن تضم المجالس الحكومية كالمجلس القومى للمرأة ومجلس حقوق الإنسان وغيرها عضوا/عضوة من كل محافظة مصرية يكون اختياره بالانتخاب فى كل محافظة ، وذلك على السبيل المواطنة التى انحصرت -بكل أسف- فى نموذج إدراكى آخر قديم يحصر المواطنة فى التساوى فى الحقوق والواجبات بين المسلمين والمسيحيين، وليس بين المواطنين فى كل محافظات مصر. وبالتالى فحولت معظم مشكلات المواطنين إلى مشكلات طائفية! والله أعلى وأعلم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل