المحتوى الرئيسى

تحت القسممعركة تقرير المصير الديمقراطي في قنا

04/22 00:05

ليس أعجب من انتفاضة أهل محافظة قنا دون مبرر كاف‏,‏ أو بمبرر أضعف كثيرا من رد الفعل عليه‏,‏ إلا وقوف زعماء السياسة في القاهرة موقف المتفرج علي المأساة, ولا نريد أن نقول موقف الحياد بين الحكومة وأبناء قنا, وكأن المشكلة لا تخص سوي الطرفين, ومعهما الأزهر, وشيوخ السلفيين. إن مصر ـ وطنا ومواطنين ومستقبلا ـ لا تعيش ظروفا عادية, ولكنها تمر بأحرج لحظة بعد انتصار ثورتها السلمية في معركتها الأولي, أي معركة إسقاط النظام القديم, وهي تتأهب الآن لخوض معركة بناء النظام المدني الديمقراطي الجديد, الذي يجب أن يؤدي بالضرورة إلي أعلي معدل ممكن من النمو الاقتصادي, وعدالة توزيع ثمار هذا النمو. لنفترض أن الحكومة لم تكن موفقة في اختيار اللواء عماد ميخائيل محافظا لقنا, إما بسبب عمله إلي جانب وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي, وإما تحسبا من أن يكرر تجربة الأداء الضعيف لسلفه القبطي أيضا السيد مجدي أيوب, الذي يقال إن السبب الرئيسي في ضعف أدائه كان خشيته من تفسير قراراته تفسيرا طائفيا, وإما للسبب الذي يتردد علي ألسنة المحتجين من أهل قنا, والقائل بأنهم يخشون أن تصبح المحافظة كوتة للأقباط في كل تغيير للمحافظين, ولكن الطريقة التي عبر بها القناويون عن هذه الهواجس والتصعيد المستمر للاحتجاجات إلي حد تعطيل المرافق, وانتهاك القوانين, والاستمرار في الاحتجاج حتي تنفذ الحكومة الحل الوحيد الذي يريدون فرضه عليها, وهو إلغاء تعيين اللواء ميخائيل, دفعت القضية إلي مستوي المشكلة القومية, ووضعت ثورة الخامس والعشرين من يناير ومعها مستقبل المشروع المدني الديمقراطي للثورة أمام امتحان عسير.. عسير.. عسير للغاية.. فالتراجع من جانب الحكومة سوف يفتح بابا من أبواب جهنم الطائفية لن يغلق مرة أخري في المستقبل القريب, وسوف يترك غصة في قلوب المواطنين الأقباط تعمق لديهم شعور الاغتراب في بلدهم, وبالقدر نفسه سوف يؤدي تراجع الحكومة أمام انتفاضة قنا إلي إصابة مشروع ثورة25 يناير نفسه بنكسة قد لا يشفي منها لا قدر الله. هنا كان فرض عين علي كل السادة متصدري المشهد السياسي والإعلامي في القاهرة أن يبادروا إلي التدخل في القضية, وبكل الوسائل الممكنة, ومما يلفت النظر, ويثير الإعجاب أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ـ وهو في الأصل من رجالات الأقصر التي كانت جزءا من قنا حتي وقت قريب ـ كان أسبق من هؤلاء الساسة, فاستنكر معارضة أهله لتعيين محافظ مسيحي لبلدهم, وأوضح في مؤتمر صحفي كبير بالقاهرة أنه لا يوجد مبرر شرعي إسلامي لهذه المعارضة, وأنه سيزور قنا قريبا لإعلان الرأي الشرعي في القضية من هناك, وقد انتظرنا أن يدخل ساسة القاهرة من هذا الباب العريض الذي فتحه لهم ـ مشكورا ـ فضيلة الإمام الأكبر, دون جدوي حتي الآن علي الأقل. ||بالطبع فإن أول المخاطبين بهذه الملاحظة الانتقادية من جانبنا هم السادة الذين بدأوا بالفعل خوض معركة الانتخابات الرئاسية, أي السيد عمرو موسي, والدكتور محمد البرادعي, والفريق مجدي حتاتة, بوصفهم أبرز الوجوه الساعية إلي منصب الرئاسة, مع احترامنا الكامل لأشخاصهم, وأدوارهم السابقة, واللاحقة, ثم يلي هؤلاء بالطبع بقية المرشحين والشخصيات العامة, والتنظيمات السياسية, القديم منها, والجديد, وعلي الأخص قيادات شباب الثورة. إنني لا أفهم مثلا أن يصمت السيد عمرو موسي عن الوضع في قنا ليذهب إلي طلاب جامعة عين شمس, وكان الأحري به أن يؤجل لقاءه الطلابي هذا, ويدعو أنصاره, ومنافسيه المحتملين ليذهبوا في مسيرة إلي قنا, ويتحاوروا مع زعماء الانتفاضة, ويعلنوا رفضهم الصريح في هذا الحوار للموقف الطائفي ضد المحافظ الجديد, ولاشك في أنهم قادرون علي إقناع إخواننا القناويين بالخطورة البالغة لما يفعلونه, علي الثورة وعلي مستقبل الوطن, فإذا كان قد فات عمرو موسي أن يأخذ زمام المبادرة, فأين البرادعي, وهو المبشر بالتغيير الشامل الذي سبق له أن وصف التفريق بين المواطنين علي أساس العقيدة الدينية بأنه انقرض من العالم المتحضر, وآن له أن ينقرض في مصر. ألا تستحق هذه المأساة الجارية في قنا زيارة منه علي رأس الجمعية الوطنية للتغيير للمحافظة, وتحدي زعماء التمرد فيها في مناظرة علنية بأفكاره التقدمية العظيمة ؟ وأين الدكتور أسامة الغزالي حرب في هذا الموقف, وكذلك الأستاذ حمدين صباحي, وغيرهم كما ذكرنا ؟ إن المطلوب هنا حسابات وطنية, وليس حسابات انتخابية, وليذهب الطموح الرئاسي إلي الجحيم إذا كانت الرئاسة ستأتي علي أنقاض المشروع الديمقراطي المدني الوطني للثورة, وكي لا يساء الفهم فإنني أكرر أنني أحترم الجميع, من ذكرت منهم بالاسم, ومن لم أذكر, وأثق بوطنيتهم, وبإيمانهم بالديمقراطية, بل أذهب إلي أبعد من ذلك لأقول إن تقاعسهم عن أداء الدور المطلوب, الذي سيكون مؤثرا بالقطع) في مساندة الحكومة في أزمة محافظ قنا, ليس مبعثه حسابات انتخابية, ولكن ربما فات الأمر عليهم, ولذا فإن هذه السطور بمثابة تنبيه وتذكير, برغم مافيها من اللوم, وهو لوم مستحق علي كل حال لسبب إضافي يتمثل في استمرار أولئك السادة المرشحين للرئاسة, وغيرهم ممن يشتغلون بالعمل السياسي في مصر ـ في التفكير والحركة بالطريقة التقليدية. وليسامحوني إذا قلت إنهم يعملون بطريقة عشوائية, إذ ليس لدي أحد منهم فريق مستشارين علي مستوي لائق ومتخصص, ولم نسمع أن أحدا منهم قد كون لجنة للتخطيط السياسي أو أن من بينهم من اختار متحدثا رسميا باسم حملته الانتخابية, وهذه كلها من أبجديات العمل السياسي في مجتمع ديمقراطي, علي السياسي فيه أن يكون مستعدا مسبقا لمواجهة الأحداث الجديدة, والتساؤلات المنبعثة منها, وأن تتوافر أمامه البدائل المتعددة للاستجابة السريعة, والتحرك المناسب. وإذا سمحت لنفسي بأن أبالغ في التمني فإن علي أولئك المتصدرين للمشهد السياسي والإعلامي جميعا أن يكون لدي كل واحد منهم كوادر قادرة علي التنبؤ بالمشكلات قبل انفجارها, وعلي وضع سيناريوهات للتعامل معها. أخذنا هذا الاستطراد بعيدا بعض الشيء عن قضية محافظ قنا, وبالعودة إليها فإن الوقت لم يفت بعد, وهنا نقترح علي السادة الذين ذكرناهم بالاسم, وغيرهم ممن لا يقلون عنهم أهمية أو تأثيرا أن يبادروا اليوم بإصدار بيان مشترك يساند الحكومة في القضية ويحدد موعدا عاجلا للذهاب إلي أرض المعركة بموقف موحد, يصبح نواة لوفاق وطني شامل حول القضية الطائفية بكل أبعادها, ويستخلص هذه القضية الحيوية من احتكار السلفيين والكنيسة وغيرهم من الجماعات والاتجاهات السياسية الدينية, ولا يترك الحكومة وحدها متحملة العبء الأكبر في الدفاع عن مشروعنا الديمقراطي في هذا الظرف العصيب الذي تحارب فيه الحكومة أيضا علي جبهة, ربما تكون الأخطر في المدي القصير, وهي قضية الإنقاذ الاقتصادي التي نأمل أن نتحدث عنها في مقال تال. تتبقي أمامنا الآن جهتان نتوجه إليهما بالخطاب: || الأولي هي جماعة الإخوان المسلمين, فهم الآن مدعوون للنجاح في اختبار عملي في قنا لتحولهم إلي تبني مشروع الديمقراطية التعددية, ولا يكفي للنجاح في هذا الاختبار إصدار بيان, أو تطوع أحد قياداتهم بإصدار تصريح ملطف بين وقت وآخر, ولكن عليهم أن ينضموا بكل قوتهم إلي الوفاق الوطني الذي نقترحه, ليس فقط بتأييد مبادئه, ولكن أيضا بالتحرك السلمي مع الجميع نحو أرض المعركة.. وإرساء سابقة مشاركتهم في تولي المحافظ القبطي الجديد لقنا أو غيرها إذا تطلب الأمر ـ مهام منصبه. ||أما الجهة الثانية فهم شباب الثورة.. وأقول لهم أنتم أصحابها, وأنتم صناع الفجر الجديد الذي نحلم بأن يتحول إلي نهار بلا غيوم ولا عواصف. فهيا.. هيا.. أنقذوا ثورتكم ومستقبلكم بكل ماتملكون من طاقات التحريك والتنظيم والإلهام.. بل هيا اسبقوا الجميع كما سبقتمونا جميعا من قبل.. واكسبوا معركة تقرير مصير الديمقراطية في قنا سلميا وديمقراطيا.. حتي نتفرغ للبناء الديمقراطي.. والنهوض الاقتصادي. المزيد من مقالات عبدالعظيم حماد

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل