المحتوى الرئيسى

«خارج السياق» عرض يستبيح كل أنواع الفنون ليمتع المتفرجين

04/21 13:51

«خارج السياق» هو أحد العروض اللافتة التي قدمها «مهرجان الرقص المعاصر» لجمهوره في دورته السابعة المقامة حاليا في بيروت. عرض استثنائي، لا لجمالية تشكيلات الراقصين أو لليونة حركتهم فقط، وإنما بشكل أساسي لكم الابتكارات والتنويعات التي رسمها ثمانية مبدعين بأجسادهم، بعد أن تخلوا عن ملابسهم أو أي أزياء يمكن أن تلعب دورا إيحائيا. فقد تخففوا من كل شيء واكتفوا بثياب البحر، كما غاب الديكور كليا أو أي قطعة أثاث لنجد أنفسنا أمام خشبة خالية تماما إلا من هؤلاء الراقصين الذين قرروا الاكتفاء بأجسادهم المدربة والمطواعة وحدها ليمتعونا طوال 85 دقيقة. وكي نكون أكثر دقة فإضافة إلى العنصر البشري شبه العاري في هذا العمل هناك مناشف برتقالية يتلفحون بها، بين الحين والآخر، وعدد من الميكروفونات، التي تستخدم للغناء، وإصدار الأصوات، نتيجة الخبط واللبط والتأرجح بأسلاكها. صاحب العمل، المصمم البلجيكي ألان بلاتل، هو أحد الأسماء اللامعة والشهيرة في عالم الرقص اليوم، بدأ مساره الفني من باب تعلم لغة الصم والبكم وهو ما يزال طفلا، ومن ثم تخصص في رقص الباليه، وشغف بخلط الحديث بالكلاسيكي بأسلوب مبتكر. «خارج السياق» عرض نرى من خلاله وبوضوح هذه الخلفية الغنية لبلاتل. فهو إضافة إلى عمله في الرقص يمارس مهنة أخرى في مجال تحسين النطق. خبرة متنوعة استفاد منها ليجعل من راقصيه ميدانا لاختبارات متلاحقة وشيقة. يبدأ العرض هادئا لا بل بليدا لا يوحي بمفاجآت كبيرة، يصعد الراقصون إلى المسرح من بين المتفرجين، واحدهم تلو الآخر، بكامل ملابسهم. كل واحد منهم، يأخذ وقته ليخلع ثيابه ويحمل منشفته البرتقالية ويتدثر بها. يتحرك الثمانية على موسيقى صوت خوار بقرة، آت من بعيد. هل هو باليه هذا الذي نراه؟ أم رقص معاصر؟ تختلط المدارس مع بلاتل ويستبيح كل أنواع الفنون ليصل إلى مبتغاه. كل شيء في هؤلاء المؤدين الذين أمامك يرقص ويعبر عما يختلج في نفوسهم، الأذرع، الصدور الأرجل، ولكن أيضا أصابع الأطراف كلها، حتى الفك بمقدوره أن يرقص ويتحرك على أصوات لا تخطر لك على بال ومثله الأعين والخدود وحتى الألسن. والموسيقى قد تكون صوت هدير غابة أو نباح كلب، هفيف رياح أو حفيف أشجار لا فرق. بلاتل يحب أن يعود إلى الإنسان والطبيعة بحالتهما الخام، ليفجر الطاقات الكامنة، مشاهد عناق الراقصين، توحي أحيانا بأنك أمام أجناس أخرى من المخلوقات غير البشر، بل تكاد لا تعرف إلا أنك أمام كائنات تتعانق دون أن تميز الجنس أو النوع. وبلاتل مع راقصيه قادر أيضا على أن يكون حديثا أكثر مما يمكن أن تتوقع، فما إن ينتصف العرض حتى يتوالى الراقصون على الميكروفونات، يغنون بطريقتهم الخاصة، يستخدمون أكثر الأغنيات شهرة ليتيحوا لزملائهم تقديم وصلات مبتكرة. كل راقص يبدو وكأنه يتفوق على نفسه بمهارة ما يتميز بها. وبدا كأن العرض بلغ ذروته في المفاجأة حين أخذ أحد المؤدين يغني أغنية «عايشه» للشاب خالد بأسلوبه الخاص، بينما الآخرون يرقصون على أنغامها. ولعل ذاك الراقص الذي تمكن من أن يرينا عرضا فرديا، يحرك أثناءه كل عضلة من عضلات ظهره وأكتافه وذراعيه، بمعزل عن العضلة التي تجاورها، كان الأكثر إدهاشا. مران على التحكم بالجسد قطعة بعد قطعة. الأمر لا يتوقف هنا، بل إن قفز أحد الراقصين إلى المكان الذي يجلس فيه المتفرجون، وقدرته على التحرك فوق رؤوسهم سيرا على أذرع المقاعد، جعل الموجودين لا يتوقفون عن التصفيق والتحميس. الجزء الثاني من «خارج السياق» مبهر. بدا أن كثيرين لا يريدون لهذه الوصلات السريعة، الحيوية، والخلاقة أن تنتهي. لكن الرائعين الثمانية الذين قدموا أجمل ما لديهم، بدأوا يعودون إلى ملابسهم، يرتدون ثيابا كالتي نرتديها، وينزلون واحدهم تلو الآخر من المنصة لينخرطوا مع الجمهور. إعجاب شديد لقيه هذا العرض الذي كان منتظرا، وحاول كثيرون أن لا يفوتوا متعة مشاهدته فهو خلاب، ذكي، وطريف للغاية. فنادرا ما يستطيع عرض راقص أن يضحك الجمهور، ويتفاعل معه ويخاطبه، كاسرا ليس فقط الجدار الرابع وإنما منخرطا مع الناس، ومتناغما مع أمزجتهم الطفولية. وكانت «فرقة مقامات» اللبنانية، وهي الجهة المنظمة للمهرجان قد فاجأت جمهورها قبل بدء حفل بلاتل بعرض تجهيزي بشري. ودهش الداخلون إلى مسرح المدينة وهم يشاهدون فتاة تمددت على الدرج المؤدي إلى صالة الانتظار في المسرح، لتسد الممر إلا من مساحة صغيرة وضع عليها ميزانان لا بد أن يقف عليهما العابر كي يتمكن من نزول الدرج. وفي صالة الانتظار توزع آخرون، فها هنا فتاة يتمدد جذعها على طاولة صغيرة، فيما يتدلى ما تبقى منها على الأرض، وضعية غير مريحة لمن يتبرع بأن يبقى على هذا الحال لمدة تزيد على نصف ساعة، وأخرى سدت باب الحمام بذراعها ويدها وقد شاح بصرها في الفضاء، لتجبر الداخلين على المرور بالانحناء والتسلل، فيما تجمد آخرون بمواجهة الحائط لا نرى غير ظهورهم، ثمة من لبس سطلا للماء في رأسه وأخرى أدخلت قدمها في سطل آخر، فيما بدا الشخص الذي اكتفى بمايوه البحر ووقف لا يرف له جفن وكأنه يريد استقبال المتفرجين. وإلى جانب هذا العرض البشري، كان ثمة عرض لصور التقطت لراقصين بالتركيز على حركة عضلاتهم، وعروض لأفلام فيديو حول أهمية الرقص وما يمكن أن يجلبه من بهجة ورضا للإنسان. ويستمر «مهرجان بيروت للرقص المعاصر» لغاية آخر شهر أبريل (نيسان) الحالي موزعة حفلاته على أكثر من مسرح في العاصمة اللبنانية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل