المحتوى الرئيسى

تقديم بانورامي لكتاب التفكيكية التأسيس والمراس للباحث هشام الدركاوي بقلم:د.حبيبة شيخ عاطف

04/20 19:36

تقديم بانورامي لكتاب التفكيكية التأسيس والمراس للباحث هشام الدركاوي                                                               د.حبيبة شيخ عاطف                                                                                          أستاذة بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط                      صدر للباحث هشام الدركاوي كتاب بعنوان" التفكيكية التأسيس والمراس" في طبعته الأولى لسنة 2011 عن دار الحوار للنشرو التوزيع بسوريا. وهو كتاب من القطع المتوسط يقع في حدود 145 صفحة ،صدر بتقديم للدكتور الرحالي الرضواني. وقبل التوغل في لفائف هذا الكتاب الذي يبدو عملا جادا في قضيته، لابد من إعطاء نبذة تعريفية عن صاحبه كما عرفته خلال هذه السنة المباركة، إنه طالب أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط بالسنة الخامسة شعبة اللغة العربية وآدابها لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين ربيعا، طالب أستاذ متميز في أدائه ذو فكر متوقد سابق لعمره، مذ جاءني  طالبا وأنا أرى فيه صفات العبقرية في أزهى تجلياتها، ذو علم وافر وغزير، ومعرفة واسعة بالفكر العربي في جميع مجالاته ومشاربه ومذاهبه وتنظيراته وتصوراته ورؤاه، إنه أستاذ ظاهرة طيبة أنبتتها تربة مغربنا الحبيب، بحيث لا أناقشه في قضية ما إلا ويسحب من معرفته الواسعة بها ومن محفوظه وتفسيره وتوضيحه الشيء الوفير الذي يقنع ويمتع ويعجب ويثلج الصدر ويشرح الفؤاد، وأنا وجميع من يعرفونه من أساتذة المغرب الأجلاء نتنبأ له في مجال الإبداع الفكري والتنظير لقضاياه واتجاهاته بمستقبل زاهر إن شاء الله.  وأنا إذ أقدم هذا الكتاب أود أن أكون صلة وصل بينه وبين ثلة من القراء الذين لم يطلعوا عليه بعد لتقريبه إليهم وفتح شهيتهم للعودة إليه، والوقوف على القضية المدروسة  ونشرها للتوصل إلى الإقناع بالاستراتيجية التفكيكية، ومدى قدرتها على تناول الفكر العربي بالقراءة والتحليل، والإمكانات التي تمنحها للعودة إلى تناول التراث، وفتح مساحات من التأويل ممكنة ومفترضة لتخليده  والمتح منه أكثر. إن المؤلف يبدو مهووسا بالنقد العربي واعدا بتسليط الضوء وتوضيح الخطاب النقدي التفكيكي ومميزاته، سواء تنظيرا أو ممارسة، ونجده يلج موضوعه بدءا بتحديد مصطلح التفكيكية وقد تتبعه في بيئته الأولى الفرنسية مع صاحبه جاك ديريدا الذي يسعى إلى رفض المركزية الأوربية التي تمنح لنفسها قصب السبق والتميز في كل مناحي الحياة الإنسانية، وهذا ما جعله يتهمها بالتمركز على الذات مغلفا خطابه الإيديلوجي بقناع الفلسفة والفكر والأدب، ولم يقتصر على هذا الرفض بل تعداه إلى تجريح رأي الفلسفة القائل بالفصل المنهجي بين: الفلسفة التي تنماز بالدقة والبداهة والوضوح والرصانة والمباشرية والتعيينية، وبين الأدب المغرق في الاستعارة والمجاز والعدول، في حين خصص المحور الثاني لتحديد المشاكل التي صاحبت انتقال التفكيكية  إلى البيئة النقدية العربية وما جرته من مشاكل الترجمة، مؤكدا على أن الفلسفة نفسها تقوم على المجاز والاستعارة لأنهما أصل الكلام ولأن الوضوح والحقيقة والدقة في الكلام لن تدفع الانسان إلى البحث عن حقيقة الأشياء التي تحيره وتأخذ بلبه. مما يجعل الدال لدى دريدا سيرورة متوالية تفتح أفق التأويل أمام المتلقي وتكتم صوت المرسِل وسلطته وتساهم في ديناميته ولا نهائيته. ويصرح بأن مصطلح Déconstruction  إذا لم يعتره غموض وهو ينتقل من فرنسا إلى أمريكا بينما أصبح زمن الاستيعاب والتمثل والتأصيل العربي عرضة للتشويش بين مفاهيم ومصطلحات توقفت عند ترجمته بدل البحث عن المقاب الجاد الذي يحمل كل مدلولات مصطلح التفكيكية وخلفياته الفلسفية وأبعاده العلمية . وقد تتبع تنقل هذا الفكر التفكيكي منذ أولى الدراسات التي اعتنت به وحاولت إدخاله إلى الحقل الأدبي العربي مع: 1)     عبد الله الغدامي في كتابه " الخطيئة والتكفير" ص 48 الذي ترجمه بالتشريحية . 2)    وميجان الرويلي وسعد البازعي في "دليل الناقد الأدبي " ص 107 واللذين ترجماه بالتقويضية. 3)    وسعد البازعي في كتابه " استقبال الأخر(الغرب في النقد العربي الحديث)ص225  الذي يصر على مصطلح التقويض. 4)    أما سعيد علوش في كتابه" معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة" ص 97 فقد اصطلح على ترجمته بالتفكيك. 5)     وبسام قطرس في كتابيه " المدخل إلى مناهج النقد المعاصر" ص 143 و" استراتيجية القراءة والإجراء النقدي" ص 22 فقد اختار له مصطلح التفكيكية. 6)     وعبد الله ابراهيم وسعيد الغانمي وعلي عوادي في "معرفة الآخر" فسميانه بالتفكيك. 7)     وكذلك الشأن بالنسبة لكاظم جهاد أثناء ترجمته لكتابه " الكتابة والاختلاف" فإنه يصل إلى الاصطلاح نفسه ألا وهو التفكيك. وهذا الجرد المصطلحي في كل هذه المضان إن دل على شيء فإنما يدل على محاولة تأسيس فعلي للمقابل المصطلحي لهذا الفكر، كما يعود المؤلف  لتبرير رفض كل المصطلحات التي اقترحها بعض الدارسين. 1)     مستهلا برفض مصطلح التشريحية على اعتبار أنه مستورد من الحقل الطبي وهو يدل على البحث عن موطن الضرر لاستئصاله مما يسقطه في الدلالة السلبية التي تفرغ Décnstruction من محتواه القكري الأصلي وحمولته الإديولوجية. 2)     أما مصطلح التقويض في نظر المؤلف فيدل في ظاهره وباطنه على الهدم والتخريب ولا يروم إعادة البناء، وذهب إلى تتبعه من حيث دلالة الأصوات على شاكلة ابن جني في علاقة الصوت بالمعنى فيبرر تركيبة أصواته العنيفة المولدة لعنف دلالي، ويتتبع تبرير المؤلفين في رسو اختيارهما على التقويض تبعا لهجوم دريدا على الفكر الميتافزيقي الغربي الذي تتوارى خلفه الحقيقة المتعالية والمدلول السامي، ومن تم ركز دريدا على هدمه ونسفه وتقويضه من جذوره. ويجزم بأن المصطلحات المقترحة من قبل المفكرين الذين اشتغلوا على دمجه في الفكر العربي كلها قاصرة على احتواء الفكر الدريدي. ويؤكد تبنيه لمصطلح تفكيك ذي البعد الإيجابي المرن الذي يحيل على تفكيك العناصر والجزئيات ، وضبط قواعد اشتغالها مع عزل ما هو ثانوي عما هو أساسي، وإمكانية تنزيل إحداهما مكان الثانية ضمن سلسلة اللعب الحر في قضايا الخطابات لإبراز لبناتها الضعيفة وفرزها عن القوية بتبني سلسلة إرجاءات لامتناهية، دون التدخل لإعادة بناء هيكلة النص من جديد، كما يعتقد الكثير من النقاد، وهكذا يحملنا على الاقتناع بأن التفكيكية نوع من الخلخلة . وأثناء حديثه عن شرعية مصطلح التفكيكية في الساحة النقدية العربية فإنه يخرجها من إطار المنهج مستدلا بقول دريدا نفسه في كتابه" الكتابة والاختلاف" ص 61 " ليس التفكيك منهجا ولا يمكن تحويله إلى منهج" لأن المنهج لا يحتاج إلا إلى موضوع سواء أكان فلسفيا أو أدبيا بكل أجناسه ( شعر، قصة، رواية). كما لا يقبل وضعه ضمن خانة النظرية، ولا يصنفه ضمن خانة الفلسفة لأنها تتأبى عن ذلك. ويقر في النهاية بأن التفكيكية استراتيجية قرائية تشتغل على كل الخطابات والنصوص باختلاف أنواعها (الفلسفية والأدبية واللغوية والدينية والنقدية ) ويقف عند مصطلح استراتيجية ليبث فيه بالشرح والتوضيح وأنه أكثر وأوسع من القراءة التي يمكن احتواؤها وتتبع خطواتها في الاشتغال، ويوضح بأنه مصطلح مـأخوذ من القاموس العسكري بكل ما في الكلمة من تحديد المواقع والمخططات، ووضع سيناريوهات المفاجأة والتوقع، والقابلة للتحول كلما اعترض عارض، فهي أكثر أيضا من النقد بلغته الواصفة المحددة لمكامن الضعف أو الجمال، إنها أوسع وأشمل ولا تثبث على صورة واحدة. ويعقد فصلا بين التفكيكية ونظرية التلقي، يحدد من خلاله أوجه التلاقي بينهما إذ تكمن العلاقة في تجاوز هذا الطرح الذي يعلي من شأن النص وقدرة أنساقه المغلقة في الإحالة على الدلالة وعدم الارتباط بالمؤلِّف، ويستدل بقول عبد العزيز حمودة في كتابه " المرايا المحدبة" ص 143 والذي يؤكد أن " كلا من التلقي والتفكيك يلتقيان في أهم مبادئهما وهو إلغاء النص وقصدية المؤلف" فيتحول القارئ إلى منتج حقيقي وفعلي للنص ذي قدرة فائقة على إنتاج معنى النص، على عكس نظرية التلقي التي توقفت عند القراءة التاريخية التي تخضع لمبدأ تعاقب القراءات، من هنا يظل النص خاضعا لسلطة القارئ، في حين تتعدى التفكيكية هذه الأرضية لتجعل القراءة هي التي تمارس فعلها على القارئ الذي يتحول إلى نص إلى جانب النص الأصلي الأول، وهو ما تسميه ب"القارئ النص" وهذا هو القارئ التفكيكي الذي لا قيمة للنص بدونه، حتى إن دريدا يقول بأهمية القراءة بدل أهمية القارئ. وإذا كانت نظرية التلقي قد تبنت أفق الانتظار أو أفق التوقع، إذ يتوقع القارئ ما سيحمله النص من معان ودلالات فيستحضر كل معارفه، فإن التفكيكية أكدت على أن القارئ يأتي النص خالي الذهن دوره الوحيد هو الانقياد لفعل القراءة في عملية مسلية وممتعة تتيحها حرية لعب المدلول وحركية الإرجاء والتأجيل المستمرتان بتبني آراء مثل: فعل القراءة وتعدد الدلالات وحرية القارئ ولعب المدلولات ولا نهائية التأويل، فتغدو بهذا التفكيكية أشمل من نظرية التلقي.  أما التفكيكية في تعالقها مع السميائيات فيؤكد المؤلف بأن لهما إرثا مشتركا إذ أرسى بورس الأسس الأولى التي قامت عليها التفكيكية، لأن فكرة الحضور والتأجيل التي بني عليهما دريدا كل تصوراته للتأويل مستوحاة من هذا الترابط الذي يميز اشتغال العلامة عند بورس. والتفكيكية إذ تتجاوز حقل السميائيات رغم بعض الإئتلافات فإنها تختلف عنها في نقط كثيرة منها: 1)     اختلافهما حول لا نهائية السميوسيز (سيرورة التأويل) 2)    السميائيات تقوم على تأويل العلامات (الأشياء) وتتبع قدرتها على توليد المعاني. 3)    السميائيات تقوم على تأويل الدوال والإشارات من الوجهة السميولوجية معتمدة على الحدس والوعي المباشرين للموؤل وعلى حضوره الذاتي. 4)    أما التفكيكية فتقوم بتأويل التأويلات وهو ما سماه أمبرطوإيكو التأويل المضاعف. لأنه تفسير التفسير وليس تفسيرا على شيء. 5)      التفكيكية تلغي حضور الجانب السيكلوجي للذات المؤولة في عملية التأويل، بمعنى البناء على غير مثال . هكذا تغدو التفكيكية أعم وأشمل من مختلف المناهج والنظريات النقدية (السميائيات ونظرية التلقي). أما فيما يتعلق بالنشأة فقد جمعت التفكيكية باعتبارها استراتيجية للقراءة ما بين البعد الفلسفي واللغوي والأدبي فما هي هذه الخطابات المعرفية التي اشتغلت عليها؟ 1)     السياق النظري للتفكيكية ومنطلقاتها الابستملوجية: لقد حاول التفكيكيون انطلاقا من أفلاطون إلى سوسير انتقاد الخطاب الفلسفي الغربي لتمركزه حول اللوغوس المكرس للمقابلات الثنائية التي تعلي من شأن الأطراف الأولى على حساب الثانية مثل: الكلام / الكتابة الواقع/ الحلم الخير/ الشر وتتمحور استراتيجية التفكيك حول نقد العقل والمنطق في الفلسفة الغربية التي تدحض وترفض كل المعاني التي لا تتطابق مع النماذج العقلية المتصورة. وهنا لا يقصد دريدا بالتفكيكية اللاعقل أو اللاعقلانية وإنما يريد إقامة فكر متطور يقوم على محاولة رفض ميتافزيقا الحضور التي وسمت الفكر الغربي، والمتمركزة حول الصوت والكلمة المنطوقة، على حساب الكتابة على اعتبار أنه خزان للمدلولات ومرجع صريح يمثل سلطة صاحبه التأثيرية على المتلقي، ومنعه من توظيف آليات التأويل التي تروم الوقوف عند الدلالة الضمنية اللامنتهية. وفي إطار تبريره لامتياز الكتابة وسبقها على الكلام تبنى فكرة لعب الاختلافات، الذي تتحول بمقتضاه اللغة إلى دوال لا تشير إلى مدلولات بقدر ما تشير إلى دوال أخرى مما يستحيل معه تثبيث الدلالة وفتح باب اللانهائية واللاتحديد، مما يحرر المتلقي من قيوده ويفسح له مجال التأويل واستحالة الحصر. وفي إطار انتقاد النظرية اللغوية السوسيرية والاتجاه البنيوي قام دريدا بخلخلة الفكر السوسيري أثناء تفصيله لطرفي العلامة باعتبارها مكونة من صورة سمعية ذات تمثيل صوتي وصورة ذهنية، إذ لا يمكن الفصل بينهما لضمان تحقق الدلالة. أما عن الجهاز المفهومي فيقول المؤلف بأن دريدا استن لاستراتيجيته مفاهيم تسمها وتميزها عن باقي النظريات والمناهج، فقد أكد على بعدها المتغير ودلالتها المتحولة وطابعها الهجين، وقوتها على الرجِّ والخلخلة حتى لا يقع في تناقض مع ما أكده من نقد لميتافزيقا الحضور، ونفي لصفة النظرية والمنهج عند التفكيكية، لأنه لو أرسى تفكيكيته على مفاهيم تابثة ذات دلالات ومعان إلزامية مستقرة لوقع في اتجاه مركزية الكلمة من جهة ولجعل من التفكيكية نظرية تابثة ذات قوالب جامدة، ونفى عنها صفة النشاط والتوثب التي تتمتع بها، إذ هي  نشاط إنساني يحدث حيثما يحدث شيء، ويقوم حيث هناك شيء قائم، ولا يمكن فهم التفكيكية إلا في سياق معين تحل فيه  كلمات أخرى أو تسمح لكلمات أخرى بأن تحددها، وهذه هي المقولات التفكيكية التالية: الاختتلاف[1] differance  الإرجاء والتأجيل واللاحقة ((ance في الفرنسية تحمل معنى الفعل وطاقته وهو ما يقابل المصدر في العربية ولها بُعدان : 1)     مكاني: وهو ما تدل عليه كلمة الاختتلاف والمغايرة والمفارقة  والتشتت وعدم التشابه، والدال على أن اللفظة لا تكتسب معناها في ذاتها وإنما في نسق الاختلافات، وأن المعنى ليس حاصلا في اللفظ بل نبحث عنه في سلسلة الاختلافات التي يشكلها، إذ في اختلافه وتضاده مع غيره يحيلنا على نفسه. 2)    زماني: نعبر عنه بالإرجاء والتأجيل، إن اللفظ في إطار هذه الاختلافات مع غيره من الألفاظ لا يكتسب معنى قارا في ذاته، بل يدخلنا في حلقة مفرغة من الإرجاء والتأجيل المستمرين، لأن الإرجاء مفهوم زمني تفرض فيه الدوال إرجاء لا نهائيا للحضور. وبهذا الطرح يكون دريدا قد ألغى العلامة اللغوية ونزع عنها أية صفة للكينونة، من هنا تصبح اللغة في حد ذاتها اختتلافا، اختتلافا بين دال صوتي ودال صوتي آخر، واختتلافا بين المدلول والمرجع وهذا ما يسميه بلعبة الاختتلافات التي تتحكم في عملية تأصيل وتعالي الدلالة، إن هذا الاختتلاف ليس كلمة ولا مفهوما ولا يعني التناقض بل كائن حاضر إلا أنه لا وجود له ولا ماهية. إن الاختتلاف يصبح انطلاقا من تعريف التفكيكيين للنص المركَز والغاية والبداية والنهاية، إنه ما قبل النص ما دام موجودا في اللغة، وما بعد النص إذا علمنا أن النص ينشده. ويعتبر دريدا الأثر المقولة الثانية للتفكيكية بعد الاختتلاف وذلك لأهميته في هدم ميتافيزيقا الحضور لأنه يشكل مصدر القوة في الكتابة ومصدر تشكيلها في آن واحد، وهو يعقب حركية الاختتلاف والإرجاء المؤديين إلى تحول الأصل إلى أثر لا لأصل، ويتضح أنه هو الآخر أثر لأصل، بمعنى انتفاء وجود أثر نقي وخالص، إنما الأثر النقي هو الاختتلاف، كما أنه الفاعل الأساس في تحقق شعرية النص وأدبيته، وذلك بدخوله في حوار وتجاذب وتصاد عميق مع باقي النصوص الأخرى السابقة عليه. إن مقولة الأثر لايمكن إدراكها إلا إذا علمنا أنها ليست إلا محاولة تفكيكية لنفي سمة الأصلية عن الأشياء، وكلمة أصل هذه مُحمَّلة بدلالة الحضور والبداهة والثبات والتعالي . وفي نظر التفكيكيين ليس ثمة أصل محض وأن الأصل يبدأ بالابتعاد عن مقام الأصلية بمجرد أن يتشكل كأصل فيجد نفسه مُجبرا على أن يمهد لمسار تأتي فيه الآثار المتتالية لتعدله في أصليته. إن مقولة الأثر لا يمكن إدراكها إلا إذا علمنا أنها ليست إلا محاولة تفكيكية لنفي سمة الأصلية عن الأشياء وما تحمله من دلالة الحضور والبداهة والثبات والتعالي. ويؤسس دريدا مقولته الثالثة القائمة على علم الكتابة grammathologie  والمقصود هنا كتابة  الاختتلافات  بوصفها أثرا، إذ هي سابقة عن  اللغة  ومتجاوزة لها  ومجهولة الماهية. وهكذا نصبح أمام نوعين من الكتابة: أ‌.        كتابة متمركزة حول العقل / النطق ليست إلا تمثيلا للكلمة المنطوقة، تخرج الكلمة من الطابع المنطوق إلى التجلي المكتوب، وهذا ما يرفضه دريدا. ب‌.   كتابة سامية شريفة وهي الكتابة النحوية التي تسبق الكلام وحتى اللغة وتقوم على التكرارية والمجاوزة واللاختتلافية. هذا على مستوى التنظير لهذه الاستراتيجية أما على مستوى تطبيقها  كإجراء فيصل في تمظهرها فإن المؤلف طبقها على مقطع شعري من قصيدة " الحمى" للمتنبي، وصرح بقدرة التفكيكية على فتح آفاق التأويل العلمي المقبول الذي يتيح تجاوز قراءات التمركز السابقة، والتي لم تخرج عن كون الحمى سكنت جسد الشاعر وأنها تزوره في المساء، باحثا عن البُنى المخلخلة التي تفترض تجاوز ظاهر المعنى.   فوقف عند لفظة " الظلام" التي شكلت منفذا للانفتاح على عوالم التأويل وعدم الاكتفاء بظاهر القول، فالحمى لا وقت لها وما دام هناك حديث عن وقت فالأمر لا يعدو أن يكون شيئا آخر غير الحمى المعروفة، ويعتبر هذه اللبنة ضعيفة وقابلة للخلخلة ويعوضها في مسلسل التأويل الذي يفتحه على القصيدة بلحظة الإبداع الشعري وما يصاحبها من نزع وألم، يسكن الشاعر لحظة الإبداع، ويعضد تأويلة ببنية أخرى  وهي تأكيد الشاعر على أن ملهمته وصلته رغم الزحام وما هي إلا إشارة إلى القصائد الباذخة التي يسربلها على المسامع.             أما النموذج الثاني فهو قصيدة " الثور والحضيرة" للشاعر أحمد مطر ، معنونا هذه الدراسة ب أحمد مطر من عالم الحيوان المردود إلى عالم الإنسان المقصود ،والتي سعى فيها إلى البحث عن اللبنات المخلخلة ،حاصرا إياها في بنية الحوار الدائر على لسان الحيوانات على شاكلة قصص كليلة ودمنة ،وشارحا لرمزيات كل حيوان على حدة معتمدا في ذلك أدوات حفر تفكيكة دون الإفصاح عنها ومستثمرا في الوقت ذاته القراءة التفاعلية ،الشيء الذي مكنه من أسر بعض الدلالات الثاوية خلف الرموز والتوريات. ليخلص في النهاية إلى نتيجة مؤداها مرونة القراءة التفكيكة ،وأنها كذلك قراءة مسيئة لامتناهية تنتظر قدوم قراءات جديدة تتجاوزها .                  [1]  لقد اقترحت هذا المفهوم أثناء هذه القراءة لتمييزه عن  مفهوم الاختلاف العادي الذي يناقض التشابه، وأتمنى ان يوافقني المؤلف  اجتراح هذا المفهوم انطلاقا من  حمولته الجديدة في أرضية التفكيكية .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل