المحتوى الرئيسى

الأنظمة العربية .. هل يصلح العطار ما أفسد الدهر ...؟ (2) بقلم:مسـَلم الكساسبة

04/20 17:19

مسـَلم الكساسبة إن التحول للإصلاح يعني فيما يعنيه فض الاشتباك بين الوطن ونظام الحكم وإلغاء ذلك التغلغل والتماهي بين الدولة والنظام ، تماهيا وتغلغلا يبلغ في كثير من الأحيان حدا يكون النظام أولا والوطن تاليا أو تابعا ، بل وابعد من ذلك إلى حد تقدم مصلحة النظام على مصلحة الوطن إذا تعارضت المصالح وتغدو مؤسسات الوطن وأجهزته خادمة للنظام أولا وللوطن من خلاله وتاليا عليه ، وبحيث يغدو النظام هو الثابت وهو الهوية وما عداه فمتحول قابل للنقاش ، بل ويتأصل لدى تلك الأنظمة عرف راسخ يتم من خلاله تعريف المواطنة والولاء من خلال وجهة نظر النظام نفسه .. وفيها ومن ضمنها أن نقد النظام أو معارضته هو خيانة للوطن وخروج على أسسه ، حيث النظام هو الوطن والوطن هو النظام في تلك الهيكلية المشوهة ، أو لنقل أنه لا توجد فواصل وحدود بينة واضحة بين ما هو نظام حكم وبين ما هي دولة ووطن ويصبح الجميع في خدمة النظام أولا ومن خلاله وبما يسمح به ويحدده الوطن تاليا . وهكذا في ظل ظروف كتلك فمعركة الإصلاح العربية معركة شاقة وشرسة لأننا أمام حالة لبنيان شيد أصلا على فساد وخلل - سواء على الأرض أو في العقول - هو جزء عضوي بنيوي من كينونته ودعامة أساسية فيه إذا ما قيس لما يجب أن تكون عليه أنظمة الحكم الرشيدة والديمقراطيات الحديثة .. وهو بنيان متغلغل في كل تفاصيل الحياة وفي العقول الكثيرة التي لم تعرف ولم تالف شكلا لنظام الحكم غير هذا الشكل الذي تعد المطالبة بإصلاحه هي كالمطالبة بالإطاحة به كنظام من حيث هي تتطلب تغييرات عميقة وجوهرية في بنيته الأساسية قلنا.. ومن حيث أن تغييرات كتلك تشبه أن تكون إعادة بناء بالكامل لذا تقف منها تلك الأنظمة موقف الحذر وتواجهها بتلكؤ ومماطلة حتى إذا ووجهت بعناد وإصرار كشرت عن أنيابها وأشهرت بلطجيتها وكل أدوات الرفض والمماحكة والمكر والكذب الشرس لديها. إن تلك الأنظمة برفضها وتلكؤها بالإصلاح الذي لا يحتاج منها سوى إرادة وقرار سياسي تمتلكه بالكامل بل ومغالبتها للشعب إما بالبلطجية أو بالقناصة أو لجان الحوار والمطمطة وسوى ذلك.. إنما تشهد على نفسها أنها أبنية متهالكة غير قابلة لأي إصلاح وأنها إما أن تبقى كما هي بالكامل أو أن تزول بالكامل ليتسنى للشعب الانتقال الى ابنية حكم ملائم لزمن مختلف عن أزمان السلاطين والعائلات الحاكمة الذي لم يعد ممكنا في زمننا هذا . وان الشعوب بالمناسبة قنوعة متواضعة جدا في مطالبها في بدايات ثوراتها حينما تطالب بترميم ذلك الحصن أو القلعة وتكييفها بما يطرد الهواء الفاسد منها لتغدو صالحة للحياة .. راضية قانعة أن تعيش في قلعة لم تعد تصلح إلا للأفاعي والهوام وما عد في رتبتها من كائنات . وأن تعيش في ظل الحزب القائد الأوحد مالك الرؤية الصائبة والحقيقة المطلقة أو العائلة المالكة للوطن وأمره وقراره والمتصرفة في كل شأنه إلى حد تعطيه اسمها وهويتها وكأنها تزوجته زواجا كاثوليكيا ؟! لكن مع ذلك فإن الرفض والمماطلة تأتي وللغرابة الشديدة من الأنظمة ذاتها حين تأبى إلا أن تظل قابعة متحصنة في تلك القلعة ضد أي تغيير أو إصلاح ! مختطفة معها شعبا ووطنا بأسره ليعيش في قلعتها التي لم تعد تعجب أحدا سواها . عند ذلك تجد الشعوب نفسها مضطرة أن تبدأ بنقض حجارة تلك القلاع وأن تهتف : الشعب يريد هدم القلعة ونقض حجارتها وتجريف مكانها لبناء آخر يليق بوطن حر وشعب كريم .. الشعب يريد ان يتنفس هواء نقيا غير هواء الحصون الملوث برطوبة الكتمان وانفاس العسس واتربة العتمة والعماء. إن ميزة ثورات الإصلاح العربية الحديثة تكمن في أنها تؤسس لتحولات جذرية وعميقة سيتواضع عليها الفرقاء في النهاية ولتخلق وتكرس واقعا جديدا ووعيا جديدا ومقولات ومفاهيم جديدة في الحكم والسياسة .. وتحطم حواجز وخطوطا حمراء وتكسر تابوات كانت بمثابة التروس التي تتحصن خلفها الأنظمة .. بحيث لن يعودوا بعدها أبدا لما كان قبلها .. وسواء تغيرت تلك الأنظمة أو بقيت أو رقعت ترقيعا ، لكننا في النهاية وحتما سننتقل إلى عصر جديد فيما يتعلق بمفاهيم الحكم والسلطة والنظام السياسي ، عصر لن تكون تلك الأنظمة التي تخلفت عن التغيير قادرة على العيش والاستمرار فيه وضمن شروطه .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل