المحتوى الرئيسى

كلماته الثاقبه سبب نفيه ؟ بقلم: وجيه ندى

04/20 15:10

كلماته الثاقبه سبب نفيه ؟ عمل كاتباً في أخبار اليوم وبعدها عمل في جريدة المصري ثم نجح بيرم في الحصول على الجنسية المصرية فيذهب للعمل في جريدة الجمهورية ، وقد قدّم بيرم أعمالاً أدبية مشهورة ، وقد كان أغلبها أعمالاً إذاعية منها ( سيرة الظاهر بيبرس ) و ( عزيزة ويونس ) وفي سنة 1960م يمنحه الرئيس جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية لمجهوداته في عالم الأدب . غنّت له أم كلثوم عدة قصائد مما ساعد على انتشاره في جميع الأقطار العربية ، وظل إلى آخر لحظة في حياته من حملة الأقلام الحرة الجريئة ، وأصحاب الكلمات الحرة المضيئة حتى تمكن منه مرض الربو وثقل السنين فيتوفى بعد أن عاش 69 عاماً ولد الشاعر الشعبي بيرم التونسي (محمود محمد مصطفى بيرم) في الإسكندرية في 3 مارس 1893م ، وسمي التونسي لأن جده لأبيه كان تونسياً ، وقد عاش طفولته في حي شعبي " السيالة " ، إلتحق بكُتّاب الشيخ جاد الله ، ثم كره الدراسة فيه لما عاناه من قسوة الشيخ وضربه له ، فأرسله والده إلى المعهد الديني وكان مقره مسجد أبي العباس ، مات والده وهو في الرابعة عشرة من عمره ، فانقطع عن المعهد وارتد إلى دكان أبيه ولكنه خرج من هذه التجارة صفر اليدين .كان محمود بيرم التونسي ذكياً يحب المطالعة تساعده على ذلك حافظة قوية ، فهو يقرأ ويهضم ما يقرؤه في قدرة عجيبة ، بدأت شهرته عندما كتب قصيدته " بائع الفجل " التي ينتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية الذي فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة النهوض بالعمران ، وبعد هذه القصيدة انفتحت أمامه أبواب الفن فانطلق في طريقها ودخلها من أوسع الأبواب . أصدر مجلة المسلة في عام 1919 م وبعد إغلاقها أصدر مجلة الخازوق ولم يكن حظها بأحسن من حظ المسلة . نفي إلى تونس بسبب مقالة هاجم فيها زوج الأميرة ( فوقية ) ابنة الملك فؤاد ، ولكنه لم يطق العيش في تونس فسافر إلى فرنسا ليعمل حمّالاً في ميناء ( مرسيليا ) لمدة سنتين ، وبعدها استطاع أن يستقل احد السفن ولكن يلقى عليه القبض مرة أخرى لتنفيه السلطات إلى فرنسا ويعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية ولكنه يُفصل من عمله بسبب مرض أصابه فيعيش حياة ضنكاً ويواجه أياماً قاسية ملؤها الجوع والتشرد ، ورغم قسوة ظروف الحياة على بيرم إلا أنه استمر في كتابة أزجاله وهو بعيد عن أرض وطنه ، فقد كان يشعر بحال شعبه ومعاناته وفقره المدقع . وفي عام 1932 يتم ترحيل الشاعر من فرنسا إلى تونس لأن السلطات الفرنسية قامت بطرد الأجانب فأخذ بيرم يتنقل بين لبنان وسوريا ولكن السلطات الفرنسية قررت إبعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله الساخرة واللاذعة إلى إحدى الدول الأفريقية ولكن القدر يعيد بيرم إلى مصر عندما كان في طريق الإبعاد لتقف الباخرة التي تُقلّه بميناء " بور سعيد " فيقف بيرم باكياً حزيناً وهو يرى مدينة بور سعيد من بعيد ، فيصادف أحد الركّاب ليحكي له قصته فيعرض هذا الشخص على بيرم النزول في مدينة بور سعيد ، وبالفعل استطاع هذا الشخص أن يحرر بيرم من أمواج البحر ليجد نفسه في أحضان مصر .بعدها أسرع بيرم لملاقاة أهله وأسرته ، ثم يقدم التماساً إلى القصر بواسطة أحدهم فيعفى عنه وذلك بعد أن تربع الملك فاروق على عرش مصر ومن حكاياته الفنيه عندما سمع بوفاة سيد درويش بكى وناح فكتب لجريدة "الشباب" زجلاً: سجد وراح في كل بيت يقول لهم: "أنا هويت" السيد اللي لو ضرب الجن يسحرها الطرب والترك تفهم والعرب السيد اللي فات لنا كنوز تعيش مليون سنه ومن القصائد التي مازالت تتردد الى الان قصيدة ( المجلس البلدي ) والتي كتبها بيرم في بدايات القرن الماضي اثناء فترة الاحتلال لمصر وهذا مقطع من القصيدة : قد اوقع القلب في الاشجان والكمد هوى حبيب يسمي المجلس البلدي أمشي واكتم انفاسي مخافة ان يعدها عامل للمجلس البلدي ما شرد النوم عن جفني القريح سوى طيف الخيال خيال المجلس البلدي اذا الرغيف اتي فالنصف اكله والنصف اتركه للمجلس البلدي وان جلست فجيبي لست اتركه خوف اللصوص وخوف المجلس البلدي وما كسوت عيالي في الشتاء ولا في الصيف الا كسوت المجلس البلديكأن امي بلّ الله تربتها اوصت فقالت اخوك المجلس البلدي اخشي الزواج اذا يوم الزفاف اتي أن ينبري لعروسي المجلس البلدي وربما وهب الرحمن لي ولدا في بطنها يدعيه المجلس البلدي يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال وكم للمجلس البلدي ؟!!... شاعر ترك للموت راحته فقتله احتراق جحيم الكلمة.. وثائر ضرب عرض الحائط بالثوابت السياسية في عصره المظلم فدفع الثمن من دمه وعمره.. وتكالبت عليه المؤامرات وكأنه رسول عصره، ولا غرابة في ذلك فقد كانت الكلمة الإبداعية في ذلك الزمن سلاحا يعطي ثماره إذا امتلكه من يحسن فنون قتاله مثل بيرم. تمرد شاعرنا على كل شيء على الشيخ الذي درسه لقساوته.. وعلى الحياة وعلى الموت الذي قتل والده وعلى الفقر الذي أورثه إياه.. وحينما وصل به التمرد إلى الخطوط الحمراء حيث الملك وحاشيته كان لا بد من وضع حد للشاعر المتطاول على قدسيات المجتمع, فمورست ضده أكبر جريمة ترتكب في الوجود وهي النفي من غير منفى.وصل بيرم إلى تونس وكان أول ما هم بمعرفته هو سبب طرده من مصر، ثم البحث عن أصوله التونسية، وبالفعل استطاع الوصول إلى أصوله وأهله، وفوجئ بهم يذكرون أول ما يذكرون أصله، وأنه "ولد الجارية" التي أهداها السلطان التركي لجدهم، فيتركهم بيرم وهو يشعر بأنه منفي إلى بلد غريب عنه. لم تترك هذه الفترة -الأربع سنوات- التي قضاها في تونس إلا حسرة شديدة في نفسه.. لكنه مع ذلك تمكن من إصدار ثلاث صحف ينتقد فيها الوضع السياسي للبلد التي كانت تتخبط في فساد هرب منه في مصر ليجده أينما حل. تمكنت السلطات الإستعمارية من حظر جميع صحف بيرم اللاذعة والمليئة بلغته الساخرة التي لاقت رواجا في البلاد العربية.. ونلاحظ قوة بيرم في تمكنه تحت كل هذه الضغوط النفسية والسياسية من إقامة علاقات جيدة وتواصل أدبي وثقافي وإنساني قوي مع عدد من الأدباء والمثقفين في تلك المرحلة من حياة تونس وخاصة أعضاء "جماعة تحت السور". ينفى بيرم إلى فرنسا ليعمل حمالاً في الميناء لمدة سنتين، ثم يقوم بتزوير جواز سفر ليعود به إلى مصر، فيعود إلى شعره الزجلي الذي ينتقد فيه السلطة والاستعمار، ويقبض عليه مرة أخرى لتنفيه السلطات إلى فرنسا ويعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية ولكنه يُفصل من عمله بسبب مرض أصابه فيعيش حياة الضنك ويواجه أياما قاسية ملؤها الجوع والتشرد. ويتلقى بيرم عواصف الحياة منتصبا صلبا لا تزعزعه العواصف ولا تهنهنه الصروف يتنكر له الكثير من أصحاب الجرائد التي يراسلها فيعبر عن آلامه ويقول: الأوّله مصر، قالوا تونس ونفوني والتانيه تونس، وفيها الأهل جحدوني والتالته باريس، وفيها الكل نكرونىورغم قسوة ظروف الحياة على بيرم إلا أنه استمر في كتابة أزجاله وهو بعيد عن أرض وطنه، وفي عام 1932 يتم ترحيل الشاعر من فرنسا إلى تونس لأن السلطات الفرنسية قامت بطرد الأجانب فأخذ بيرم يتنقل بين لبنان وسوريا ولكن السلطات الفرنسية قررت إبعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله الساخرة واللاذعة إلى إحدى الدول الأفريقية ولكن القدر يعيد بيرم إلى مصر عندما كان في طريق الإبعاد لتقف الباخرة التي تُقلّه بميناء "بورسعيد" فيقف بيرم باكيا حزينا وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد ثم يساعده أحد الأشخاص في دخول مصر ليجد نفسه في أحضانها بعدها قدم التماسا إلى القصر فيعفى عنه وذلك بعد أن تربع الملك فاروق على عرش مصر. لم يكن بيرم الذي ظلت لعنة المطاردة السياسية وراءه يجد بدا من قول ما يزيد من معاناته التي رأى فيها متنفسا له من كدر الواقع الذي تمر به بلده بل بلاده العربية: تجاذبت بيرم التونسي قصائد العشق والسياسية فأتحف سيدة الغناء العربي أم كلثوم بأجمل ما غنته مثل رائعتها "هو صحيح الهوى غلاب" و"الأولة في الغرام" و"أنا وإنت" وأغنية "غني لي شوي شوي" بالإضافة إلى أغنية الحب الصوفي والعشق الرباني "القلب يعشق كل جميل". كانت أم كلثوم تقدر شاعرنا الراحل وتحترمه ولم تترد في الغناء له.. ولعل إذاعتها لخبر وفاته في الإذاعة المصرية ونعيها له على الهواء مباشرة أكبر دليل على عمق الصداقة والاحترام بين أسطورة الغناء وأسطورة القصيدة العامية. ما بين مولده في الإسكندرية عام 1893 وبين وفاته عام 1961 ترك بيرم منتجه الشعري، الذي أحيا القصيدة العامية بعد أن كانت قد اندثرت عبر عصورها الطويلة، ليستمر عبر تلامذته فؤاد حداد وصلاح جاهين وعبد الرحمن الابنودى الأبنودي وفؤاد نجم ولكن مرض الربو وثقل السنين يتمكنا من شاعرنا ليتوفى في 5 يناير 1961م . المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيـــه نـــدى وللتواصل 0106802177 - [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل