المحتوى الرئيسى

د. ماجد رمضان يكتب: بهلول ورؤساء هذا الزمان

04/19 21:56

كان الملوك يحضرون مجلسهم العام بعد حضور الناس، لكى يقوم الناس بجماعتهم لتعظيمهم ولا يقومون لأحد، وفى يوم كان مع الداخلين بهلول، ولما دخل هارون الرشيد وقبل جلوسه على كرسيه، قام بهلول وجلس على كرسى الملك قبله، وبقى هارون واقفا، فأخذ الحرس بهلول وبدءوا يجلدونه ويضربونه ويركلونه أمام الملك والناس، فأخذ بهلول بالبكاء والعويل والصياح والصراخ، وبعد فترة من الضرب والجلد والركل، أمر هارون الرشيد بالكف عنه . وقال له هارون: هل أوجعك الضرب والجلد ؟ قال بهلول: لا فقال له هارون: إذن لماذا هذا البكاء والعويل والصياح والصراخ إذا لم يوجعك الضرب؟ قال بهلول: بكيت عليك ولم أبك على نفسى !! فقال هارون: وكيف والضرب والجلد وقع عليك والبكاء والصراخ صدر منك ؟!! فقال بهلول: أنا جلست على هذا الكرسى أقل من دقيقة وأنالنى من الضرب من الجند والحرس، ما قد رأيت لولا أن تأمرهم بالكف عنى لما كفوا، وأنت جالس على هذا الكرسى سنين، فكم ستحصل عليه من الضرب والجلد من جند الله وملائكته وحرس جهنم ولا يكف عنك، فلذا شغلنى حالك عن حالى وبكيت عليك . تزاحمت الصور أمام عينى صورة صدام حسين عند إخراجه من مخبأه، صورة بن على وهو يغادر تونس، صورة مبارك وهو جالس أمام المحققين، وهكذا هم طغاة التاريخ فى مختلف العصور، إنهم لا يتصورون أنهم سوف يتركون أماكنهم يوما ما، فيفسدون ويظلمون وينهبون ويقتلون شعوبهم بهدف الحفاظ على الكراسى التى يجلسون عليها، ولا يستفيد أحد منهم من دروس التاريخ، ولا يفيق إلا عندما يصطدم بواقع أليم ونهاية تعيسة، وربما لا يفيق حتى بعد زوال حكمه ونهاية عهده. صورة بغيضة من الصور التى يذكرها التاريخ، ويمضى موكب الطغاة، ولا ينسى التاريخ أبدا أن الذين كبلوا شعوبهم فى الأغلال، وأقاموا الحواجز ضد حريتهم ولم يرعوا كرامتهم، ولم يصونوا آدميتهم قد زالوا وبقيت شعوبهم، ولا يذكر عبر صفحاته لهم إلا صب اللعنات عليهم، وعلى أيامهم السوداء. ويبقى تساؤل؟ هل لو بهلول كان موجودا فى زماننا اليوم ماذا كان سيقول لهم، وهل كانوا سيستمعون لما يقول، أم أنه كان سيقضى بقية حياته فى غياهب السجون بعد سحله وضربه ؟ ويا ترى كم سيحصل كل رئيس من هؤلاء من الضرب والجلد من جند الله وملائكته وحرس جهنم ؟ أفلا يعتبر الطغاة ممن سبقهم ويستمعوا لوليد الأعظمى وهو يصيح فيهم مذكرا لهم بمصارع من سبقهم: يا تائها غره مال ومنــزلة لا تنسى قبلك فرعونا و قارونا صالوا وجالوا وباعوا واشتروا وطغوا وسخروا بالملايين الملايينا وحاربوا الله فاسودت وجوههم وأصبحوا مثلا للمستبدينا فليعتبر من له قلب وباصرة وليتئد من يداجى فى تصافينا وصدق الله عز وجل بقوله "ولا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعى رءوسهم لا يرتد طرفهم وأفئدتهم هواء" ( إبراهيم 42-43 ).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل