المحتوى الرئيسى

لماذا يركب الرؤساء العرب رؤوسهم؟

04/19 18:28

السؤال يطرح بإلحاح شديد هذه الأيام و نحن نرى ما يقترفه حكامنا العرب في حقّ أنفسهم و في حقّ شعوبهم.نستغرب كيف لم يستفد اللاحق من السابق في ترتيب السقوط. و نبحث عن تفسير لإصرارهم على التمسّك بعروشهم و قد زلزلت الأرض من تحتها. ونذهل لسيرهم في نفس الطريق الملوّثة بدماء الأبرياء، و إعراضهم عن فهم المطالب التي ترفع في وجوههم بلهجة الغضب بعد طول انتظار و صبر على الذلّ و الهوان. نبحث عن تفسير لكلّ هذه الصبيانيّات التي نراها في مسلكهم فنجده في كتاب "الأدب الكبير والأدب الصغير" لعبد الله بن المقفّع رحمه الله لما بيّنه من الحكمة و أثبته في مجموعة من البنود التي سمّاها مطالب وجّهها لكلّ من يرجو السلامة لنفسه و عرضه سواء كان حاكما أو محكوما، صديقا أو عدوّا. في المطلب عدد 81 و عنوانه: "في مخالفة ما يكون أقرب إلى هواك" نقرأ ما يلي: "إذا بدهك أمران لا تدري أيهما أصوب فانظر أيّهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإنّ أكثر الصواب في خلاف الهوى" (1) نصيحة ثمينة لكلّ من يعي مقدار حكمتها و هي ترشد إلى ضرورة الاحتكام إلى العقل في تدبير شؤوننا لأنّ القرار الصائب لا يمكن أن ينبع من عاطفة لا تراعي سوى مصلحتها الخاصّة. حكاّمنا لا يعرفون هذه الحكمة و لكنّهم يثبتون صحّتها لأنّ ما يصدر عنهم منذ أن تولّوا أمرنا لا يلبّي إلاّ مصالحهم الضيّقة بحبّهم للسلطة و الجاه و احتكارهم للثروة التي يكدّسون في خزائنهم و خزائن أُسَرهم و البطانة التي تحيط بهم. لم يخالفوا هواهم فخالفتهم شعوبهم و كشفت بثورتها حجم أكاذيبهم و حجم ثرواتهم التي نهبت منهم. و تنتظر الشعوب- في ليبيا و اليمن و سوريّة و البقية تأتي- أن يستجيب حكاّمهم إلى مطالبهم فنشاهد كيف يركبون رؤوسهم و لا يعترفون بصوت الحقيقة الذي يدوّي من حولهم و لا يسمعون النداءات المطالبة بالحريّة والعدالة بل يصرّون على اغتصابها. فلماذا لا يهتدون إلى طريق الفكر الصائب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و إصلاح ما يمكن إصلاحه. و لماذا لا يستجيبون؟ يجيبنا العالم بسرّهم و نجواهم في آية تؤيّد ما ذهب إليه ابن المقفّع إذ يقول الله جلّ و علا:" فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتّبعون أهواءهم و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من الله, إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين" - القصص 50 – هذا المسلك المنحرف عن الصواب لم يسعف بن علي و مبارك و الأكيد أنّ القذافي في ليبيا و صالح في اليمن و الأسد في سوريّة سائرون جميعا على غير هدى بسبب ظلمهم و و انزلاقهم في مراعاة مصالحهم و أهوائهم. لكنّ الغريب في الأمر أنّ بعض المحيطين بالقذافي من الوزراء الذين انشقّوا عنه، عملوا من حيث يدرون أو لا يدرون بإحدى نصائح ابن المقفّع الذي قال في بنده الرابع و العشرين:" إذا ابتليت بصحبة وال لا يريد صلاح رعيّته فاعلم أنّك خيّرت بين خلّتين (يعني:خصلتين) ليس منهما خيار: إمّا الميل مع الوالي على الرعيّة و هذا هلاك الدين، و إمّا الميل مع الرعيّة على الوالي، و هذا هلاك الدنيا، و لاحيلة لك إلاّ الموت أو الهرب"(2) فعل ذلك علي العريشي و مصطفى عبد الجليل و شلقم الذين اختاروا الميل مع الشعب ضدّ الدكتاتور و كان موسى كوسا آخر المنشقّين الهاربين من جحيم القذافي و لعلّ الأيّام القادمة ستأتينا بأخبار من سيتخلّى عن الأسد و غيره من أشباه الأسود الذين ستسقطون تباعا في بؤرة جشعهم و عاقبة ظلمهم. عبد الرزاق قيراط – تونس. ــــــــــــــــــ 1 عبد الله ابن المقفّع - الأدب الكبير و الأدب الصغير- طبعة دار الجيل بيروت- ص 114 2 عبد الله ابن المقفّع - الأدب الكبير و الأدب الصغير- طبعة دار الجيل بيروت- ص 32.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل