المحتوى الرئيسى

مصر وانتفاضة الشعب الليبى

04/19 10:29

ليبيا ليست مجرد دولة ترتبط مع مصر بعلاقات جوار تقليدية، فبالإضافة إلى الروابط التاريخية والمصالح المتداخلة بين الشعبين الليبى والمصرى على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ليبيا تشكل عمقاً استراتيجياً لمصر، كما تشكل مصر عمقا استراتيجيا لليبيا، وبالتالى من الطبيعى أن تؤثر الأحداث التى تمس الأمن الوطنى فى أى من البلدين على الأمن الوطنى للبلد الآخر. ولأن ليبيا تمر الآن بلحظة فاصلة فى تاريخها الحديث، فمن المؤكد أن تكون لما يجرى فيها حاليا تداعيات بعيدة المدى على أمن مصر، خصوصا أن تطورات الأحداث هناك فتحت الباب على مصراعيه أمام «تدويل» فعلىّ للمسألة الليبية. ويصعب - فى ضوء هذا «التدويل» - فهم الموقف الراهن للدبلوماسية المصرية، الذى يبدو أنه ينطلق من التزام طوعى بمبدأ مثالى يقضى بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية. غير أن هناك أسباباً كثيرة، قانونية وسياسية وأخلاقية، تبرر الدعوة إلى إعادة النظر فى هذا الموقف، منها: 1- ضرورة التسليم بحق الشعب الليبى فى الثورة على نظام حكم جثم على صدره لفترة تزيد على أربعين عاما، ونهب ثروته أو بددها فيما لا طائل من ورائه، ويصر على توريث السلطة. فمن واجب الشعوب الأخرى أن تقدم للشعب الليبى المغلوب على أمره كل ما تستطيع من عون لتمكينه من نيل حريته.  2- عدم جواز لجوء النظام الليبى للقوة المسلحة أو الاستعانة بمرتزقة لقمع انتفاضة شعبه والمصادرة على حقه فى التعبير بالوسائل السلمية عن رغبته فى تغيير نظامه الحاكم، الذى لا يجوز أن يستمد شرعيته من إرادة أخرى سوى إرادة شعبه.  3- صدور قرار من مجلس الأمن يبيح تقديم المساعدة لحماية المدنيين بكل الوسائل المتاحة، بما فى ذلك مدهم بأدوات القوة التى تمكنهم من حماية أنفسهم. أستطيع أن أتفهم الأسباب والدوافع التى تكمن وراء تردد صناع القرار فى مصر، خاصة فى الظروف الحالية، وعزوفهم عن اتخاذ موقف أوضح وأقوى لدعم ثورة الشعب الليبى، غير أننى أعتقد، مع ذلك، أن المحنة التى يمر بها الشعب الليبى، من ناحية، والحاجة لحماية المصريين العاملين فى ليبيا، من ناحية ثانية، والسلوك الدموى الشاذ للعقيد الليبى، والذى يعرّض أمن بلاده لخطر الاحتلال والتفتيت، من ناحية ثالثة، وخطورة ترك الساحة لحلف الناتو، من ناحية رابعة.. كلها عوامل تفرض على مصر أن تخرج عن صمتها. وفى تقديرى أن بوسع مصر أن تسهم فى حسم الصراع الدائر فى ليبيا حاليا لصالح الشعب الليبى إن هى قررت: 1- إدانة الجرائم التى يرتكبها القذافى فى حق شعبه وتحذيره من استخدام المدنيين كدروع بشرية. 2- الاعتراف بالمجلس الانتقالى كممثل وحيد للشعب الليبى.  3- فتح باب التطوع لمن يرغب من الشعب المصرى فى المساهمة فى حماية المدنيين، خاصة من جانب قدامى العسكريين.  4- تجميد أموال العقيد القذافى فى مصر، وتمكين المجلس الانتقالى من الاقتراض بضمانها لتمويل احتياجات الشعب الليبى من السلاح أو من الغذاء والدواء. لست مستريحا للطريقة التى يدير بها حلف الناتو الأزمة الليبية، وأظن أنها تساعد على إطالة أمد الصراع الدائر هناك وتحويله إلى ما يشبه حرباً أهلية ممتدة، وهو ما قد يفتح الباب أمام تفتيت الدولة الليبية. وليس من المستبعد مطلقا أن تكون تلك سياسة مقصودة لتقسيم هذه الدولة الغنية بالنفط إلى مناطق للنفوذ وتوزيعها على الدول الغربية المتنافسة، وهو من شأنه أن يلحق ضررا كبيرا بأمن مصر الوطنى. انشغال المسؤولين بترتيب البيت المصرى من الداخل والتأسيس لنظام ديمقراطى لا يعنى أن تنكفئ مصر على نفسها أو تغض الطرف عما يدور حولها. فكما أن على هؤلاء واجب حماية الشعب المصرى مما يهدد وحدته وتماسكه فى الداخل، عليهم أيضا واجب الدفاع عن مصالحه فى الخارج.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل