المحتوى الرئيسى

دموع مصرية

04/17 23:27

زحام وطقطقة العظام عشان عشرين رغيفا‏.‏ قطع نفس وشعبطة في الأوتوبيس عشان الشغل أو التطفيش‏.‏ معارك وسباب عشان أنبوبة بوتاجاز أو أكل سخن مفيش‏.‏ دي مشكلات يومية في يوم بديع ترقبه طويلا‏.‏ أمسك بالعصا ووقف في الشارع بعصاه. وأخذ يصرخ: عاوز أعيش باحترام لأني إنسان, عاوز أعيش باحترام لأني إنسان. التفت إليه المارة, رمقوه بنظرات تعجب وتفحص تبحث له في عقلها عن وصف: مجنون, حشاش, طائش, متهور, همجي.. إلخ. لكن الناس تسمرت, فتحت أفواهها: إنه يصرخ لي, إنه يقول ما بداخلي, إنه كأنه أنا. منظره.. انفعاله.. لن أجعله وحيدا, لن أجعله وحيد. وأخذت تهز يديها كأنها تقوي نفسها علي الحراك, لن أجعله وحيدا. سارت إليه, أمسكت يده ورفعتها عاليا, وتلاحمت حروف كلماتهما معا: عاوز أعيش باحترام لأني إنسان, ومرت بحالة تغيب عن الوعي, سرحان, أو كما توصف في السينما: فلاش باك. كأنها تذكرت كل من جرح كرامتها, من موظف الطابونة لموزع أنبوبة البوتاجاز, لعسكري الشرطة, كل الذين أهانوها. إنهم أمام عينيها, وهذا صوتها يصرخ في وجههم: عاوز أعيش باحترام لأني إنسان. أحست بأن صوتها بدأ يتلاشي رويدا رويدا, وأن زئيرا حولها قد بدأ يعلو شيئا فشيئا, وأن أيادي كثيرة تمسك بيديها وترفعهما عاليا, وأن صوت الحروف أصبح كالمدافع عبر حيز الميدان المعطل مروريا, وأن من حولها ليس واحدا ولا اثنين, بل أعدادا تتلاحم, كأن جرحا ما حدث والجسم يرسل دفاعاته لهذا الجرح ليوقف نزيفه. الأعداد تتزايد وصوتها ضاع, لكن إيقاعا سيمفونيا جديدا بدأ يظهر, وكأنه شعاع ليزر قوي كسر حاجز الخوف. كل الحناجر تهتف بصوت مدو ترتجف له أجساد الظلمة والفاسدين والطغاة, صوت اشتاقت هي أن تسمعه, أن تهيم فيه عشقا وتقوله غزلا في تلك اللحظة, لحظة انفجار عواطفها, لأن التراكمات كثيرة وكثيرة, والصبر أصبح مستحيلا. صوتها الذي تضامن مع صوت فريد وحيدا في البداية تشجعه الآن أعداد لا تحصي. المكان اكتظ بما لا يتحمل. تراصت علي الرغم من ذلك الأعداد بالشوارع الملاصقة والملاصقة والملاصقة. كأنها سيول جرف جاءت لتجتث الظلم وأشجار الفساد من ذلك المكان الطاهر والمدهش والغريب. إن الكل كأنه ينتظر أن يبدأ أحد, وأؤكد أن الكل كأنه ينتظر أن يبدأ أحد. وعندما وصلهم صوت الصرخة كان الرد والتلبية عظيمة. لم تترك شارعا صغيرا ولا كبيرا, ولا حارة ولا عزبة ولا نجعا إلا وصلته. والسعيد أن الرموز الحاكمة بعد مرور ثلاثة أيام متصلة لهؤلاء الثائرين في مكانهم لا يقولون سوي: عاوز أعيش باحترام لأني إنسان, عرفوا أن الحل هو رجوع الحق لأصحابه, واختار الشعب رموزا جديدة عادلة, وحكمته بالعدل سنين وسنين. أتذكر أن هذا اليوم كان في عام2010, لكني تخونني الذاكرة, فأنا اليوم في الخامسة والستين.. ووقتها كنت في أواخر الأربعينيات, آه.. كانت أيام الله لا يرجعها. 30 يناير محافظة العدالة شارع الثورة الكبري عمارة المواطن المحترم سوهاج في2010/1/1

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل