المحتوى الرئيسى

إسكندريلا.. روح الثورة

04/17 08:02

عندما جلسوا أمامى فى الاستوديو، وبدأ كل منهم يطلق العنان لأحلامه ولإبداعه، بدأت أصدق أن ثورة حقيقية انطلقت من ضفاف النيل. فرقة من شباب مصر انبعثت فيها جينات سيد درويش وفؤاد حداد وصلاح جاهين والشيخ إمام وعبده داغر وغيرهم من هؤلاء العظماء الذين قالوا «لا» فى وجه من قالوا «نعم» عندما كان ثمن قولة الحق أفدح كثيراً مما نعرفه الآن. بذور ثورة 25 يناير؟ أزعم ذلك. وإلا فكيف يمكن أن نفسر تغلغل كلماتهم وأوتارهم وأصواتهم فى شرايين شباب اليوم؟ وكيف يمكن أن نفسر ذوبان ميدان التحرير وانفعاله اللاإرادى كلما غنى شباب إسكندريلا بينهم هذه الكلمات التى كتبت قبل نحو قرن؟.. «عاديك على اللى اداتلو الدنيا إيشى وبقالو شركة وبتاعة، تشوفنا إحنا تقول حنفية وتشوفه هو تقول بلاعة».. يزيد انفعال ميدان التحرير مع هذه الكلمات فيصير جزءاً لا يتجزأ من عملية الإبداع فينطلق فى حنجرة واحدة صائحاً بين المقاطع: «بفلوسنا.. بفلوسنا..». ثم يزيد عليها بخفة الدم المصرية الشهيرة: «.. كنتاكى.. كنتاكى». بكل ما فيه من روعة ومن جمال ومن سلطنة، ليس هذا طرباً من أجل الطرب. بل إنه طرب يكشف النقاب عن كوكبة من القيم التى ظننا أنها إما تاهت وسط الزحام أو قُتلت مع سبق الإصرار والترصد. هكذا يدرك الشعب، بفطرته، أنه هبة الوطن وصانعه فى الوقت نفسه. يدرك أن ثمة فارقاً شاسعاً بين مصر وحكام مصر. يدرك تلك الأكذوبة الفاجرة التى سلطوها سيفاً على رقابنا كى يظن الناس أن من يقف فى طريقهم يقف فى طريق مصر. هذا هو الإرهاب الحقيقى السافر السافل الذى أرادوا لنا أن ننحنى تحت وطأته عقوداً طويلة. غير أن عيدان الذرة لا تنحنى كلها مرة واحدة مهما اشتدت قسوة الريح. وحتى إذا فعلت فسرعان ما تنبثق الأرض مرة أخرى عن بذور طازجة تحمل فى أنسجتها خريطة الجينات التى أبداً لا تموت. كأن مصر فى هذه الأيام، منذ الخامس والعشرين من يناير، فى سباق مع الزمن تريد أن تثبت لنفسها أولاً، وللآخرين فى الداخل وفى الخارج ثانياً، أنها ليست «قذرة» مثلما كان يراد لها أن تدرك حين تنظر فى المرآة كل صباح. كأنها تستفيق فجأة فتدرك أنه لم يكن يراد لها، عمداً مع سبق الإصرار والترصد، أن تطرح أفضل ما فيها وأروع ما فيها وأنقى ما فيها. كأنها تغلى، تفور، تموج، تهدر، تتزلزل، تتبركن، تنوء تحت الصليب والهلال حافيةً عاريةً فى لحظة الصعود الحاد على طريق الآلام والأشواك فى ارتفاعها إلى لحظة من التطهر قادمة لا محالة. هى مطمئنة فى لحظات القلق والتوتر، فلماذا أنتم قلقون متوترون فى لحظات الاطمئنان؟ اتركوها تغلى إن كنتم معها أو لم تكونوا، يا ويل من يقترب من قطة فى لحظة المخاض. السؤال الآن: كيف استطاع نظام أن يكتم هذا الإبداع كله فى النفس، وهذا الجمال كله فى الروح، بينما نحاسبه الآن على مجرد حفنة من الدولارات؟ هذه هى التهمة الحقيقية التى نضعها اليوم بين يدى النائب العام. [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل