المحتوى الرئيسى

الهدنة الإسرائيلية بوابة الحرب الجديد

04/16 23:19

يعتبر مفهوم (Strategos) واحد من أشهر تلك المصطلحات المستخدمة في إدارة البنية التنظيمية لأي كيان على وجه الأرض، وذلك لشمولية المصطلح، ثم لقدرته على تحقيق المحال القابل للتصديق على المدى البعيد، وفقاً للإمكانيات المتاحة في المدى القريب، وعليه فإن دراسة الأبعاد الإستراتيجية للكيان الصهيوني، ومن ثم تحليلها والإحاطة بكل تفاصيلها، هو جزء مهم في آليات إدارة المقاومة. في الحقيقة إن حصر الاستراتيجيات الفكرية والسياسية والأمنية وحتى الإعلامية عند الإسرائيليين، وتأطيرها وقولبتها بنماذج جاهزة للاستعانة بها عند أي تحليل للمشهد السياسي والعسكري، دون الانتباه إلى طبيعة الفكر الاستراتيجي البرغماتي عندهم، والقادر على قراءة المتغيرات الدولية والمقتنص للفراغ الحاصل في بنية التكتلات الإقليمية في الشرق الأوسط، ربما سيؤدي إلى خلل واضح في القدرة على التنبؤ بطبيعة الحراك الإسرائيلي، ومن ثم إلى خلل أكبر في وضع السياسات المقاومة لهذا الحراك . وأعتقد أن كل تلك التحليلات السياسية التي تطالعنا بها الصحافة العربية، لمثقفين ومحللين ومهتمين بالمشهد السياسي، والتي تأخذ باستحالة قيام أي معركة في الوقت الحالي بناء على معطيات الاستراتيجيات الأمنية الإسرائيلية المعروفة، ولقراءاتها العربية، ربما عليها مراجعة حساباتها، والانتباه إلى طبيعة الواقع الإشكالي في البنية السياسية للحكومة الإسرائيلية، ثم إلى خطورة رغبتها في استعادة التوازن على الأرض . صحيح أن حالة من التخبط والارتباك والقلق الواضح بدأت ترسم ملامحها في طبيعة الخطاب الرسمي عند الإسرائيليين، نتيجة لسقوط الكثير من الأنظمة الداعمة، وخوف الأخرى من التبني، وصحيح بأن هذا مؤشر للكثير من الانتكاسات البنيوية للمادة الصلبة التي قامت عليها ثوابت الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية، والتي ستجعل من قرار الحرب الإسرائيلي بمثابة انتحار سياسي . ولكنه أيضاً مؤشر ذو دلالات لا تخضع للقياس، ولا تخضع لموازين القراءات السابقة، فالمقارنة بين ما ستخسره إسرائيل في حال خوضها لحرب على غزة (بالرغم من تفتت الحاضنة العربية، ومن المد الإسلامي، ومن اتساع الفضاءات الشعبية المطالبة بتبني المقاومة) وبين ما ستخسره من ديمومة الأمر الواقع وتطوراته السريعة على المشهد العربي، وانعكاساته الإيجابية على فصائل المقاومة الفلسطينية. إن مقارنة من هذا النوع، ومن وجهة النظر الإسرائيلية التي تقوم على (الإنذار والردع والحسم)، فإنه من الصعب جداً التكهن برغبة إسرائيل في خوض حرب جديدة، أو أنها ستكتفي بالهدنة حتى تتكشف مخاضات الثورة العربية . إن ما صرح به وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان, بتاريخ 10/4/2011 ( بأن وقف إطلاق النار مع حركة حماس خطأ خطير يتناقض والمصلحة القومية الإسرائيلية، وبأن الهدوء يمكّن حركة حماس من التزود بالأسلحة وتعزيز قوتها) لهو دليل قاطع على طبيعة هذه الهدنة الهشة، والتي ولدت في خضمّ سباق القيادات الإسرائيلية لاختزال نتائج الثورة المصرية، وإمكانية صعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم عبر النافذة الديمقراطية، بما تشكله من امتداد طبيعي لحركة المقاومة الإسلامية حماس ... ومن ثم تحركات الشارع الفلسطيني لرأب التصدعات بين القيادات الفلسطينية، وما ترتب عليها من دعوات للحوار وللمصالحة بين فتح وحماس، بالإضافة إلى كل ما يشاع في أروقة الأمم المتحدة عن اقتراب إعلان الدولة الفلسطينية . والأهم هو ذلك الغليان المسكون بهواجس خلق أنظمة عربية قادرة على تحقيق تطلعات شعوبها، إن هذا التسابق المحموم للإحاطة بكل هذه التغيرات الطارئة على بنية الاستراتيجيات الأمنية الإسرائيلية، ربما يتأتّى بالكثير من التحركات الجديدة على الأرض، وفرض أمر واقع جديد يتناغم مع طبيعة المتوقع من التغيرات السياسية. أما على المستوى العسكري، فأعتقد أن الوضع في غزة مرشح لمزيد من التوتر، وبأن إسرائيل إذ تدرك أهمية عامل الوقت في حسم صراعاتها مع المقاومة، ستلجأ إلى حرب طالما أتقنت تحريك خيوطها، وعلى شاكلة حرب الاستنزاف، لكنها هذه المرة لن تكون طويلة الأمد، فالهدنة القائمة بين حكومة القطاع وإسرائيل قد استنفذت أغراضها، كما أن حركة الجهاد الإسلامي وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية هي التي تحدد الآن خارطة النار في غزة، وهذا تطور نوعي في إدارة الصراع على الأرض وهذا ما لن ترضى به إسرائيل مطلقاً وخصوصاً بأن هذه الحركة لم تكن طرفاً في أي معاهدة أو هدنة . وعندما يقول نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الأستاذ زياد النخالة بأن: (الحرب ضد العدو الصهيوني مفتوحة، ومستمرة، وذات أشكال متعددة) كمحاولة لتوصيف آليات الردع الجديدة للحركة، من خلال ألفاظ ذات دلالات مكانية وزمانية مقصودة الإيحاء، فهذا أيضاً ما لن تقبل به إسرائيل، والذي سيدفعها بالضرورة إلى تبني استراتيجيات جديدة، للحيلولة دون استمرار الوضع الراهن . لا شك أن إسرائيل قادرة على تبني العديد من الخيارات المتاحة لضرب المقاومة الفلسطينية، ولا شك أنها بدأت فعلاً برسم ملامح جديدة للشرق الأوسط، بكياناته التي أنتجتها الثورة التونسية والمصرية، لكنني أجزم تماماً بأن فلسطين بكل فصائل المقاومة فيها عصيّة على الاستسلام كما أنها عصية على الموت.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل