المحتوى الرئيسى

الرأسماليات تتنبه لخطر اتساع الفجوة بين أقاليمها

04/16 12:24

محمد الصياد نسيت الطبقات الحاكمة المعبرة بصورة متزايدة عن شبكات مصالح قطاعات الأعمال، في غمرة انغماسها في دوامة الفقاعات الاقتصادية، العقارية والمصرفية تظهير وتناسخ صكوك الممتلكات العقارية عبر ما تسمى المشتقات، والأوراق المالية، والنفخ فيها من دون التحسب لطاقة تحملها لضغط عملية النفخ - نسيت التهميش المتعاظم الذي أحدثه تهورها “الاستثماري” المغامر في ميزان القوى الاجتماعية، من حيث توسيع الفجوة بين الأقاليم . في بريطانيا التي تسجل أوسع فجوة في الثراء بين أقاليمها من بين كافة الدول الغنية، حيث يبلغ دخل الفرد لسكان وسط لندن أكثر من 9 مرات من أجزاء من مقاطعة ويلز . وقد زادت الفجوة بين أغنى ثلاثة أقاليم وثلاثة أفقر أقاليم في بريطانيا عشر مرات خلال الفترة من 1990 إلى 2009 . وقد زادت الأزمة الاقتصادية الأخيرة من تفاقم هذه الفجوة، حيث انخفض معدل دخل الفرد في المناطق الفقيرة مثل بوركشاير وميدلاندز وايرلندا الشمالية خلال الفترة من 2007-2009 بنسبة 6%، وهو ما يشكل ضعفي الانخفاض في منطقة لندن . كما انخفض دخل الفرد في فرنسا في أفقر خمسة أقاليم بسبب الأزمة في المناطق الفقيرة ضعفي الانخفاض المسجل في باريس وضواحيها . كذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة، حيث أصبحت مقاطعة كولومبيا أغنى خمس مرات من ولاية ميسيسيبي . وخلال عشر سنوات من الآن فإن مدينة شنغهاي وبكين الصينيتين سوف تتفوقان في الثراء على نصف عدد الولايات الأمريكية بما في ذلك فلوريدا وميتشجان وأوهايو بل إن شنغهاي سوف تتخطى ولاية ميسيسيبي في عام 2015 . الاستثناء هنا ألمانيا، حيث راحت الفجوة بين الولايات الألمانية في شرق البلاد وبين الولايات الألمانية الواقعة في الغرب تضيق شيئاً فشيئاً، وهو اتجاه سار عليه معدل دخل الفرد في أغنى خمس ولايات ألمانية غربية وأفقر خمس ولايات ألمانية شرقية على مدى العقدين الأخيرين، بفضل عمليات الاستثمار وتمويل المشاريع التي نفذت على المستوى الوطني وعلى المستوى الأوروبي والتي شملت البنية الأساسية وأعمال البحث والتطوير والتعليم وتحويل عدد من المصانع من الغرب إلى الشرق للاستفادة من انخفاض كلفة إقامة المشاريع في الولايات الشرقية قياسا للغرب الألماني . ففي عام 1991 حين توحدت الألمانيتان الغربية والشرقية كان الفارق في الدخل بين مدينة هامبورغ على سبيل المثال وبين الولايات الألمانية الشرقية يصل إلى خمسة أضعاف، أما اليوم فانه يبلغ 3 .2 مرة فقط . وتقترب ايطاليا من هذه المفارقة الألمانية، حيث الفجوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير آخذة في التقلص مع الوقت نتيجة للوظائف المالية الكبيرة الموجهة نحو الجنوب هذا على الأقل ما تقوله البيانات الرسمية الإيطالية، ولكن تحت السطح سيجد الباحث أن معدل البطالة في كالبري (جنوب) قد انخفض، وفقا للبيانات الرسمية من 26% في عام 2000 إلى 12% في عام ،2010 ولكن في الواقع هذا الانخفاض ناتج فقط عن توقف العاطلين في البحث عن عمل، فقط 40% من قوة العمل هناك هي التي تحوز وظائف دائمة مقارنة ب 65%-70% في الشمال الإيطالي . لهذا السبب فإن الرأسماليات الغربية اليوم تبحث عن مخارج لحل هذه المشكلة، البعض يطرح زيادة مرونة أسواق العمل لتسهيل انتقال العمالة من المناطق ذات العرض الفائض لقوة العمل إلى المناطق ذات العرض المنخفض وبالتالي خفض البطالة في الأقاليم الفقيرة . ولكن هذا يحتاج إلى رفع مستويات الإنتاجية والتعليم والمهارات الفنية، فمثلا تبلغ نسبة حاملي الشهادات العليا ضمن أصحاب الأعمار من 25 سنة فما فوق في ولاية ميسيسيبي 19% مقارنة ب 36% في كونكتيكت و48% في منطقة كولومبيا . وفي بريطانيا فإن 21% فقط من إجمالي قوة العمل في مدينة سندرلاند الواقعة إلى الشمال الشرقي من انجلترا يحوزون شهادات عليا مقارنة ب 39% بالنسبة لسكان لندن . علما بأن بريطانيا تنفرد بأن جنوبها هو الغني وشمالها هو الفقير . ولا تملك الحكومات والأحزاب الحاكمة في الرأسماليات الغربية مساحات مناسبة للتحرك على هذا الصعيد في ظل بقاء آليات توليد وتوسيع الفجوة الإنمائية والمعيشية وفي مقدمها آلية التراكم الرأسمالي التي تعمل تلقائيا على مراكمة الفقر في جانب والثراء في جانب آخر، بما في ذلك الإنفاق العام الذي يمكن اللجوء إليه لإعادة نشر النمو والتنمية جغرافيا لإحداث التوازن بين مختلف الأقاليم، ذلك أن هذا الإنفاق يشهد تقليصا بسبب أزمات المديونيات السيادية والعجوزات المالية . ففي بريطانيا على سبيل المثال فإن مدن الشمال البريطاني وويلز تعتمد بصورة كبيرة على وظائف القطاع العام وعلى شبكة المنافع والأمان الاجتماعي التي توفرها مجالس المدينة الحكومية، فهذا الإنفاق يشكل 28% من إجمالي مداخيل سكان ليفربول مثلا مقارنة بنحو 14% بالنسبة لسكان لندن، كما أن 40% من الوظائف المشغولة في ليفربول موجودة في القطاع العام مقارنة ب 22% في لندن . إن خفض الإنفاق الحكومي يشمل معظم البلدان الرأسمالية المتقدمة، وهو ما سيفاقم مشكلة الفجوة ويتجاوزها إلى البنى التحتية التي ستتآكل في الأقاليم مقارنة مع المراكز الحضرية الداخلية، وهو قول يصدق على الولايات المتحدة بصورة لافتة . *عن صحيفة" الخليج" الاماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل