المحتوى الرئيسى

قلاع الحرية والسجن الكبير بقلم د.عصام مرتجى

04/15 00:37

قلاع الحرية والسجن الكبير د/عصام مرتجى قليلٌ من الناس تطاوعهم أنفسهم أن يعملوا كسجانين. فمهنة السجان، ورغم ضرورتها الاجتماعية لتهذيب المجتمع والناس بالإجراءات العقابية، إلا أنها تكاد تكون مهنة لا إنسانية، وكثيرٌ ممن يعملون كسجانين لا يقرون أمام الناس بطبيعة عملهم. فالسجان بطبيعة عمله وسطوته ، تتكون فيه روح سادية، حيث يتلذذ بسيطرته على الآخرين وقدرته على إحداث الألم فيهم متى شاء، ولذلك يقذف الله كره شخصيته في قلوب الناس. فشخصية السجان المتحكم بحرية وقوت ونوم السجناء؛ تجعل أمامه فرصة لسد نواقصه الشخصية وتعويضها بممارسته السادية وتفريغ عقده النفسية ضد هؤلاء المحكومين لإمرته. وكثير من السجانين لا تفارقهم ملامح هذه الشخصية ، فيحملونا لبيوتهم وزوجاتهم وأبنائهم وجيرانهم. وكثير من هؤلاء السجانين يعانون من اضطرابات في الشخصية وفي النفسية ، وكثير منهم يضطر للعلاج النفسي ولا يصطلح مع الدنيا وع ذويه سوى بمضادات الإكتئاب. ومن جهة أخرى ، السجناء بطبيعتهم الإنسانية يتكيفون مع الضغوط والقمع وأحيانا السادية؛ ليبقوا على قيد الحياة. وأكثر السجناء مقاومة وصلابة، وأصلحهم نفسية ، هم أولئك الذين يسجنون لقضايا سياسية ووطنية وقومية. فهناك يجد السجين مساحة شاسعة لصفاء الروح، وللحديث مع النفس وتنقيب بواطنها. فتبرز مواهب السجناء المكبوتة، فتجدها أحلامهم وأمانيهم وصور أحبائهم ظاهرة وبشكل وفن إنساني بديع ، منحوتة أو مرسومة أو مخطوطة على كل ما هو متاح من حصى وجدران وأوراق و معادن. لدرجة أن بعض السجانين يواصلون حربهم ويمارسون ساديتهم بتحطيم أو سرقة إبداعات السجناء، حسداً من عند أنفسهم. وإبداعات السجناء هي أحلامهم وما تبقى في هذه الدنيا من طموحهم. والسجناء المقاتلون، كأسرى الحرية والدفاع عن الوطن، تبقى تسكنهم روح المقاتل وعقليته الكفاحية، فتكون قمة استفزازه في تدمير إبداعاته أو سرقتها من قبل السجان السادي، فتكون بمثابة قلعته الأخيرة في كفاح وجوده ، وجدار الكرامة الأخير. والسجن ليس بالضرورة قضبان وأسلاك شائكة وسجانين مسلحين بالسادية والحقد والبنادق. طبعا لا... فسجن الروح أشد من سجن الجسد، وهذا قد يتمثل بسجن الحرية في الفكر،أو التعبير عن الرأي ، سرقة الإبداع ، أو قتل وتدمير الطموح ....الخ والسجن قد يكون لأفراد بعينهم خالفوا قوانين معينة، أو قد يكون لمجتمع بكامله. فيكون المجتمع بأسره محاصر ومسجون فكريا لرؤية زعيمه الخالد !! وبالتالي يكون معزول عن حضارات الآخرين وعن تقدم الحياة وسيرها. و قد يكون المجتمع مسجون ومحاصر بفعل محتل غاصب، يمنع نهوضك ويمنع تطورك ويسرق أحلامك ويحاصرها ويصادرها.... كما هو حالنا كفلسطينيين مع عدونا الصهيوني. وبالتالي فالحرب مستمرة بين السجان السادي وبين السجين الحالم بالحرية طالما بقي للسجن أسوار وطالما بقي في العقل أحلامٌ وأفكار. والسجان يهدم باستمرار ، والسجين يحلم وينحت بعظمه أحلامه ... لترى النور ويكون لها حيزٌ في الفراغ أو في الوجود. هذا المشهد الإنساني مستمر دوما داخل أسوار أي سجن كان ، تماما كما صوره المخرج الأمريكي الصهيوني - رود لوري في فيلم "القلعة الأخيرة " لسنة 2001. ذاك الفيلم تدور أحداثة في سجن العقوبات العسكرية للجنود الأمريكيين المخالفين للقوانين العسكرية، حيث يتحكم الكولونيل السادي "وينتر" ( يقوم بدوره الممثل الأمريكي جيمس جاندولفيني) بالجنود السجناء ويتصرف بمزاجية ورغبة سادية عالية الحدة. الفيلم يصور السجناء وهم يقضون وقتهم ببناء جدار من الحجارة والطين يشبه تحفة فنية من قلاع القرون الوسطى ويستغرق منهم أيام وليالي وياخذ منهم مجهودا جبارا ، وينقشون عليه أسمائهم واحلامهم. ... ثم يأمر هذا الكولونيل بكل سادية بتدمير الجدار في لحظة من غروره وساديته المفرطة، ويتصدى السجناء ليدافعوا عن جدار أحلامهم فيطلق عليهم الرصاص مباشرة للرأس فيقتل الجندي السجين الذي تحدى الجرافة. في نفس الوقت كان قد وصل للسجن ضابط كبير كسجين هو الجنرال إيروين ( يؤدي دوره الممثل الأمريكي روبرت ردفورد) ... فيلتف حوله الجنود السجناء كمخلص ومنقذ يتحدون به الكولونيل السادي. وبعقليته العسكرية يقود الجنرال السجين تمردا داخل السجن يسيطر فيه على كل السجن "قلعة وينتر الحصينة" ويسيطر على كل ما صنعته يديْ وينتر على مدى عامين ، ويستولي على قلعته، ومن ثم يصل الأمر للقيادة العليا فيطيحوا ويعزلوا الكولونيل السادي من منصبه حين يقتل الجنرال (السجين المتمرد) وهو يرفع العلم وسط حركة التمرد التي عصفت بالسجن .... وبعد رحيل "وينتر" السادي؛ يعيد السجناء بناء جدار القلعة من الطين والملاط .... وينقشون عليه أسماء قتلاهم و أمانيهم ....ولكن يبقون هم وجدار حريتهم داخل أسوار السجن الكبير...!! قد تكون أصول المخرج الصهيونية هي التي قد مكنت لنجاحه في فيلمه هذا من إظهار العقلية السادية للسجان وتوضيح مأساة السجناء بشكل عام . وما أشبه السجون ووجه السجان في كل مكان، على الرغم من اختلاف السجناء وقضاياهم وطموحاتهم . فالسجناء يستغرقون الوقت وهم ينحتون أحلامهم ويبنون جدران أمانيهم ويقضون في ذلك أيام وشهور وسنين ، ثم ياتي السجان في لحظة شبق سادي ليجد لذته في هدم كل ما صنعوا...!! أكثر السجناء مقدرة وكفاحا وثورة قد يستطيع عزل سجانه أو حتى قتله ... لكنه لا يستطيع أن يبتكر وسيلة كفاحية لتحطيم سجنه وحده دون مساعدة من الخارج ... لسبب بسيط ؛ هو أن السجن هو من ضمن أدوات الدولة أو النظام المحيط بالسجن ... وهدم السجن يجب أن يتم من خارجه وليس فقط من داخله ...!!! وفي حالة سجننا الفلسطيني الكبير، كم بنينا من جدران للحرية ، وكم نحتنا أحلامنا عليها بأظافرنا وبعظامنا وعلقنا عليها صور شهدائنا ... ثم جاء المحتل وبكل سادية ليسرقها أو يحطمها ويدمرها ... نعم نجحنا في بعض الأحيان من صد العدوان ودحر المحتل السادي عن جدراننا الأخيرة، ولكن المأساة أن بعضنا قد تكيف مع الوضع للبقاء خلف أسوار السجن الكبير المحيط بنا ؟؟!! نعم نجحنا ببناء مؤسسات وقلاع تشبه التحف التاريخية ... ولكنها ونحن ... ما زلنا داخل السجن الكبير، المحاصر بحقد العدو وساديته وغروره وبنادقه ودول العالم من حولنا ، عجمية وعربية، تقف كشهود الزور . وما لم تفلح هذه المؤسسات بقلع جدران السجن الكبير فمصيرها تحت مجنزرات السجان السادي ... مجرد ركام وحطام...!! أقول في الختام لا نريد تبديل السجان السادي بسجان أقل سادية أو حتى سجان محترم وحنون !!! ولا نريد أن ننحت داخل السجن الكبير تحف ونشيد لقلاع الحرية جدران أثرية ومؤسسات وطنية تحيطها أسوار سجن كبير وحصار رهيب للوطن وللحرية.... !!! ولكننا نريد مشروع وطني كبير لهدم السجن قبل السجان ... نريد من يقود مسيرتنا ويأخذ بأيدينا ويمنحنا الحرية بلا أسلاك أو حدود أو جدران . وبغير ذلك سنظل كمن يقرؤون على رأسه تلك التميمة التي قرأتها الممثلة السورية "منى واصف" على رأس أحد المجاذيب في إحدى الحلقات من مسلسلاتها التاريخية .... "لهيب نارك ماء...تموت ولا تموت ... تمشي ولا تسير ... تسير ولا تمشي ... لهيب نارك ماء..." . غزة/فلسطين - في 14 أبريل 2011

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل