المحتوى الرئيسى

لا نريد هذه السعودة

04/13 06:35

محمد بن ناصر الجديد السعودة التي تهدف في نهاية المطاف إلى زيادة نسبة العاملين السعوديين في القطاع الخاص دون مراعاة لطبيعة المهام التي يؤديها هؤلاء العاملون، وموقع هذه المهام من الهرم الوظيفي، ومدى امتداد المسار المهني، والقيم المضافة للعامل السعودي خلال العمل هي نسبة لا نشجعها ولا نرغب في استمرارها. فطموحنا يذهب إلى أبعد من تحقيق سعودة ''كمية'' إلى سعودة ''كيفية'' تستطيع إدارة دفة الاقتصاد السعودي العقد المقبل وتلبية طموحاته. هناك أربعة أمور تشكل في مجملها أرضية المقال أود التأكيد عليها قبيل الخوض في حيثيات النقاش. الأمر الأول أن عمل غير السعوديين في القطاع الخاص السعودي هو أمر مرحب به؛ عطفا على كرم الثقافة السعودية في الترحيب بكل إنسان يرغب في المشاركة في بناء الوطن، وانطلاقا من دور المملكة الرائد في القيام بمهامها الإنسانية على الصُّعد العربية والإسلامية والدولية. والأمر الثاني أن طبيعة المهام التي تؤديها أي منشأة تنقسم بشكل عام إلى أربعة أنواع من المهام المتباينة طبيعةً وتأثيرها في مستقبل هذه المنشأة أو تلك. الأولى مهام ''القيادة'' وتضم مهام إدارة دفة المنشأة، كالتخطيط، والسياسات والتدقيق الداخلي. والثانية مهام ''التحكم'' وتضم مهام توجيه الموارد المالية وغير المالية للمنشأة، كالموارد البشرية والمالية والمخاطر. والثالثة مهام ''المبيعات'' وتضم مهام التمثيل الخارجي للمنشأة، كالمبيعات، وتطوير المنتجات. والرابعة مهام ''البنية التحتية'' وتضم مهام توفير البنية التحتية للمنشأة؛ لتمكينها من أداء عملها، كتقنية المعلومات والعمليات. والأمر الثالث أن عدد الوظائف في المنشأة تنتهج الشكل الهرمي بوجود معظم الوظائف في أدنى الهرم. ووجودها في أسفل الهرم لا يدل على تواضع مساهمتها في نمو المنشأة كما وكيفا وحسب، إنما في تواضع مردودها المهني والمالي على الموظف. ثم يبدأ عدد الوظائف يقل تدريجيا كلما صعدنا إلى أعلى الهرم وتزداد مع هذا الصعود مساهمة هذه الوظائف في نمو المنشأة كما وكيفا ويزداد تباعا المردود المهني والمالي على الموظف. والأمر الرابع أن الاقتصاد السعودي يسير وفق رؤية طموحة تستهدف إيصاله إلى مكانة مرموقة على خريطة الاقتصاد العالمي منتصف القرن الحالي. وهذا التوجه لا يمكن له أن يتم دون وجود كوادر وطنية قيادية في المستقبل تستطيع قيادة دفة الاقتصاد السعودي في الغد وضمان استدامته. وتوفر مثل هذه القيادات الاقتصادية لا يمكن أن يتم إذا لم تكن هذه القيادات موجودة اليوم في منتصف الهرم الوظيفي تعمل كعمود فقري لكوادر الاقتصاد السعودي وممهدة الطريق لدماء وطنية جديدة لدخول الهرم الوظيفي. تقودنا أرضية المقال ذات الأمور الأربعة، ''كرم الثقافة السعودية''، و''طبيعة مهام المنشأة''، و''طبيعة الهرم الوظيفي''، و''رؤية الاقتصاد السعودي''، إلى النظر في واقع طبيعة وجود العاملين غير السعوديين في القطاع الخاص حسبما ورد في تقرير عام 2009 من ''الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة العمل''. يشير التقرير إلى أن 77 في المائة من العاملين غير السعوديين في القطاع الخاص تراوح مؤهلاتهم العلمية بين الأمية ومعرفة القراءة والكتابة. و72 في المائة من العاملين غير السعوديين في القطاع الخاص تراوح أعمارهم بين 25 و44 عاما. كما أن 69 في المائة من هؤلاء العاملين تمت الموافقة على استقدامهم من قبل وزارة العمل لشغل المهن الهندسية الأساسية المساعدة ومهن الخدمات. و66 في المائة منهم كذلك يعملون في المهن الهندسية الأساسية المساعدة والمهن الاختصاصية العلمية والفنية والانسانية تمت الموافقة من قبل وزارة العمل على تغيير مهنهم إلى مهن أخرى. كما أن 60 في المائة منهم يوجدون في منطقة الرياض، حيث المركز الرئيس لمعظم منشآت القطاع الخاص (34 في المائة)، والمنطقة الشرقية، حيث المركز الرئيس للصناعات النفطية والبتروكيماوية (26 في المائة). نخلص من واقع تركيبة الموارد البشرية في القطاع الخاص إلى أن الاقتصاد السعودي يقف على مقدمة مجموعة من التحديات الفنية التي قد يعوق وجودها بلوغ رؤيته الطموحة منتصف العقد المقبل. من هذه التحديات أن معظم الكوادر الوطنية العاملة في القطاع الخاص تعمل في مهام ''المبيعات''. وعلى الرغم من أن هذه المهام تتيح للموظف الاختلاط بعملاء المنشأة ومقاوليها، إلا أنها تحصر أصحابها في مجالات مهنية يصعب مستقبلا توجيهها نحو مهام قيادية عطفا على طبيعة أنشطة المبيعات في التعامل مع ظروف اليوم عوضا على الغد. ومن هذه التحديات أيضا أن تكدس معظم الكوادر الوطنية في مهام ''المبيعات'' ذات المكانة الهرمية الموجودة في أدنى الهرم الوظيفي في منشأة القطاع الخاص ستحد من صعود أصحابها نحو مستويات مهنية أعلى عطفا على محدودية السقف المهني في المهن الدنيا. سيؤدي ذلك إلى تفويت الفرصة على هؤلاء الكوادر لتجهيزها لقيادة دفة الاقتصاد السعودي العقد المقبل، من جهة، واستمرار الاعتماد على كوادر غير وطنية للمشاركة في إدارة دفة الاقتصاد السعودي، من جهة أخرى. يقودنا النقاش حول واقع ''السعودة الكمية'' في القطاع الخاص وطموح الاقتصاد السعودي في تنمية ''السعودة الكيفية'' في القطاع الخاص للمشاركة في قيادة الاقتصاد السعودي العقد المقبل إلى توجيه ثلاثة نداءات إلى الذين يملكون إمكانية التغيير ''الكمي'' نحو ''الكيفي''. النداء الأول إلى كل رئيس تنفيذي في القطاع الخاص ليستوعب دوره في أنه يتعدى تحقيق الربحية نهاية العام المالي إلى دور أبعد وأسمى يتطلب وضع تنمية قيادات اقتصادية وطنية مؤهلة على قائمة أولوياته. والنداء الثاني إلى كل مسؤول موارد بشرية في القطاع الخاص ليدرك أن معيار نجاحه لا يرتبط بتخفيض تكلفة استقطاب الموارد البشرية، لكنه يتعداه إلى معيار أشمل يرتبط بحجم ما يضيفه من قيمة إلى مجتمع الموارد البشرية الوطنية في المملكة. والنداء الثالث إلى كل عامل سعودي في القطاع الخاص في أن التقاعس عن العمل الجاد بسبب عدم تجاوب جهة عملك مع طموحاتك المهنية يجب ألا يقف عند هذه المنشأة أو تلك. إننا أمام لحظة قرار تستلزم منا جميعا إعادة النظر في ''نسبة السعودة'' الكمية المعمول بها في القطاع الخاص لتطويرها ليهدف ''مؤشر السعودة'' إلى تحقيق أهداف كيفية تتوافق واحتياجات الاقتصاد السعودي في العقد المقبل. مؤشر يأخذ في حسبانه طبيعة تباين مهام المنشأة وهرمها الوظيفي ومساراتها المهنية وقبلها جميعا رؤية الاقتصاد السعودي الطموحة في العقد المقبل. *نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل