المحتوى الرئيسى

وليد عثمان : هل يكره العرب مصر؟

04/13 00:19

الاستثمار العربي الداعم لمصر في هذا المنعطف التاريخي رهان عدد كبير من المصريين وفي مقدمتهم المسئولون، سواء في القوات المسلحة أم مجلس الوزراء.واعتقادي أن هؤلاء سيربحون الرهان، وستتجلى بشائر ذلك مع تحقيق مزيد من الاستقرار الأمني والسياسي متجسدا في انتخابات البرلمان والرئاسة حتى يعرف الجاهزون بأموالهم إلى أين تمضي مصر ومدى توفر الأجواء التي يمكن فيها لرؤوس أموالهم أن تفيد وتستفيد.وحتى ندرك هذه  الأجواء هناك سؤال ربما يكون شائكا في تقدير البعض، رغم أنه طرح على استحياء في فترات سابقة ، خاصة على هامش “مسخرة أم درمان”. هذه “المسخرة” التي  ورطنا فيها قبل شهور الوجوه نفسها التي خرجت في ميدان مصطفى محمود مؤيدة لمبارك أو معتذرة له حتى كدنا نخسر بمراهقة هذه الوجوه وطنين عربيين هما السودان والجزائر بركلة واحدة من لاعب جزائري احتسبت هدفا في مرمى منتخبنا. ومما أثبتته الحوادث بعد ذلك أن الهدف هتك مرمى التوريث، لذلك بلغ الألم مداه لدى أطراف مشروع سرقة الوطن وبلغ بهم الجنون أن وضعونا على شفا حرب.السؤال هو: هل يكره العرب مصر؟ويقيني أن السؤال بهذه الصيغة جارح لأشقائنا العرب؛ لانطوائه على تشكيك في “مصريتهم” قبل عروبتهم التي يرون أن من موجبات صحتها أن يولوا وجوهم شطر مصر في السراء والضراء، ولو كره كافرون منهم بالعروبة كما يكفر بها نفر منا نحن المصريين.ومصرية العرب ليست ادعاء أسوقه أنا، كمصري، يمكن أن يرمى بتهمة الشوفينية، وليست تركيبا لغويا جادت به قريحة عربي مجامل  وجد نفسه فجأة مضطرا للتعبير عن حبه لمصر.هذه المصرية، كما يلمسها كل مصري توفرت له فرصة الفهم الحقيقي للمزاج والروح العربيين، تسري في كل بيت عربي وتتجسد في أقوال وأفعال أصبحت فطرية لدرجة أنها يمكن أن تقال وتمارس بغير قصد.وفهم هذه الروح يستوجب ابتداء  تجنيب صور عدة أربكت، وعطلت أحيانا، سريان المشاعر بين المصريين والعرب على فترات من سنوات حكم مبارك الذي لم يتورع وزبانيته عن بث رسائل سلبية تجاه بعض الدول العربية وجر المصريين إلى عداء وهمي مع شعبها لمجرد الخلاف السياسي أو الذي تبدى لنا سياسيا وكان على منافع خاصة.هذه الصور ربما تتضمن كل ما قيل عن تعمد الإساءة إلى المصريين العاملين في الدول العربية، وهو أمر يحتمل الكثير من المناقشات، والإيحاء بأن دولا عربية تحاول سحب بساط “الريادة” السياسية والثقافية والإعلامية من تحت قدمي مصر، رغم أن هذه الريادة سقطت بقيام حكم مبارك وتوشك أن تقوم بعد سقوطه لتتأكد من جديد حقيقة أن الرئيس السابق المخلوع المطرود المتنحي، أيها يصح، اختار أن يمشي هو والريادة كلُ في طريق.والأنكى في هذه الصور تمرير مزاعم أن العربي،أي عربي، يكره المصري،أي مصري،عقابا له على تفوقه التاريخي. ومن أسف أن كثيرا من المصريين عاشوا سنوات بهذا الإحساس في مصر وحملوه معها خارجها ، حتى أصبح العربي/ الكفيل إذا عبس في وجه المصري المكفول،لأي سبب، فإنما يعبر عن حقد دفين.وأصبح المصري العامل في دولة عربية حين يختلف مع كفيله في إطار علاقتهما الثنائية التي تحتمل الاتفاق والاختلاف، كأية علاقة، يعيش بوهم الاضطهاد ، لا لشيء، إلا لأنه متفوق تاريخيا وكفيله يشعر بالنقص.وقبل أن أتهم بالخيانة، أو على الأقل الافتئات على أبناء جلدتي وبيعهم بغير ثمن مجاملة للعرب، خاصة أني أعيش في دولة عربية، أسارع إلى القول إن قصصا رويت عن اضطهاد مصريين في الدول العربية حقيقية ، لكن المؤكد أن ذلك الاضطهاد لا يرد إلى أنهم مصريون ، فصاحب العمل القاسي الظالم عادل في قسوته وظلمه ولا ينتقي ضحاياه حسب الجنسية. وربما من أوجه الالتباس عند البعض في ملف الكفالة أن الكفيل يكون دائما من أصحاب البلد ، وهو أمر خاطئ ، فالكفيل الخليجي قد يتواجد في المشروع أو الشركة بالاسم ويأخذ مبلغا مقابل ذلك ويترك كل شيء لشريك عربي. وهذا الملف متخم بقصص، على الأقل هنا في الإمارات، عن مصريين هم كفلاء فعليون في مشاريعهم عذبوا مصريين مثلهم وأذاقوهم من كؤوس الهوان لمجرد أن حظهم العاثر ساقهم إلى العمل عندهم.في موازاة هذه الصور السلبية والأفكار الملتبسة عن علاقة المصريين بالعرب يمكن أسوق آلاف الأمثلة عن عرب يحبون مصر أكثر من أهلها ويحفظون من تراثها الغنائي والشعري والتاريخي ما لم يسمع عنه كثير منا. وأعرف عربا يحفظون أسماء قرى وشوارع في مدن مصرية ، حتى خارج العاصمة.وربما تجد شبابا لا يعرفون من هو الشيخ إمام ، لكنك تفاجأ بعرب يحفظون تراثه المشترك مع نجم عن ظهر قلب، بل إن صديقا فلسطينيا يعمل معنا هنا يرأس في وطنه جمعية لمحبي الشيخ إمام. وأعرف عربا بالمئات زادهم في التنكيت مصري وقفشاتهم مستمدة حصرا من أعمال فنية مصرية، بل إن أمثالهم دائما مصرية ومسبوقة دائما بجملة “على قول إخوانا المصريين”. ولست في حاجة إلى الرجوع في هذا السياق إلى سحر عبدالناصر أو أم كلثوم، فذاك في حكم البعض تاريخ ولي.العرب يا سادة يحبون مصر إن لم يكن لفضلها عليهم ، وهم لا ينكرون ذلك، فلإيمانهم المطلق بأن أي تقدم في مصر ينعكس بالضرورة عليهم. لذلك، فما يعتبر في مصر شأنا داخليا، لا يعتبر كذلك عند معظم العرب؛ لأنهم يقدرون أن مقياس التقدم والتخلف هو ما يجري في مصر.لكم أن تتخيلوا الفرحة التي عمت العواصم العربية ،إلا قليلا، مع سقوط حكم مبارك، ولم يكن ذلك فقط لأن بعضها كان على خلاف معه، بل لأنهم أدركوا أن “التحرير”، الفعل وليس الميدان، على بعد خطوات منهم بالضرورة مادام تحقق في مصر.وفي”جمعة التطهير” غص ميدان التحرير بيمنيين وليبيين وسوريين وفلسطينيين أراودا لرسائلهم المطالبة بالتحرر أن تنطلق محتمية بملايين المصريين وأن تصل إلى من يهمه الأمر من قلب العروبة.مصر يا سيادة عند العرب هي قلب العروبة، ومن كان يصفهم النظام الساقط بالكارهين لها هم فقط معاتبون ، لأنها تخلت عنهم حينما كان التدخل لحمايتهم والذود عن مصالحهم، التي هي مصالح مصر، فرضا.يبقى فقط ونحن نرسم مستقبلا جديدا للوطن أن نعي أن الدور المصري تجاه العرب، ومن بعدهم الأفارقة، ليس اختيارا ، بل هو مهمة يفرضها التاريخ والجغرافيا. وينبغي أن تستعيد مصر هذا الدور وتلتزم بمحدداته وفروضه من غير أن تتبع ذلك بمن ولا أذى، وأن تكون دوما عند ظن العرب بها أبية حرة قوية بهم ليقووا بها.زمن المن على العرب ولى، ليس لأن ذلك ينبغي ألا يكون من شيمنا، ولا لأن دورنا ليس اختيارا فقط، ولكن لن مياها كثيرة جرت تحت الجسور  وما كنا نمن به جعله مبارك في خبر كان.لا نريد معارك على أدوار، وعلى أصحاب القرار المصري إدراك أن التكامل العربي هو السبيل إلى منعة العرب ، فليس معقولا أن نتحدى المصلحة اللبنانية ،مثلا، لأن السعودية أرادت لعب دور في هذا الملف، وأن نعطل المصالحة الفلسطينية ،لأن قطر ،مثلا، دخلت على الخط.ينبغي أن يكون ما يعنينا أن تتحقق المصلحة العربية بأية وسيلة،لأن في ذلك خيرا للعرب، ومن قبلهم مصر.وليد عثمان[email protected]مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل