المحتوى الرئيسى

المفسدون

04/12 13:17

بقلم: د. أحمد حسن استوقفتني هذه الآية الكريمة: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)) (الروم).   وقلت لنفسي: هل السبب في ظهور الفساد الذي حل بمصرنا وكل مصر هو ما كسبته أيدينا من سوء؟ هل نحن السبب فيما نعانيه من فساد؟ هل الغش والكذب والخيانة والفحش وسرقة المال العام واستغلال النفوذ وتعذيب الصالحين وسجن المصلحين وظلم المستضعفين هو الذي أدى بنا إلى هذا الفساد الذي ضرب بأطنابه بلادنا؟ وهل هناك أمل في الرجوع إلى الصلاح والإصلاح مرة أخرى؟   * وأقول لكم إخوتي ما قاله الله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)) (القصص).. فالجنة ليست دار المفسدين بل هي دار المتقين.   فاحذر أيها المفسد من حرمانك من الآخرة ونعيمها، وكفى بذلك مذلة تصغر أمامها كل نعمة حصلت عليها في الدنيا بفسادك وبعدك عن سبيل المصلحين.   وبادئ ذي بدء أسألكم.. من هم المفسدون؟ أو بالأحرى ما هي صفاتهم؟   وإليكم بعض صفات المفسدين كما وردت في كتاب الله جل وعلا: 1) (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)) (البقرة).   وواضح أن المفسد حلو اللسان.. يعجبك قوله بينما قلبه ينطوي على الحقد والغل والخصام.. ألا ترى أنه منافق يستتر خلف لسانه؟!.   وواضح أيضًا أن المفسد يسعى ويجتهد في إفساد وإهلاك الناس والنبات والحيوان.   2) الكبر والضلال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)) (البقرة).. هكذا مصلحون!!.   إنهم لا يعترفون بفسادهم وإفسادهم بل الأدهى أنهم يرون أنفسهم مصلحين، وهي درجة أعلى من الصالحين؛ لأن الصالح هو من يزكِّي نفسه وخلقه وعبادته لربه، بينما المصلح هو الصالح في نفسه المصلح لغيره وهي منزلة عالية!.   3) المفسد يوقن في قرارة نفسه بالحق الذي يجحده ويرفضه في الظاهر: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)) (النمل).   4) السحر: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)) (يونس).   والسحر قد يكون هو الإعلام الذي يغيِّر أفكار وعقول الناس، بل قد يفسد عقائدهم، وقد نعتهم الله جل وعلا بالفساد وطمأننا إلى بطلانه في النهاية، فمهما حاول المفسدون أن يسحروا أعين الناس وعقولهم بإعلامهم الفاسد، فسيحق الله الحق في النهاية ويبطل الباطل.   5) الغش: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)) (هود).* والعثو هو الإفساد.. أي لا تفسدوا متعمدين الإفساد قاصدين إلى تحقيقه.   وبخس الناس أشياءهم هو عدم الوفاء بالحقوق، وهو تضييع الأمانات، وتقديم من لا يستحق وتأخير من يستحق، ألا ترى أخي الحبيب أن المحسوبية تدخل في بخس الناس أشياءهم، وكل ذلك من الظلم في حقيقة الأمر.   6) بطر النعمة: ومثال ذلك هو "قارون" رمز أولئك الذين آتاهم الله من صنوف المال والنعم فظنوا كما ظن قارون أنه إنما أوتيه على علم عنده.. قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)) (القصص).   7) فرعون رمز الفاسدين وإمام المفسدين: إن فرعون في القرآن الكريم هو رمز للحاكم الفاسد في نفسه المفسد لشعبه.. وليس المهم أخي القارئ أن تعرف اسمه؛ ولكن المهم أن تعرف صفاته الفاسدة؛ لأنها متكررة عبر الزمان، وأسوق إليك هذه الآيات: أ- (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4)) (القصص).   ب- (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26)) (غافر).   إنها كلمة كل طاغية ومفسد في الأرض عن كل داعية مصلح.. كلمة الباطل الكالح أمام الحق الجميل.. كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ، إنه منطق واحد كلما تواجه الإيمان والكفر.   ج- (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)) (الفجر).كأن الأمر يبدأ أولاً بالطغيان الذي هو تجاوز الحد وعدم وجود رادع يكف الطاغية عن طغيانه.. فيستمرئ الفساد ويكثر من الظلم.   ألا ترى أن هذا مصداق قوله تعالى عن منهج فرعون مع المصريين: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)) (الزخرف).   د- (وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)) (الأعراف).   8) اليهود.. وما أدراك ما اليهود!! (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)) (المائدة).   وهكذا هم يثيرون الفتن ويشعلون الحروب للتفريق بين أبناء الأمة الواحدة، مقتدين في ذلك بزعيمهم "فرعون "الذي.. جعل أهلها شيعًا"؛ لكي يمكن له أن يستضعف طائفة منهم، وأن يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم.   اليهود قوم ما ذُكرت مذمة في القرآن إلا كان لهم كفل منها.. لعنهم الله لعنًا كبيرًا.   9) الصد عن سبيل الله: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)) (النحل).   وهكذا هم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا.. يقطعون علينا الطريق ويقعدون لنا بكل صراط يوعدون.. ويتوعدون!! لأنهم لا يحبون الخير لأحد وهؤلاء لهم عذاب مضاعف.. لأن آثار إفسادهم مضاعفة أيضًا.   قال تعالى: (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)) (الأعراف).   عقوبتهم (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)) (المائدة).   هذا هو جزاؤهم، وهو أحد حدود الشريعة الإسلامية، شاء من شاء، وأبى من أبى..والحرب على شريعة الله عز وجل ورسوله هي حرب الله ورسوله التي وردت في الآية.. وليس هناك أشنع من محاولة تعطيل الشريعة "شريعة الله" وترويع الدار الذي يقام فيه هذه الشريعة.   النهاية (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91)) (يونس).   لقد كان فرعون مفسدًا.. عاصيًا.. هذه مهمته ووظيفته، فكانت نهايته غرق على أعين الناس، ليرى ضعيفو الإيمان كيف تكون النهايات للذي وصل فساده إلى أنه قال لقومه: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24)) (النازعات).. هكذا!!.   والآن لن تنفعك أيها الفرعون كلمة التوحيد.. لقد عشت سنين عددًا تفسد في الأرض وتستعبد الناس، فلن تنفعك شهادة التوحيد عند الغرغرة.. نسأل الله السلامة.   وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل