المحتوى الرئيسى

جيش على وجيش معاوية

04/12 08:15

العقيدة العسكرية جوهرها السمع والطاعة، وتجهيز وتدشين جندى لدخول الحرب يحتاج إلى تدريبه سلوكياً قبل تدريبه مهارياً، فهو يحتاج إلى زرع بعض القيم التى قد تكون مستهجنة وغير مقبولة فى الحياة المدنية، مثل: عدم الجدل، ونفذ ثم تظلم.. وما إلى ذلك من سلوكيات ننتقدها نحن فى مؤسساتنا المدنية التى من الممكن أن تحتمل الرحرحة والأخذ والرد ووجهات النظر المتضاربة... إلخ، عند التفكير فى القرار ومناقشته مثلما حدث فى حرب أكتوبر بين قادة الأسلحة تكون الديمقراطية ويكون النقاش، أما عند التنفيذ على أرض المعركة فهنا تكون الديكتاتورية لازمة بل واجبة، أى أن القرار ديمقراطى والتنفيذ ديكتاتورى! فعقيدة القتال تحتاج التنفيذ السريع، واحترام القائد، وعمل حساب عنصر الوقت بجزء من الثانية فى المعادلة.. الصرامة والانضباط والالتزام تمثل مثلث الاتزان العسكرى الذى يحمى ويحافظ على مؤسسة هى صمام الأمن والأمان لأى مجتمع. لماذا انتصر معاوية على إمام المتقين على بن أبى طالب؟ بحث المؤرخون عن حل لهذا السؤال العويص اللغز وكانت أقرب الإجابات هو طبيعة تشكيل جيش الإمام على المختلفة عن جيش معاوية، فالأول جيش مثقفين بلغة العصر الحديث، هوايتهم الجدل وإسداء الاقتراحات وطرح المناقشات وإعلان الاعتراضات، أما جيش معاوية الذى كان يفخر بأن جنوده لا يفرقون بين الناقة والجمل!! فهو جيش سمع وطاعة، لذلك عندما حدث التحكيم كان اللجوء إليه انشقاقاً وقبوله انقلاباً فى جيش على، أما فى جيش معاوية فنزل برداً وسلاماً! هذه حكاية جانبية للذكرى والموعظة والدرس، وبالطبع نلتزم منها بعنصرى السمع والطاعة، ونهمل عنصرى الناقة والجمل، لأننا الآن فى عصر الطائرات التى بلا طيار وصاروخ البلاى ستيشن!! نزول ضباط لمظاهرة التحرير بزيهم العسكرى وهتافهم ضد المؤسسة العسكرية التى ينتمون إليها كان عملاً خارجاً عن كل التقاليد العسكرية التى ذكرتها، والتى لابد أن تكون محفورة فى ذهن كل من ينتمى إليها.. هذه التقاليد هى عُرف مستقر ومعاهدة غير مكتوبة يحفظها وجدان وعقل كل ضابط وعسكرى فى أى جيش فى العالم..هذا لا يعنى أن المؤسسة العسكرية هى دولة مستقلة داخل الدولة لا يناقشها أحد، ولكن الحساب والمراقبة والنقاش لها آلية خاصة سيضعها البرلمان المنتخب المقبل فى الحسبان بالنسبة لجميع المؤسسات، ومنها المؤسسة العسكرية، وليس من الحصافة ولا من البطولة أن نشجع ضباطاً على الخروج على حدود الانضباط العسكرى بضمهم إلى صفوف المدنيين المتظاهرين وهم يرتدون زيهم العسكرى بكل دلالاته ورسائله وواجباته التى يفرضها على كل من يرتديه، فعندما ننبه على القضاة بعدم الجلوس على المقاهى وعدم لعب الدومينو والكوتشينة على موائدها، فنحن لا نحتقر المقاهى ولا الجالسين عليها، ولكننا نحافظ على برستيج القاضى ومكانته والصوبة الأخلاقية التى تفرض عليه حاجزاً زجاجياً شفافاً بينه وبين الشارع، كذلك ضابط الجيش، وهذا ما يبرر استعجال الجيش فى سحب رجاله من الشوارع، لأنه لابد من وجود هذا الحاجز الشفاف الذى يحافظ على صورة ضابط الجيش من تراب نميمة وتطاول وعبث الشارع. الثورة هدمت ودكت قواعد النظام، لكنها لابد ألا تهدم قواعد الدولة، والجيش عمود خيمة الدولة، الجيش له أبجدياته القتالية الخاصة ولغته العسكرية المتفردة، له شفرة جندية مميزة، تحتاج لكود خاص لا يحفظه إلا أبناء الجيش، علينا احترام تركيبة هذه الشفرة وسرية هذا الكود. [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل