المحتوى الرئيسى

الدولة الآيديولوجية دولة عدوانية

04/11 14:53

عبد الحميد الأنصاري لا أعرف بلداً حباه الله تعالى بالموارد والثروات مثل إيران، تلفت يمنة ويسرة واذهب شمالاً وجنوباً على امتداد العالم الواسع لن تجد بلداً اصطفاه الله عزوجل بكل ضروب النعم والخيرات مثل إيران، إذا تحدثت عن البترول فأنت هنا تتحدث عن احتياطي شكل 12% من احتياطي العالم يكفي إيران لمئات السنين وهي رابع دولة على المستوى العالمي في الإنتاج. أما الإحتياطي من الغاز فلا نهاية له وإذا جئت إلى الثروات الأخرى المعدنية والحيوانية والزراعية والسمكية والمائية، فلا توجد ثروة لا تملكها إيران أما الثروة البشرية في الأعظم إذ يشكل حجماً سكانياً مناسباً لمعركة التنمية والتقدم إذ لا يشكل الحجم السكاني عبئاً على الموارد ولا نقصاً يعوق التنمية، كما أن الإيرانيين شعب متعلم وحيوي وطموح وتتمتع إيران بمناخات وبيئات متنوعة من أقسى البرودة إلى أقصى الحرارة، من جبال عالية إلى وديان سحيقة أما الموقع الإستراتيجي فلا مثيل له بين العالم وإذا تحدثنا عن المناظر الطبيعية الساحرة والآثار التاريخية والسياحية فهما كفيلتان بجذب أفواج السياحة العالمية. في جملة مختصرة لقد أعطى الخالق إيران كما لم يعط بلداً آخر وخصها بكل الإمكانات الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي وكل المقومات اللازمة لبناء مجتمع نموذجي ورائد بالمنطقة بأكثر من تركيا وماليزيا لذلك يعجب المرء بل ويتحسر عندما يرى أن كل هذه الموارد لا تذهب في وجهتها السليمة لرفع مستوى المعيشة للشعب الإيراني يعجب المرء كثيراً عندما يعلم أن هذه الموارد تصب في خدمة الخارج ولا تسخر لبناء البلد وتنميته في مشاريع تيسر للشعب سبل الحياة الكريمة. كلنا استبشرنا بالثورة الإيرانية قبل 30 عاماً إذ جاءت بآمال عريضة وطموحات واعدة وتسلمت بلداً عامراً بالخيرات كان يشكل مستوى متقدما في الخدمات الصحية والتعليمية في المنطقة، كانت إيران مقصداً سياحياً مفضلاً لأبناء الخليج يذهبون إليها سياحة واستثماراً واستشفاءً وكان التومان الإيراني عزيزاً وكان المواطن الإيراني فخوراً معتزاً ببلده وبإنتاجه وبصناعاته. ولكن بعد 30 سنة من الثورة ما هي المحصلة النهائية؟! إنها المعاناة الشديدة والأزمات الطاحنة والعزلة الدولية والحصار والعلاقات المتوترة بالجيران والتمرد الداخلي والاحتقان السياسي وقمع المعارضين وفرض الإقامة الجبرية على قادة المعارضة، ألا يحق للمواطن الإيراني الذي ضحى لأجل الثورة أن يتساءل اليوم: لماذا لا أعيش في نفس مستوى جاري الخليجي على الضفة الأخرى؟! لماذا أحرم من التمتع بثروات بلادي كما يتمتع أبناء الخليج بثرواتهم؟! ألا يحق له أن يتساءل كما تساءل حسن روحاني - أحد خلصاء النظام - لماذا جيوب الناس خاوية وكرامتهم ضائعة؟! بطبيعة الحال نحن لا ننكر جهود الحكومة الإيرانية لرفع مستوى الاداء الاقتصادي والتخفيف من معاناة الناس وخصوصاً الطبقة الفقيرة عبر العديد من الخطط كالدعم والتعويض وزيادة الصادرات وتشجيع الإستثمار وخلق فرص عمل جديدة، لكن الأعمال تبقى بنتائجها العملية المتحققة لا بمجرد الخطط والإجراءات، مشكلة إيران الأساسية الانشغال بالشأن الخارجي بأكثر من تنمية الداخل وهذه مشكلة عويصة ملازمة لكل نظام أيدلوجي يتخذ العقيدة الأيدلوجية أساساً ومرجعاً وحكماً. انظر على سبيل المثال الى كوريا الشمالية التي صرفت كل مواردها على التسلح والحصول على التقنية النووية انطلاقاً من عقيدة حاكمة، هناك الشعب يعتقدون أن حاكمهم شبه إله لكنهم يعيشون في حالة مزرية! إنها العقدة الأيدلوجية المهيمنة على العقول والنفوس! مشاكل إيران كلها ترجع إلى عقيدة أيدلوجية واحدة هي «نظام ولاية الفقيه» الذي تتخذه إيران نموذجاً للحكم وأساساً لنظامها السياسي وتبشر به وتهدر المليارات في سبيله، فتتدخل في شؤون الدول الأخرى وبخاصة دول الجوار الخليجي مما اضطر مجلس التعاون مؤخراً إلى اتخاذ موقف حازم إزاء تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون لدرجة اتهامها «بالتآمر على الأمن الوطني الخليجي وبث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطنيها في انتهاك لسيادتها واستقلالها ولمبادئ حسن الجوار والأعراف والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي». مثل هذا البيان الحاسم والقوي لم يكن يصدر من قبل من دول مجلس التعاون المعروفة بسياسة الأدب الجم والمحافظة على علاقات حسن الجوار ولكن الأحداث الأخيرة المؤسفة سواءً في الكويت أو في البحرين اضطرت دول التعاون لتقول لإيران: إن أمن الخليج خط أحمر لا يقبل المساس به، وبدورها استنكرت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون معبرة عن أسفها وإدانتها للاتهامات الباطلة التي وجهتها لجنة الأمن القومي لمجلس الشورى الإيراني للمملكة العربية السعودية. الآن ما هي دلالة كل هذه الإدانات والاستنكارات الصادرة من دول مجلس التعاون ومن رابطة العالم الإسلامي ضد التدخل الإيراني في شؤون المنطقة؟! ولماذا لا تنصرف إيران إلى شؤونها الداخلية وتعمل على بناء نموذجها الأيدلوجي ليكون نموذجاً ناجحاً وجاذباً لشعوب ودول المنطقة بدلاً من توتير العلاقات مع الجيران؟! هذه التساؤلات وغيرها لا تجد إجابة مقنعة عليها من قبل النظام الإيراني الذي لا يكل عن كيل الاتهامات الساذجة والتي لا تستحق الرد ضد دول المنطقة كالقول إن بيان مجلس التعاون صدر بضغط أمريكي، وكأن البشر في الخليج لا يرون ولا يحسون بخطورة التدخل الإيراني في شؤونهم! التساؤل هنا لماذا تستمر إيران في التدخل في شؤون دول المنطقة؟! والإجابة لأنها دولة أيدلوجية ترى نفسها مكلفة بنشر رسالة، والدولة الأيدلوجية - بطبيعتها - دولة عدوانية، وهي أيضاً دولة محكومة بالفشل مهما حققت من انجازات أو نتائج سريعة! لقد كان القرن الماضي قرن الأيدلوجيا بامتياز كانت هناك ألمانيا النازية التي حققت معجزات عسكرية واقتصادية وإيطالية الفاشية واليابان الإمبراطورية والاتحاد السوفيتي الشيوعية ولكن بنهاية القرن سقطت كل تلك الدول الأيدلوجية، وكافة الدول التي اتخذت من العقيدة الأيدلوجية ركيزة أساسية لتبرر تدخلها في شؤون الدول الأخرى وتتمدد فيها ثم تشن العدوان عليها بهدف اخضاعها واستنزاف مواردها باءت بالفشل وجنت على نفسها وعلى شعوبها دماراً وتخلفاً وخسراناً كبيراً. إيران من الدول القلائل في عالم اليوم والتي لازالت تتبنى القيادة الأيدلوجية مثل كوريا الشمالية، ضيعت عمراً طويلاً وأهدرت ثروات عظيمة في رفع شعارات معاداة أمريكا لكنها لم تجن إلا البؤس لشعبها، إيران الدولة البترولية الغنية لازالت تستورد البنزين وتقننه بالبطاقات لأنها عاجزة عن اقامة معامل لتكرير البترول كما تستورد الغاز وهي أكبر بلد في مخزون الغاز من جارتها في الشمال أوزبكستان، والتومان الذي كان عزيزاً أصبح ورقاً برخص التراب والخدمات الصحية التي كانت متطورة أصبحت اليوم في مستوى يرثى لها. وإذا كانت الثورات العربية الجديدة ضد بعض الأنظمة العربية المستبدة بسبب انتشار الفساد والمحسوبية قد نجحت في تغيير بعض الأوضاع ومحاسبة المفسدين، فإن الفساد المستشري في إيران لم يجد من يتصدى له، وانتفاضة الشعب الإيراني ضد الفساد والمحسوبية قمعت، ولازالت ثروات إيران تبدد في الخارج وفي مشاريع لا يستفيد منها الشعب الإيراني! تلك طبيعة كافة الدول الأيدلوجية. * نقلاً عن "الأيام" البحرينية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل