عبورفي الميدان
الجمعة، أول أمس أثار عندي مشاعر متناقضة، أولها هيبة المشهد في الميدان الذي يؤكد أن روح الثورة ماتزال متقدة، وأن إطارها يتبلور ويتجسد من خلال تنظيمات بدأ التركيز عليها وترديد أسمائها تحوي القوي الشعبية الحقيقية التي حركت الثورة ومعظمهم من جيل الشباب، من معجزات الثورة أنها كانت بلا إطار، بلا حزب، بلا قيادة كاريزمية، وقد آن الأوان لظهور إطار واحد لقواها المبعثرة بعيداً عن القوي التقليدية القديمة، في الميدان عاد الشعب المصري بكل طوائفه، وحفل اليوم بمشاهد مؤثرة، خاصة الترانيم القبطية التي افتتح بها اليوم، وتم أداؤها بأصوات غاية في العذوبة، هذا يتجاوز ما جري في ثورة ٩١٩١ ويتصل به، عندما كان القمص سرجيوس يخطب من فوق منبر الأزهر، والشيوخ يخطبون في الكنائس، من أحداث ثورة ٩١٩١ خرج أعظم شعار يعبر عن جوهر مصر المتدينة، المتساشمحة المدنية، شعار »الدين لله والوطن للجميع« تجسد هذا في ميدان التحرير أول أمس من خلال تلك المهابة وهذا الحضور المكثف للرجال والنساء والأطفال، وللشيخ الرمز حافظ سلامة الذي يليق به لقب المجاهد الأكبر، لقد جري تعتيم علي دوره الأسطوري في صمود مدينة السويس وآمل أن أجد من العمر فرصة لتدوينه، وقد قدر لي أن أكون قريباً منه ومن رجاله، ها هو يعلمنا الآن درساً، كان عائداً من ليبيا للمرة الثانية، تحمل مشاق الرحلة وظروفها وهو من تجاوز التسعين، لكنه ذهب لنصرة الثوار، في الميدان رفرفت أعلام فلسطين وليبيا وسوريا واليمن والعراق وتونس، كل الشعوب العربية كانت حاضرة، وهذا جديد بعد انقطاع حضور الحس القومي، أما المنصة فكان المتعاقبون والحاضرون فوقها علي مستوي الثورة رغم بعض الفوضي والاضطراب في لحظات معينة، لكن هذه تفاصيل صغيرة في حضور أكثر من مليون شخص، هذه المرة أثارت السعادة وأحجبت الروح، لكن إلي جانب ذلك كان اليوم محملاً بما يثير القلق والتوجس لعلي أفسر غداً .
Comments