المحتوى الرئيسى

عزة مغازي : هذه شهادتي على ليلة الرعب في التحرير

04/09 16:50

اخرج من الميدان وأنا ارتعد قلقا وخوفا. أحاول إقناع أصدقائي بمرافقتي خشية أن يتكرر الرعب الذي عايشته قبل ساعات قليلة في تلك الليلة الطويلة التي مرت علينا  بعد أن فرقتنا قوات الجيش المصحوبة بقوات الأمن المركزي التي اقتحمت ميدان التحرير أمس لتفريقنا بالقوة.بدا اليوم باعثا على الأمل وصلت الميدان عقب صلاة الجمعة بساعتين. قررت أن أنام جيدا واذهب إلى المظاهرة متأخرة استجابة للدعوة التي أعلنها ائتلاف شباب الثورة عبر الفيس بوك بالاعتصام المفتوح لحين تحقق باقي المطالب التي مازال المجلس العسكري يرجئ تنفيذها والمتمثلة في الإسراع بمحاكمة رؤوس الفساد من رموز نظام مبارك وعلى رأسهم المخلوع وعائلته وكبار كهنة عرشه (صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور). وحل المحليات الفاسدة  واستكمال تطهير المؤسسات السيادية والاقتصادية الهامة إلى جانب تفعيل المحاكمات الجادة لقتلة الشهداء والمتسببين في إصابة العديد من الثوار بعاهات مستديمة يطيب لرومانسيتنا أن نتصورها كأوسمة شرف في مجتمع يصم كثير من المنتمين إليه بالثوار. وغيرها من مطالب جمعة التطهير التي دعت إليها قوى سياسية عدة .كان الميدان ممتلئا ولم تكن لقوة سياسية بعينها كما لاحظت صديقتي هبة نجيب حضورا مميزا عما سواها من قوى. انتشرت المنصات الإذاعية في مختلف أرجاء الميدان ووقفنا بجوار ممول الثورة المزعوم (كنتاكى) لفترة قبل أن نتحرك لنحتسى القهوة في أحد المقاهي المجاورة. مع عودتنا للميدان وجدنا بعض من المتظاهرين يتحدثون عن عشر ضباط جيش وقفوا على أحد المنصات الإذاعية ( المنصة التابعة لجماعة الاخوان المسلمين) وتحدثوا إلى جمهور الميدان  بعد أن ابرزوا هوياتهم العسكرية ليؤكدوا للمتظاهرين صحة انتسابهم للجيش المصري. خاصة بعد أن أذاع التلفزيون المصري تنويهات عدة موجهة من قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ( بحسب زملاء بالميدان) تحذر كل من يظهر بالزى العسكري خلال المظاهرات . سالت بعض من استمعوا إلى كلمة ضباط الجيش العشرة . وأكد لي عديدون إن الضباط هتفوا  (الشعب يريد إسقاط المشير والشعب يريد تطهير الجيش). فيما هتف المتظاهرون (الشعب والجيش أيد واحدة) وهو الهتاف التقليدي الذي يتردد منذ ظهر الجيش في شوارع القاهرة مساء جمعة الغضب ( الثامن والعشرين من يناير الماضي).ظللت وأصدقائي بالميدان إلى أن أعلن عن توجه مظاهرة يقودها شباب من الاخوان المسلمين نحو سفارة إسرائيل في الوقت الذي كانت توزع علينا فيه ورقة تدعو للمشاركة في الانتفاضة الفلسطينية الثالثة المقرر لها الخامس عشر من مايو المقبل ( الموافق لذكرى انتزاع الأرض الفلسطينية وإعلان دولة إسرائيل) مما حمس عدد غير قليل من المتظاهرين لترك المظاهرة والاعتصام المقرر قبل أسبوع للانضمام لتحرك نحو السفارة الإسرائيلية ووسط استنكاري لتوقيت هذا التحرك وتشككي المعلن في جدواه  .غادر صديقان ليلحقا بالمظاهرة وجلست انتظر والباقين موعد بدء الاعتصام المقرر فيما كانت الإعداد تتناقص تدريجيا حتى انكمشنا إلى ما يقل عن أربعة آلاف متظاهر بحلول منتصف الليل وسط اختفاء تام لشباب ائتلاف الثورة ( الذين اعتصمت وزملائي استجابة لإعلانهم الذي اتضح لاحقا أنهم سحبوه) ولغيرهم من شباب الحركات السياسية المختلفة الرسمية منها والمستقلة . ومع ازدياد حركة الدراجات البخارية المستفزة التي عاودت الظهور هذا الأسبوع مكررة تحرشها بالمتظاهرين فضل أصدقائي من الذكور أن ننتقل جميعا إلى منتصف الميدان حرصا على وعلى صديقتي المرافقة لي وسط اتصالات من الخارج تحدثنا عن اختطاف مزعوم لقائد بالشرطة العسكرية وصدامات لم نشهدها بين الشرطة العسكرية والمعتصمين، وأنباء أخرى عن اقتراب قطعان من البلطجية من الميدان للهجوم علينا.في هذه الأجواء المتوترة جلسنا على سور الكعكة الحجرية نمزح ونزجى الوقت ونردد الهتافات المنادية باستكمال إسقاط النظام مع غيرنا من المعتصمين الساهرين، وبعد دقائق من انتصاف الليل تزايدت وتيرة الاتصالات القلقة من أصدقاء خارج الميدان يحذروننا من البقاء ويطالبوننا بقلق بالعودة لمنازلنا قبل حلول موعد حظر التجول إلا أننا آثرنا جميعا الالتزام بالاعتصام وعدم التخلي عن المعتصمين الآخرين الذين شعروا بواجب أخلاقي في حماية الضباط الذين انضموا لاعتصام مطالبين بتطهير المؤسسة التي ينتمون إليها من اتهامات تواتر الحديث عنها بين مختلف طبقات الشعب المصري منذ ما يسبق قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير.في الواحدة صباحا سيارات الأمن المركزي تحوم حولنا، ليست سيارة واحدة هذه المرة كما كانت في الاعتصام الذي شاركت به مع أصدقاء للمطالبة برحيل حكومة أحمد شفيق . بل ثلاث سيارات تلف وتدور فتأتى حينا من شارع قصر العيني فينطلق نحوها الشباب هاتفين “ارجع ارجع” فتدور حولنا محاولة الدخول من الشارع الصغير المجاور لمسجد عمر مكرم من جهة ميدان سيمون بوليفار. ..التوتر يزداد ونحاول التغلب عليه بالمزاح والهتاف يهتف شاب: “الشرطة العسكرية جاية كتير من ناحية المتحف” التفت لأنظر ما يحدث وراء ظهري تماما ويطمئنني أصدقاء: “ماتخافيش الجيش مش هيضربنا” ابتسم لهم وبرأسي تتردد ذكرى ليلة اعتصام مجلس لوزراء الذي لاحقتنا فيه قوات الجيش الخاصة بالكرابيج والعصي المكهربة. اتصال من صديقة بعدها بدقائق وفى حوالي الثالثة إلا الربع :” عزة في عربيات مدرعة بتاعة جيش كتير جاية من مدينة نصر عليكم”. أطمئنها قائلة :” مفيش حاجة متخافيش معتقدش الجيش باعت قوات تبيدنا إحنا مش صهاينة يعنى تلاقيهم رايحين يأمنوا سفارة إسرائيل عشان موضوع الالتزام بالمعاهدات”. أنهى المكالمة وأعاود الجلوس ومازالت صفارات الإنذار البدائية تتردد لتنتزع منى اصدقائى الذين يجرون بين كل جهة وأخرى من مداخل الميدان المختلفة للمشاركة في تأمينها وسط تأكيدات مشددة من كل منهم لي ولصديقتي: ” خليكم انتم ماحدش يتحرك مش ناقصين قلق عليكم” انصاع واجلس في موضعي وأنا ارقب تنقلهم وجريهم وأتحين عودتهم للاطمئنان عليهم. إلى أن وجدنا صفوفا من قوات الجيش تدخل الميدان من جهات شارع قصر العيني والشارع الصغير المجاور لمسجد عمر مكرم ومن جهة عبد المنعم رياض. أمسكت بيد صديقتي وأنا أحاول أن اجمع حولي أصدقائنا الآخرين، انتقلت أنا وهى إلى داخل الكعكة الحجرية ولحق بنا صديقنا محمد مصطفى ممسكا بيدى بينما أمسكت أنا بهبة نجيب بيدى الأخرى ليقتادنا إلى خارج الميدان ويخفينا في مدخل إحدى العمارات ليعود هو إلى الداخل وسط هتافي المحتج.كانت الأمور تشتعل بسرعة الشرطة لعسكرية وقوات الجيش التي لا اعرف ماهيتها بالضبط تتحرك نحو الكعكة الحجرية لتحاصرها والكل بداخلها نتقل أنا وصديقتي للاحتماء بسطح إحدى العمارات ليتسنى لنا مراقبة ما يحدث، كان الصوت بأسفل عال ونحن على السلالم نتنقل من طابق لأخر كلما استشعرنا وقع الأقدام يقترب.. إلى أن وصلنا إلى السطح ومن هناك بدا صوت إطلاق النيران يتعالى ، كانت النيران كثيفة والصوت لا يوقف أبدا  سقط قلبي بين قدمي شعرت به هناك خارج جسدي بانتظار قدم رحيمة تطأه وتخلصني من الرعب الذي تملكني. أنا هنا بمنتهى الجبن اختبئ بينما الجميع هناك يواجهون الرصاص دفاعا عن حقهم في الاعتصام السلمي، عن الحفاظ على حياة أولئك  الذين وضعوا حياتهم بين أيديهم من ضباط الجيش.تمالكت خوفي ونهضت إلى شرفة قريبة لأتابع ما يجرى، كان إطلاق النار المستمر قد صار غير محتمل، على الأرض هناك وجدت جسد مكوم في وسط الميدان وجنود الجيش يكسرون خيمتين وحيدتين أقامهما بعض المعتصمين فيما رفض الباقون إقامة أي خيام درءا للشائعات التي تطال أخلاق من يشارك بالاعتصام من فتيات وشبان. ..كان المشهد على الأرض مفزعا قوات الجيش تطارد الشبان وتضرب بعضهم بعنف وتمسك ببعضهم الأخر مقتادة إياه إلى  المدرعات التي أحاطت بالكعكة الحجرية، كان الشباب قد توقفوا عن هتاف سلمية سلمية والجيش والشعب أيد واحدة اللتين كنت اسمعهما أثناء هروبي على سلالم العمارة القديمة  كانت المطاردات داخل الميدان على أشدها والضرب المبرح للمعتصمين أيضا، وتصاعدت رائحة قنابل الغاز التي عرفت لاحقا أنها  ألقيت من قبل قوات الأمن المركزي التي التحقت بقوات الجيش للمشاركة في فض الاعتصام . عدت لأجلس بعد أن فقدت القدرة على السيطرة على أعصابي تماما تناولت الكمبيوتر المحمول لواحدة ممن لحقوا بنا على سطح العمارة  وحاولت أن أرسل بعض المشاهدات إلى متابعي تويتر  ليصدمني مدى اتساع حجم التخوين الذي ووجه به المعتصمون !!.  تركت الجهاز بعد أن زاد شعوري بالخذلان من ارتعادي وخوفي على اصدقائى المتناثرين بأسفل والذين لم اعد قادرة على تمييز أيهم في الميدان وسط أصوات النيران الكثيفة.استمر الوضع على هذا الحال حتى تجاوزت الساعة الخامسة بقليل ولان الله رحيم كان التليفون المحمول منجاتى عندما اتصلوا بى واحدا تلو الأخر ليطمئنوني عليهم ويطمئنوا على فوقفت أتابع المشهد بأسفل وقد خف ذعري بعض الشئ.كانت طلقات الرصاص الآن تتطاير في الهواء بالقرب من  الواقفين على السطح ، فتراجعت إلى الخلف قليلا لأتابع ما يجرى بعيدا عن مدى الرصاص (أو هكذا أظن) لأجد جنود الجيش قد جلسوا على ارض الميدان وكأنهم ينوون الاعتصام وبدأت مجموعة منهم في مد الأسلاك الشائكة داخل الكعكة الحجرية بغية منع المتظاهرين عن الوصول إليها في صباح اليوم التالي. إلا أن إطلاق النيران عاد بقوة وتواصل بعد نحو عشر دقائق من التوقف في شارعي باب اللوق وطلعت حرب. ولكن الإطلاق توقف بعد فترة (قبل السادسة بقليل) لتنسحب قوات الجيش تاركة خلفها أسلاكها الشائكة وبقايا الرصاصات التي أطلقت على المعتصمين المسالمين. مصطحبة معها الجسد المكوم في منتصف الميدان والذي رأيته بوضوح أثناء دخوله عربة الإسعاف لأتبين أنه لشاب يرتدى الزى العسكري.وفى طريقها للخارج لم تنس المدرعات أن تلق لنا بتحيتها الأخيرة عندما اندفعت بقوة في اتجاه عدد من المتظاهرين الذين عاودوا الاحتشاد داخل الميدان. إلا إن الله سلم وخرجت المدرعات تاركة لنا ذكرى واحدة من أحلك ليالي الثورة المصرية. لا لكم الرعب الذي شهدناه فيها والقتلى  الذين قال معتصمون أن  أعدادهم تراوحت بين 3 و سبعة حسب فيما خرج بيان وزارة الصحة ليؤكد سقوط قتيل واحد و71 مصابا. بل لتلك الحالة من التخوين والاتهامات التي طالتنا وكل ذنبنا أننا آثرنا الشرف (ولو كنا مضللين) على النوم في البيوت .مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل