المحتوى الرئيسى

شهادة - عفواً يا رئيس الوزراء

04/09 13:45

أسعدني بلا شك تأكيد الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء خلال لقائه أمس الأول مع أسامة صالح رئيس هيئة الاستثمار والمناطق الحرة علي أن مصر تعطي الأولوية للزراعة خلال المرحلة المقبلة.. وأسعدني أكثر تصريحه بأننا "كنا نستهدف زراعة 100 ألف فدان في السودان الشقيقة وارتفع الرقم لزراعة مليون فدان بالسودان علي أن نستفيد بالعمالة المصرية القادمة من ليبيا والعائدة من الخارج في تنفيذ هذا المشروع الطموح.وإذا سألتني: لماذا أسعدني هذا التأكيد وذلك التصريح فسوف أقول علي الفور أن رئيس الوزراء وضع يده بالفعل علي الجرح الذي يؤلم مصر والصريين.. ولن يشفي هذا الجرح إلا بعلاج ناجع.. وهذا العلاج الناجع هو الزراعة.مشكلتنا الكبري في مصر أننا لا ننتج غذاءنا.. وعلي حد علمي فإننا منذ أكثر من نصف قرن نتسول طعامنا من أسواق العالم.. وأحيانا نضطر إلي أن نأكل فضلات الشعوب التي تأتينا فرز ثالث أورابع كمعونات.. أو صفقات رخيصة لضيق ذات اليد.وكان حلمنا الأكبر دائما أن يأتي طعامنا من أرضنا.. ومما نزرعه بأيدينا.. وخصوصاً فيما يتعلق بالقمح والذرة وغيرهما من المحاصيل الاستراتيجية التي يتم التضييق علينا لكي لا نزرعها في بلادنا.. ونظل نعتمد علي الخارج في سد احتياجاتنا منها.وحين يتحمس رئيس وزراء الثورة ويعطي الأولوية للاستثمار الزراعي فإن هذا بلا شك يثلج صدر كل مصري غيور علي وطنه وعلي استقلال إرادته.. وعلي أمنه الغذائي حتي لا تشوبه شائبة التلوث السرطاني.وأكثر من ذلك فإن تصريح رئيس الوزراء بشأن زراعة مليون فدان في السودان يغازل حلم الوحدة العربية والتكامل الزراعي والاقتصادي العربي.. وهوالحلم الذي هتف به جيلي كثيراً في طابور الصباح بالمدارس.. وحفظ أناشيده وأغانيه عن ظهر قلب.. هو الحلم الذي تربينا عليه وكدنا نلمس به عنان السماء.. ثم انقلب الحلم إلي كابوس.. بل كوابيس متتالية.. مما جعلنا نفقد الأمل في أي مشروع جاد للوحدة والتكامل.وقد جاء تصريح رئيس الوزراء ليرد إلينا ثقتنا في الحلم القديم.. وليوقظ في نفوسنا جذوة الحماس مرة أخري للتقارب والتعاون مع السودان الشقيق لما فيه مصلحة الشعبين.. وما أجمل أن تتحد أيدي الأشقاء في عمل مشترك بالمودة والإخلاص.ومن مصلحتنا بكل تأكيد أن يذهب إخواننا العائدون من ليبيا بلا عمل ومن تونس ومن اليمن إلي السودان ليزرعوا الأرض بخبرتهم المصرية العتيدة.. ليطعمونا ويطعموا إخوتنا في السودان.بالنسبة لنا ستكون الفائدة مزدوجة إذ سنجد عملاً لهؤلاء العائدين بدلاً من أن يتحولوا إلي عبء ثقيل لا يقدر الوطن علي استيعابه في الوقت الحالي دفعة واحدة.. ثم ان عملهم في السودان سيعود إلينا في صورة محاصيل زراعية وخضراوات وفواكه.. نأخذ منها ما يكفينا وربما نصدرللخارج ما يفيض عن حاجتنا.وبالنسبة لإخواننا السودانيين الذين سيكونون شركاء لنا في هذا الاستثمار فسوف يضمنون استزراع هذه المساحة الضخمة من أرضهم "مليون فدان" بعد أن كانت أرضاً مواتاً متروكة منذ آلاف السنين رغم أنها من أجود الأراضي في العالم وأخصبها.. كما سيضمنون الحصول علي انتاج زراعي جيد.. وعائد مجز من التصدير.لهذا كله أسعدني كلام رئيس الوزراء.. لكن تجارب الحياة علمتني أنه ليس كل ما يسعدني هو بالضرورة الأصوب والأنفع.. وأن علي الإنسان أن يفكر مرتين وثلاثا وعشرا ويستشير مرتين وعشرا قبل الإقدام علي أي خطوة جديدة مهما كانت عظيمة ومغرية حتي يحصن خطوته هذه من الزلل.. ويؤمنها ضد الفشل والانتكاس.وعلي ذلك أجد في نفسي رغبة لأن أهمس في أذن د. عصام شرف وأقول له: عفواً يارئيس الوزراء.. يجب أن نتمهل في التجربة السودانية.. وندرس تجربة سابقة مشابهة.. اندفعنا إليها بروح مخلصة وأهداف نبيلة.. لكنها انتهت -للأسف- نهاية مأساوية.أقصد بالطبع تجربتنا في إرسال أبنائنا إلي العراق الشقيق لكي يستوطنوا هناك في المناطق المهجورة الخالية.. يعمروا ويزرعوا .. ثم عادوا إلينا بعد سنوات طوال جثثاً في نعوش أسميناها ب "النعوش الطائرة".علينا أن نتذكر جيدا تجربة العراق القاسية.. وندرسها جيداً ونحن نبدأ تجربة جديدة مع السودان حتي لا تتكرر المأساة.علينا أن نأخذ حذرنا.. ونأخذ الضمانات التي تكفل حياة كريمة لإخواننا المصريين بين أشقائهم السودانيين.. وعلينا أن نشرك ضامنين من الجامعة العربية والمنظمات الدولية في مثل هذه المشروعات حتي لا ينالنا أذي من أي دعايات مغرضة تثار هنا أو هناك.ثم علينا أن نقول لإخواننا السودانيين بكل صراحة: إننا نرسل إليهم أغلي ما عندنا .. فلذات أكبادنا.. وهؤلاء يستحقون أن يتم التأمين علي حياتهم وفق القوانين الدولية التي تحمي العمال وتحفظ حقوقهم.لا حياء في ذلك ولا حرج.. ويجب أن يعلن هذا في وسائل الاعلام المصرية والسودانية.. حتي يدرك الجميع أن التغيير الثوري الذي حدث في مصر جعل كرامة المصري فوق كل اعتبار.إن حصلنا علي هذه الضمانات والتطمينات فبها ونعمت.. وإن لم نحصل.. وساورنا الشك من أن ينال أبناءنا أي أذي من حروب أو ثورات فإن البديل الوطني موجود.. ولدينا آلاف الأفدنة الموات في توشكي وسيناء وشرق التفريعة وصحراء مصر الممتدة من الشمال للجنوب في حاجة إلي كل حبة عرق مصرية .. وسوف تخضر بأيدينا وتعطي خيرات وافرة.صحيح انها ستحتاج جهدا أكبر ومالاً أكثر.. لكنها لن تعرض المصري مرة أخري للهوان أو للخطر.إشارات :* أعلنت حماس نجاة أحد قادتها من غارة جوية إسرائيلية علي سيارته في السودان قبل ثلاثة أيام.. وأسفرت الغارة عن مقتل شخصين.هذه ذراع إسرائيل الطويلة التي كنا نسخر منها.. كيف سيرد السودان؟* كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان قال إنه سينتخب جورج اسحاق القيادي في "كفاية" لو ترشح لرئاسة الجمهورية.. وقال أيضاً: إن تاتشر "المرأة" خدمت بلادها أفضل من مبارك "الرجل".هذا منطق جيد يقترب بالإخوان كثيرا إلي منطقة الاعتدال.* د. كمال الجنزوري يقول: اعدموني لو لم أزرع توشكي بالكامل في عامين.. ووزير الزراعة أيمن أبوحديد يقول: حاسبوني لو لم أحقق الاكتفاء من القمح بعد عامين.نريد أن نفهم.. لماذا كل شيء في عامين؟!.. ماذا سيحدث بعد عامين؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل