المحتوى الرئيسى

حنان عبد الفتاح بدر تكتب:فتح شبابيك عينيك..عن أحداث التحرير فجر السبت الدامى

04/09 21:50

كنت أتوقع كارثة بعد الجمعة المليونية وهو إيقاع عهدناه جميعاً فى مسلسل الحرائق والفوضى، إذ يعقب عادة كل تظاهرة حاشدة وناجحة وكل تجاوب من المجلس العسكرى لمطالب الجماهير كارثة من نوعية حرائق أمن الدولة او حريق وزارة الداخلية أو اقتحام الاستاد، لكنى أعترف أننى لم أتوقع كارثة بهذا الحجم والتى أسفرت عن نتيجة دموية وذكرتنا بأحداث الكر والفر فى عنفوان الثورة، تعود أسباب مهزلة التحرير فجر السبت إلى ديناميكية تحركات الطرفين الثوار والجيش وكان رهاناً على عدم تعلم أى منهما من أخطائهم السابقة، سواء فى مواجهات فض الاعتصام بالقوة سابقاً ولاظوغلى وكلية الإعلام وأخيراً فض الاعتصام بالقوة فى التحرير مرة أخرى والذى جاء بهذه القسوة نتيجة مشاركة ضباط فى الاعتصام.أوجه أسئلة للمجلس العسكرى: إن كان الجيش ينفى إطلاقه الرصاص الحى أو فض الاعتصام بالقوة المفرطة فمن رأيناه إذن على الفيديوهات المنتشرة؟ وأين ذهب المعتقلون؟ ولم يسقط قتلى مرة اخرى فى ميدان التحرير، ولم لم يمر الاعتصام بسلاسة مثل الجمعة السابقة؟ ولماذا يلجأ الجيش إلى نغمة المندسين (والتى تؤكدها على فكرة الفئات المشاركة فى الثورة بالفعل عندما ينفى كل منهم مشاركته فى الاعتصام)؟ وما الحل للخروج من الأزمة باعتباره يتقلد مقادير الأمور حتى الآن؟أسئلتى للثواركذلك: إن كانت كافة الأطراف المشاركة فى الثورة تنفى قيامها بالاعتصام فمن الذى اعتصم إذن؟ وهل كان الاعتصام ضرورى وواقعى لتحقيق مطالب الشعب التى تتحقق بالفعل بإيقاع أكثر بطئاً عن توقعات الثوار الراديكاليين؟ وهل هذا التوقيت الصحيح لهدم آخر مؤسسة للدولة لها مصداقية لدى الغالبية، حتى وإن فرض البعض أنهم من السذج والغوغاء (وهذا استعلاء فكرى يتناقض مع مبادئ الثورة)؟ مع اعترافى بحقهم فى المشاركة كمواطنين مصريين وليس بصفتهم عسكريين هل كان على الضباط المشاركين-الذين لا يعلم مصير الناجين منهم سوى الله- فى التظاهر ارتداء الزى العسكرى وهم خارج الخدمة وهو إجراء يتعارف عليه بأنه انشقاق على الجيش له تداعياته وفقاً للأعراف العسكرية؟من السذاجة الحالمة توقع معاملة لطيفة وظريفة من قوات الجيش لأن المؤسسات العسكرية فى العالم كله بما فيها الدول الديموقراطية تعمل وفقاً لمبدأ الطاعة والقسوة، لأنه لا يجوز أن يقول جندى لقائده: طب اقنعنى لماذا أضرب على هذا الهدف؟ هذا النقاش والتفاوض يتم فى المؤسسات الأكاديمية والتعليمية وليس فى الجيش، لأنه مؤسسة لا تتيح لها إمكانياتها الهيكلية والوظيفية التفاوض السياسى، واستفزازها قبل استقرار الهياكل الديموقراطية ليس فى صالح الثورة، وقد أخطأ الثوار عندما توقعوا ان يتعامل الجيش مع الخلاف فى الرأى كما يتم التعامل مع مؤسسات المجتمع المدنى، ببساطة لأنه ليس مدنياً، ولكن كل ذلك ليس مبرراً لهذا التدخل مفرط القوة الذى رأيناه وهو رد فعل جانبه الصواب والحكمة من أصحاب القرار.أعلم أن مصطلحات فلول الوطنى والثورة المضادة أصبحت ممجوجة بالفعل، وأصبحت مثل اللهو الخفى اللى أكل الجبنة وبرغم عدم اقتناعى بأنهم وراء هذه المأساة، لكن بعض التساؤلات قد تكشف الرؤية عمن المستفيد من الوضع الحالى؟ من الذى سيشمت بوقيعة الثوار والجيش؟ من الذى يريد أن يضج الشعب بممارسات الثوار وعنف الجيش؟ كل المؤشرات تؤكد أن أحداث التحرير تصب فى صالح الثورة المضادة فهى تضعف مصداقية الثوار وتجعل الشعب يضيق ذرعاً بالمراهقة السياسة وروح المغامرة غير المسئولة، كما أنها تضر بشدة بالمجلس العسكرى الذى حنث بوعده ألا يرفع السلاح على الشعب الذى أصبح يعانى تدهور صورته جراء التغطية الإعلامية المحلية والدولية. نعم لا يخلو أداء الجيش من أخطاء والحذر المشبوب بالبطء فى التعامل مع النظام السابق كما يجب وضع أى فساد داخل المؤسسة العسكرية فى إطار الفساد المجتمعى العام، ولكن دعونا نفكر بهدوء وعقلانية: هل من مصلحة الثورة الانقلاب على الجبش الآن؟ هل قوى عود المؤسسات المدنية او الثوار حتى نطالب بإقصاء طنطاوى الآن؟ هل نملك بديلاً منتخباً أم نفتح المجال للقافزين بالباراشوت لكى يحتلوا الفراغ السياسى؟ لست سعيدة بالتأكيد بأداء الجيش 100% خاصة فى تعامله مع القضايا الحقوقية من حرية الرأى والتعبير أو حرية الاعتصام، لكنى أرى أنه من الغباء السياسى أن نخسر الحليف الوحيد واستعداء من لا نقوى على مواجهته حتى إن لم يكن يتبنى رؤية متطابقة للثوار، وذلك ليس حباً فى حكم الجيش وإنما لأنه بالفعل وبرغم وثاقة الصلة بالرئيس السابق اتخذ قراراً يوم 11 فبراير بالانحياز للثورة يصعب واقعياً ان يرجع عنه اليوم.الثورة لم تكتمل وحتى تكتمل يجب ألا نحيد عن هدفنا الرئيسى والذى قتل من أجله الشهداء وفقد من أجله المئات أبصارهم وهو مجتمع أكثر ديموقراطية، والسؤال الحاسم الآن: هل يضمن خروج الجيش من المعادلة السياسة تحقيق الهدف السادس من الثورة وهو بناء نظام ديموقراطى سليم؟ وكيف يمكن ضمان تحقق الهدف؟ لا بد من وضع أربعة مسارات محتملة فى الحسبان تتفاوت فى إمكانية حدوثها، أولها وأسوأها على الإطلاق والذى أخشاه  سيناريو1952 والذى يتمثل فى تحول المجلس العسكرى لتشديد قبضته تماماً لمواجهة الانفلات والغضب بدلاً من مساحة الحرية النسبية التى نعيشها الآن لتصبح مكاسب الثورة صفراً ونعود إلى عهد أكثر دكتاتورية من نظام مبارك، أما المسار الثانى ينطوى على انشقاق داخل المؤسسة العسكرية نتيجة الأحداث باعتبار أنها ذات دلالة، ولكنه إجراء غير مأمون العواقب بالنظر إلى الأوضاع المحيطة بنا كما أنه فى ضوء الشواهد الحالية مستبعد، فالدول من حولنا غير مستقرة وفى أدبيات التحول الديموقراطى يعد عدم استقرار وعدم ديموقراطية الدول المجاورة من العوامل المحبطة للتطور الديموقراطى، وهذا ليس كلامى أو كلام المجلس العسكرى بل كلام أكاديميين دوليين مستقلين.أما المسار الثالث الممكن فهو بقاء الأمور كما هى مع عدم اهتزاز المسار الإصلاحى البطئ والحذر الذى انتهجه الجيش، ومع بقاء المشاعر المشحونة تجاه الجيش لدى البعض، خاصة إن لم تحدث محاسبة أو تحقيق فى الأحداث التى أسفرت عن قتلى ومصابين وتخريب، وقد يتسارع إيقاع المسار الإصلاحى والتطهيرى درءاً لمزيد من الغضب الشعبى ومحاولة لاسترضائه، رابع السيناريوهات المحتملة وأكثرها تفاؤلاً التوجه لمزيد من المشاركة المدنية فى المرحلة الانتقالية او اختيار الجيش الخروج من حلبة الحكم تجنباً لمواجهة مباشرة أوالاحتكاك مع الشعب وحفاظاً على هيبة المؤسسة العسكرية ليكون هناك إما مجلس رئاسى أو انتخابات مبكرة.حتى تزداد الأمور وضوحاً يتمثل الحل السياسى غير الحالم فى عدم المساس بوحدة الشعب والجيش لأنه كما قال البرادعى خط أحمر، ومن أجل ذلك نحتاج شفافية أكبر من المؤسسة العسكرية خاصة فى محاسبة المسئول عن مهزلة التحرير، السرعة فى ملاحقة النظام الفاسد ووضوح فى التعامل فى مقدرات الوطن وتطبيق مبدأ سيادة القانون بعدالة ودون معايير مزدوجة، كما نحتاج من الشعب التقليل من نبرة التحدى وعدم الارتكان لمقولة ما تقدرش.أختم بمقولة أرى إنها ضرورية للتوضيح لأنى أعلم أن هذا الموضوع سيكون شديد الاستقطاب للرأى العام:  ليس بالضرورة أن يكون الأكثر سباباَ والأعلى صوتاً هو الأكثر ثورية أو الأكثر وطنية أو الأصوب رؤية، ولن أحنث بعهد قطعته نفسى عهداً أثناء الثورة أننى لن أخاف قول كلمة حق بعد الآن، ولا ينبغى أن يحل الخوف من الثوار الجدد محل الخوف من النظام القديم، أقول ما أؤمن به وما يمليه عليه ضميرى وحب الوطن فى ضوء المعلومات المتوافرة لدى حتى الآن، ولم يعد هناك من يملك حقاً حصرياً لإدارة البلد كما أن أبسط قواعد الليبرالية هى تقبل المراجعات بصدر رحب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل