المحتوى الرئيسى

جهود الإخوان المسلمين

04/09 14:19

بقلم: عبده مصطفى دسوقي ما زلنا نتابع أصداء ثورة 25 يناير، وما حدث فيها من تغييرات في المجتمع؛ سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، غير أننا نرى بعض المثقفين ما زالوا لا يعترفون بجهود فصيل له دور كبير وسط المجتمع ومتواجد منذ أكثر من ثمانين عامًا، وضحَّى بكثيرٍ من أبنائه في سبيل تحرر هذا الوطن وفي سبيل إصلاح المجتمع؛ ما شابه من أمراضٍ وعللٍ اجتماعيةٍ وسياسية، وقدَّم مشروعًا اقتصاديًّا أتى ثماره، وكانوا يحرصون فيه على إعطاء العامل حصةً من الأسهم حتى يشعر بأن له جزءًا في المصنع أو الشركة ولا يعمل أجيرًا عند أحد.   لقد حاول النظام العسكري طيلة أكثر من ستين عامًا يعمل على تشويه صورة الإخوان بشتى الطرق، وكان يساعده بعض المثقفين الذين ساروا في ركابه، وحينما حررت ثورة 25 يناير الشعب المصري من هذا النظام تبارى بعض المثقفين للتحامل على الإخوان، وبدءوا حملة تخويف من هذا الفصيل، وكان بعض المثقفين- وما زالوا- يتعمدون أن يسقطوا 20 عامًا من تاريخ وجهود الإخوان في إصلاح المجتمع والتصدي للمحتل البريطاني منذ نشأة الجماعة حتى اغتيال مرشدها الأول الأستاذ حسن البنا، فلقد غفل كثير من المؤرخين والمثقفين عن عمد هذه الفترة التي قدَّم فيها الإخوان نموذجًا عظيمًا في جوانب الإصلاح المتعددة.   لقد وصف الإمام الشهيد حسن البنا ما سيتعرض له الإخوان بقوله في رسالة بين الأمس واليوم بقوله: ستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم.   ولنتوقف عند بعض جهود الإخوان في الإصلاح: أولا: الإصلاح السياسي منذ بدأ الإمام الشهيد دعوته إلى إحياء مجد الإسلام وأسس جماعة الإخوان المسلمين، وهو يدعو إلى الإسلام بمعناه الشامل الكامل، الذي يتضمن معاني الإصلاح جميعًا، فمثلاً في افتتاحية العدد الأول من مجلة (النذير) 30 مايو 1938م يقول الإمام حسن البنا: "نحن حرب على كل زعيم، أو رئيس حزب، أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام بمثل هذا الأسلوب نخاطب الناس، ونكتب لرفعة النحاس باشا، ومحمد محمود باشا، وعلي ماهر باشا، وحسين سري باشا، وغيرهم ممن نريد أن نعذر إلى الله بإبلاغهم الدعوة، وتوجيههم إلى ما نعتقد أن فيه الخير والصواب لهم وللناس.   ومن هذا المنطلق دأب الإخوان على إرسال المذكرات للملك ولرؤساء الوزراء اعتراضًا على فساد الحكومة أو سياستها نحو القضية المصرية أو قضايا المجتمع، فلقد عاب الإخوان على حكومة محمد محمود باشا عزمها إقامة مدينة للملاهي عمادها الخمر والميسر.   وفي وزارة علي ماهر باشا قدَّم الإخوان له برنامجًا عمليًّا للوزارة حددوا فيه عدة نقاط وهي: أ- التسامح التام مع خصومكم السياسيين، وتقدير ملاحظاتهم، والثناء عليهم في الحسن منها، وتلمس العذر لهم في الحملات الشديدة والانتقادات الخاصة، وانتهاز كل فرصة للتفاهم معهم.   ب- دوام الاتصال بالشعب بالزيارات من رفعتكم ومن كبار الحكام في بساطة وتواضع، وبعدٍ عن كلفة الرسميات، وأبهة المناصب.   ج- القضاء التام على الرشوة والمحسوبية وداء الوساطة التي تفشت في كل شيء عند كل الطبقات.   د- الاقتصاد التام في الكماليات، وفي أبهة المناصب، وتعديل الرواتب الضخمة، وإلغاء مظاهر الترف الرسمي في دواوين الحكومة ومصالحها، وليبدأ بذلك حضرات الوزراء أنفسهم ثم كبار الموظفين من بعدهم.   هـ- العناية بالشئون الاقتصادية، وتوفير المشروعات الإصلاحية.   ز- التشدد التام في حقوق الأمة القومية، وعدم اللين فيها، مهما كانت الظروف ضاغطة.   س- المحافظة التامة على الشعائر الإسلامية.   ش- الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ودعوة "إنجلترا" إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين في فلسطين، والسماح بالعودة للمهاجرين والاعتراف لهذا الوطن العربي الباسل الكريم بكامل حقوقه غير منقوصة.   كما شارك الإمام البنا والإخوان في انتخابات مجلس النواب عامي 1943 و1945م، إلا أن الضغط والتزوير منعهم من الفوز، وليس ذلك فحسب بل قدَّم الإخوان نموذجًا سياسيًّا لقضايا الوطن غير أن الحكومات لم تكن تستجيب لهذه المقترحات.   وحينما توجَّه النقراشي لعرض القضية المصرية على مجلس الأمن أرسل النحاس باشا برسالةٍ لرئيس المجلس يخبره أن النقراشي لا يمثل الشعب المصري، فشكل ذلك ضربة قاصمة في ظهر القضية المصرية؛ ما دفع الإمام البنا إلى أن يرسل رسالةً لرئيس مجلس الأمن يخبره أن الشعب المصري يقف خلف النقراشي في عرض القضية.   ثانيًا: الإصلاح الاقتصادي كما ذكرنا أن المشروع الإسلامي الذي عمل له الإمام البنا والإخوان كان برنامجًا شاملاً يشمل نواحي الحياة جميعًا، ومنها المحور الاقتصادي والذي اعتنى به الإخوان في ظل سيطرة المحتل الإنجليزي وأتباعه على الحياة الاقتصادية، ومن ثَمَّ فقد جاء في أول لائحة للجماعة حملت بين طياتها جوانب الإصلاح التي ينوي الإخوان القيام بها، ومما جاء في اللائحة في المادة الأولى: تنمية روح التعاون الاقتصادي والتعاملي بين أعضاء الجماعة بتشجيع المشروعات الاقتصادية وتكوينها والنهوض بها.. (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: من الآية 3)، ومنها: أ- تأسيس المنشآت النافعة للأمة روحيًّا واقتصاديًّا ما أمكن ذلك كالمشاغل والمستوصفات الطبية والعيادات الخيرية والمساجد وإصلاحها وترميمها والإنفاق عليها، والإشراف على إدارتها وإحياء الشعائر فيها: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (النور: من الآية 36).   ب- تنمية روح التعاون الاقتصادي والتعاملي بين أعضاء الجماعة بتشجيع المشروعات الاقتصادية وتكوينها والنهوض بها: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: من الآية 2).   كما أن الإخوان قد نادوا بعدة أمور منها: 1- الدعوة إلى الاستقلال الاقتصادي عن السيطرة الأجنبية عن طريق: 1) استقلال النقد المصري عن الإنجليزي والاعتماد على الرصيد من الذهب. 2) تمصير الشركات وإحلال رءوس الأموال الوطنية محل الأجنبية ما أمكن. 3) تأميم البنك الأهلي والشركات الأجنبية، وتوزيعها بالعدل على أبناء المجتمع المصري وتحريم تملك الأرض المصرية للأجانب. 4) تحريم الربا في كل المعاملات.   2- النهوض بالاقتصاد الوطني عن طريق: 1) استغلال منابع الثروات الطبيعية بصورة منتجة. 2) تشجيع الصناعات اليدوية لبث الروح الصناعية في الأمة. 3) التحول إلى الصناعة بجانب الزراعة. 4) إرشاد الشعب إلى التقليل من الكماليات، والاكتفاء بالضروريات. 5) العناية بالمشروعات الوطنية المهملة- آنذاك- مثل مشروع خزان أسوان. 6) إعادة النظر في نظام الملكيات في مصر.   ولقد وضع الإخوان برنامجًا اقتصاديًّا، وضحوا فيه رؤيتهم، والتي تمثلت في: * تحقيق الاكتفاء الذاتي. * توفير وسائل العيش لكل طبقات الشعب والوصول إلى مجتمع الرفاهية. * تحقيق المشروعات الضرورية للأمم الناهضة. * تعويد الشعب على الاقتصاد في كل شيء "زيادة الادخار وعدم إهدار الموارد".   لم يكتفِ الإخوان بالكلام حول الاقتصاد فحسب، بل اقتحموا الجانب العملي، وأنشئوا الشركات، ففي مجلس شورى الإخوان الأول الذي عُقد في 15/6/1933م؛ قرر المجتمعون إنشاء مطبعة للإخوان، ثم تتابع إنشاء الشركات مثل: شركة المعاملات الإسلامية، والشركة العربية للمناجم والمحاجر تأسست عام 1947م، وشركة الغزل والنسيج تأسست عام 1948م، وشركة الإخوان للصحافة، وشركة المطبعة الإسلامية تأسست عام 1946م، وشركة التجارة والأشغال الهندسية، وشركة التوكيلات التجارية، وشركة الإعلانات العربية تأسست عام 1947م.   ثالثا: الإصلاح الاجتماعي لقد فرَّق الاستعمار بين عموم الشعب المصري خاصةً، والوطن الإسلامي عامة كما فرق بين الطبقات فيه؛ ليضمن تخلف هذه الشعوب وموالاة الأغنياء له ورجال الساسة؛ لكن منذ أن نشأت الجماعة وقد أخذت على عاتقها للتصدي للفساد المستشري في البلاد سواء بمواجهة حملات التبشير الموجودة أو محاربة أماكن اللهو والخمر والميسر، ومحاربة البغاء والطبقية والفقر وإهمال التعليم.   ففي بداية الدعوة، اهتمَّ الإخوان بكل عناصر التخريب الموجودة في مصر وأخذوا يحاربونها، فقد وقفوا في وجه البهائية والقاديانية؛ حيث كشف الإخوان زيف البابية والبهائية وأظهروا حقيقتها وحذروا المسلمين من خطرها، كما تصدى الإخوان للبغاء وعملوا على إلغائه ومن الإجراءات العملية التي قاموا بها: 1- إنشاء دار التائبات بمدينة الإسماعيلية. 2- مساندة الجمعيات التي تحارب البغاء. 3- سخروا صحفهم في محاربة البغاء. 4- رفع العرائض للمسئولين للمطالبة بإلغاء البغاء. 5- تصحيح الأفكار الخاطئة في محاربة البغاء. 6- المطالبة بتشريع تجريم البغاء.   ولقد استجاب كثيرٌ من المسئولين لنداءات الإخوان، فمثلاً في السويس قرر المجلس المحلي بجلسته المنعقدة يوم السبت 6 ربيع الأول 1359ﻫ الموافق 13 أبريل 1940م إلغاء البغاء بناءً على طلب جمعية الإخوان المسلمين بها، وكان هذا القرار بإجماع أعضاء المجلس عدا رئيس المجلس.   ومن المظاهر أيضًا التي حاربها الإخوان مظاهر التعري والسفور؛ حيث نددوا بالصحف التي تنشر صور النساء عاريات، وأيضًا المخالفات التي تحدث في المصايف، ولقد استجابت الحكومة لهذه النداءات المتكررة، فأصدرت وزارة الداخلية قانونًا للمحافظة على الآداب العامة في سنة 1934م.   ولقد اهتمَّ الإخوان بالنواحي الصحية فأنشئوا المستوصفات والوحدات الصحية، ووفروا الأطباء، وحينما ظهر وباء الكوليرا عام 1947م شارك الإخوان للتصدي له، بدأ من القرين بمحافظة الشرقية، والتي ظهر فيها المرض وقد أُصيب منهم عدد ممن كانوا يقومون على رعاية المصابين، حتى إن مستوصفًا كمستوصف "تنطا" عالج خلال عام واحد ما يقرب من 3774 مريضًا.   رابعًا: إصلاح التعليم لقد اهتم الإخوان بالتعليم؛ لأنه المدرسة الأولى التي تخط في شخصية الإنسان، إما إلى طريق الاستقامة أو طريق الضياع؛ إن كان في التعليم ومناهجه خلل.   ولقد اعتنى الإخوان منذ نشأة الجماعة بالتعليم، فنجد الإمام البنا يحرص على ذلك ويُنشئ معهد حراء للبنين ومدرسة أمهات المؤمنين للفتيات، ومعهد حراء هو أول معهد بناه الإخوان المسلمون بالإسماعيلية، وكان مقره فوق مسجد جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية.   ولقد قدَّم الإخوان مقترحاتٍ عملية، سواء لإصلاح التعليم العام أو التعليم الأزهري والجامعات، وكان لهذا الأمر اهتمام وعناية لديهم.   لم تقتصر جهود الإخوان على هذه النواحي، بل امتدد الإصلاح للثقافة والأزهر، وكل مناحي الحياة في مصر، بالإضافة إلى أنهم قدموا رؤيةً كاملةً لعلاقة البلاد الإسلامية مع بعضها البعض وكيفية محاربة المستعمر الغربي وطرده من البلاد الإسلامية. ---------- * مشرف موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) * [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل