المحتوى الرئيسى

استقيلـوا.. يرحمكم الله؟!!بقلم: محمد هجرس

04/08 20:04

استقيلـوا.. يرحمكم الله؟!! بقلم: محمد هجرس** لا أعرف، لماذا لا يعترف بعض الحكام العرب، بأن شعوبهم لا تريدهم، ملّتْ منهم، وأنه يجب عليهم أن يتنازلوا عن الكرسي الذي يلتصق بمؤخراتهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وهم الذين طالما خرجوا علينا في خطبهم وأحاديثهم، بأنهم يحترمون هذا الشعب، ويستمدون منه القوة والعزم.. لاحظوا.. القوة والعزم، وليس البقاء أو الرحيل! هكذا هم الرؤساء العرب.. ما أن يصل أحدهم إلى السلطة، حتى لا يفارقها، إلا بالموت، أو الاغتيال، النادر منهم، من تخلّى طواعيةً واحترم رغبة شعبه وتعهّده، مثالان فقط في التاريخ العربي الحديث (عدا لبنان طبعا) هما من سجّلا الابتعاد الطوعي، حتى ولو كان في ظروف غير اعتيادية، المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي استلم السلطة في السودان أثناء انتفاضة أبريل 1985 ضد الرئيس الراحل جعفر نميري، بصفته أعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات ثم قام بتسليم السلطة للحكومة المنتخبة في العام التالي (1986) والثاني هو العقيد اعلى ولد محمد فال، الذي رأس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية الحاكم في موريتانيا، بعد انقلاب 3 أغسطس 2005 ضد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وقد تعهد بإعادة السلطة للمدنيين خلال 19 شهراً تنتهي بعد انتخاب رئيس بديل في 11 مارس 2007. ويبدو أن المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري في مصر، سيكون ثالثهم، بعد إدارته البلاد عقب خلع الرئيس السابق حسني مبارك (11 فبراير 2011).. وتعهده بتسليم السلطة لرئيس منتخب في غضون أشهر قليلة. عدا هؤلاء الثلاثة، لم توجد سابقة أخرى في التاريخ العربي الحديث، أو القديم.. كل نماذج الرؤساء العرب الراحلون أو الذين سيرحلون ـ إما للقبر أو للمنفى ـ مثيرة للتقزز وللتقيؤ، تتشبث بالسلطة بشكل غير مسبوق، ويعطون أنفسهم كل أثقال وأوزان ومبررات البقاء على صدور شعوبهم، لسنوات وعقودٍ، يزورون خلالها كل الدساتير والقوانين، ليصبحوا كآلهة الجاهلية، متناسبن أن الجاهليين أنفسهم، كانوا يتفننون في اختراع آلهتم، هذا إلهٌ من تمرٍ، وذاك إلهٌ من حلوى.. وعندما يشتدّ بهم الجوع.. يأكلوها! وهذا ما يحدث حالياً.. بن علي ومبارك، نموذجان سابقان، الأول قال في محاولة للبقاء أشهراً "أن لا رئاسة بعد الحياة" والثاني، كان يمنّي النفس باستكمال ولايته الدستورية، ربما لترتيب أوراقه، ولكنهما نسيا أو تناسيا أنهما وبعد عقودٍ حان وقت قطافهما، أو أكلهما.. فالشعوب التي لا تجد ما تأكله، على استعدادٍ لأن تأكل آلهتها، ولو كانوا رؤساء لها!. أحدهم في ليبيا، يعتقد أن لا حقّ للشعب في طلب مغادرته، أو حتى فتح فمه، بل إنه يعتبر أنه هبة السماء "الأممية" ليس لليبيا فقط، لكن للعالم، ومع أول صرخة احتجاج، سلط كل زبانيته ومدافعه وكتائبه في أبشع رحلة انتقام عرفها شعب في التاريخ المعاصر! العقيد القذافي نموذج لحالة "السعار" والجنون الذي لم يسجل له التاريخ مثيلاً حتى الآن.. من يستمع إلى كلماته أو خطبه، يدرك أن هذا الرجل جاء من المرّيخ، ليتحدث بلغة غير التي نقولها، ولأنه لا يشاهد سوى الأوهام، نجده يتحدث عن أشياء أخرى، ربما لا نجدها في العصر الحجري. المتأمل لحركات يده، وتعابير وجهه، يدرك أنه أمام طائرٍ خرافيّ، لا يملك غير الصراخ، وترديد ألفاظ تبدو وكأنها منحوتة من الوهم، فالرجل الذي يدعو الملايين، لتزحف إلى الأمام.. إلى الأمام.. لا رجوع.. لا رجوع، بعد أن شبعت رقصاً وفرحاً وغناءً، لم يكلف نفسه النظر لمن حوْله، أو حتى رؤية من هم خارج معسكر باب العزيزية، بل إن مذيعة قناته الفضائية ارتدت "جبّة المشايخ" التي سبق أن ارتداها مولاها باعتباره "أمير المؤمنين" وخرجت لتفتي بأنه مادام "التبنّي" حراماً في الإسلام، لذا فإن "تبنّي" مجلس الأمن قراراً ضد بلادها، يعدّ عملاً ضد الشرع، ومخالف للإسلام! هذه هي الخيالات المريضة، والخزعبلات، التي أنتجت هذا السلوك عقب أكثر من 40 عاماً من الفكر القذافي الأسود، 40 عاماً، كشفت الصور التليفزيونية الخارجة من جماهيرية العقيد، عن حجم البؤس، لواحدة من الدول النفطية الكبيرة، كل براميل النفط التي صرفت على نزوات العقيد، وحروبه الثورية في شتى أنحاء العالم، لم تنجح في سفلتة طريق يليق بجماهيرية الزعيم، فشلت كل الأفكار "الخضراء" والأذكار التي كان يتلوها العقيد في حضرة ملوك أفريقيا وسلاطين قبائلها، في أن تخرج ليبيا من كبوتها.. فقط جنون العظمة.. كانت ترتدي قفازاً أبيض.. لتكون عنواناً غير طاهرٍ أمام العدسات والميكروفونات العربية في المؤتمرات والقمم! فقط أوهام الزعيم الأممي، هي تلك التي استبدلت العالم بخارطة القارة السوداء، وكأنها حالة تعويض، تستعرض عضلاتها على الفقراء الذين كتب عليهم أن يستمعوا لخطب الجمعة من القائد المؤمن، لساعات تحت حرارة الشمس، لا بأس طالما أن الأمر كله مدفوع الأجر! ***** آخر في اليمن، لم يجد بدّا من التشدق بالديموقراطية، ويرفض حتى الإصغاء أو الاستماع، للآلاف من المعتصمين في ميادين التغيير، في صنعاء أو عدن أو الحديدة، أو تعز، بل إن هؤلاء الذين يسقطون ببنادق حرسه وشرطته، لا يهزون شعرة في جسده! لم تكن تلك الطفلة الصغيرة، ذي الأعوام الخمسة، التي تناقلت صورتها الفضائيات ووكالات الأنباء الأسبوع الماضي، وهي تخاطب الرئيس على الهواء في صنعاء، أن ارحل، ثم أخذت تبكي، لأنت أباها استشهد في نفس المكان، برصاص رجال الرئيس، إلا مشهداً سوداويّاً يلخّص كل فترة حكم الرئيس اليمني، ومثلما كان السلطان "المبارك" في مصر يستخدم "الإخوان" لوضع الغرب أمام خيارين: القبول بديكتاتوريته وسيناريو توريثه، أو القبول بوصول إسلاميين للحكم، كان الملك "الصالح" في اليمن، يلعب نفس اللعبة، ولكن هذه المرّة، مع التنظيم الأقوى.. القاعدة!. صحيح أنه ليس لدى الجنرال علي عبد الله صالح، نفط، ولا غاز، لكن يكفي الجنرال حفلات "القات" التي تفاخر علناً وفي حوار بقناة الجزيرة، بارتيادها، رغم أنه كرئيس، تعهد أكثر من مرة بالقضاء على هذا المرض الذي يفتك بالأشقاء في اليمن، جسداً ومالاً! الجنرال.. الذي ردّ على معارضيه المطالبين برحيله، بأن عليه هم أن يغادروا اليمن، سجّل واحدة من أبشع النكت العربية في القرن الحادي والعشرين، لأنه إذا كنا نضحك على سخرية مشابهة على رؤساء عرب، مخلوعين، باعتبارها مجرد فكاهة مريرة، فإذا الأمر حقيقة موجعة. ها هو رئيس عربي، بعد أكثر من 32 عاماً له في السلطة، يقول لشعبه :"اللي مش عاجبه البلد يسيبها"، بالضبط كما قال مبارك أكثر من مرة قبل سنوات مخاطباً شعبه المصري: أعمل لكم إيه.. ما هو انتو بتخلفوا كتير؟ أتساءل: هل هم هؤلاء فعلاً حكامنا العرب الذين يقولون لنا أنهم منا نحن الشعب؟ هل هؤلاء هم الذين نراهم في المؤتمرات، والمقابلات، والخطب الرنّانة، يثرثرون عن خيارات الشعب، والنزول عند الإرادة الشعبية؟ للأسف.. نعم هم هؤلاء الذين لم نخترهم أبداً، فُرضوا علينا بقوة السلاح، أو بالتزوير، أو في غفلة من الزمن.. للأسف.. "رضينا بالهمّ.. والهمّ مش راضي بينا". ــــــــــــــــ ** كاتب صحافي مصري [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل